برشلونة مدينة الروايات الملتبسة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

في هذه المدينة يمكن أن يضع الإنسان مخططاً لرواية، وهو بالكاد يقطع واحداً من تلك الأزقة الطويلة الضيقة والمتعرجة والمفتقدة الضوء، سوى أضواء الحوانيت الصغيرة التي تبيع تحفاً وتذكارات وقبعات، وملابس قديمة الطراز لا يشتريها أحد، كل شيء في برشلونة يدفع للإبداع، للرسم، فبرشلونة مسقط رأس كبار الرسامين، وتأليف القصص وكتابة الروايات، ففي إقليم كاتالونيا قامت نهضة أدبية عريقة ولا زالت.

يمكنك عمل نماذج لمبان مثيرة، عبقرية وحداثية في الوقت نفسه، إذا كنت معمارياً عبقرياً فبرشلونة تتيح لك الفرصة لتبدع كما تشاء، لا تهتم بما قد يقوله الآخرون، فبعد قرنين من الزمن سيعرف الناس مدى عبقريتك، وتصبح تلك النماذج أمكنة للجذب السياحي ومواقع للتراث العالمي، وستدر الملايين على المدينة كالمباني التي صممها الفنان الكاتالوني العبقري أنطونيو غاودي، وبالتحديد تحفته المعمارية كاتدرائية العائلة المقدسة (ساغرادا فاميليا).

تبدو برشلونة مدينة عبقرية بالفعل، وهي جزء من دولة عظيمة شكلت، ذات تاريخ، واحدة من إمبراطوريات التمدد والاستعمار الأوروبي القائم على الكشوفات الجغرافية، دولة اجتثت ملكاً عربياً إسلامياً باذخ الحضارة والتمدن والعلم، لتخوض ضده حرب استرداد لا هوادة فيها.

ولو لم يكن في إسبانيا سوى برشلونة فيكفيها فخراً، فما بالنا وعلى أرضها تتربع بمنتهى الكبرياء مدن سادت وعلت وأبهرت أوروبا بأكملها: غرناطة وأشبيليا وطليطلة وبلد الوليد وغيرها، الأندلس ذلك الفردوس الذي ضاع إلى غير رجعة، والذي ليس أمام أحفاد تلك الحضارة اليوم سوى الوقوف متأملين تلك القصور والحدائق الرائعة، مستذكرين ومندهشين وحالمين ولو بالقليل من ذلك الملك العظيم!

في رواية (المخطوط القرمزي) يحاول الإسباني أنطونيو غالا، أن يقدم رواية أخرى لاستسلام آخر ملوك الأندلس (أبو عبدالله الصغير) في مرحلة ضعفه القصوى (مرحلة ملوك الطوائف) فلم يسلم الأمير مفاتيح مدينته مختاراً، ولم يستسلم راضياً، لكنه كان أمام خيار وحيد لا ثاني له، إن أراد أن يحافظ على المدينة وعلى من فيها فلا تدك ولا تباد.

ولذلك اشترط أن تتضمن اتفاقية الاستسلام تعهداً مكتوباً من الملكين (إيزابيلا وفرديناند) بضمان حياة الناس وسلامتهم ودور عبادتهم وممارسة عقائدهم، أما حرب الاجتثاث والملاحقة فقد شنها الملكان على مسلمي الأندلس خيانة للعهد ونكثاً للاتفاق، كما يقول الروائي الإسباني!

تقف في مواجهة المتوسط متلفتاً متفرساً في سلوك الناس وتفاصيل المدينة، فتتذكر بيروت والإسكندرية وطنجة، إنها مدن المتوسط التي لا يخطئها القلب، أما هذا النصب الهائل الذي يعلو تمثالاً ضخماً يواجه الميناء مباشرة للمكتشف الشهير كولومبس فيروي تاريخاً عظيماً قلب الدنيا وموازنات القوة رأساً على عقب.

Email