دبي.. الفكرة الفاتنة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يمر يوم دون أن تكون دبي حديث مؤتمر أو موضوع نقاش أو فكرة ترتكز عليها عشرات المقالات في صحف الغرب والعرب، دبي مدينة مترعة بالعنفوان والتمرد والثقة، كنهر لا تضع قدميك في مياهه مرتين، ففي الأولى تلامس قدماك مياهاً وفي المرة الثانية مياهاً أخرى تدفقت من الأعالي، أما دبي فساكنوها ينامون على إنجاز ليستفيقوا على منجزات أحلى، لا تعطي دبي أذنيها ولا قلبها للثرثرة الفارغة ولا للجالسين على كراسي الغفلة والكسل والإشاعات، إنها مدينة لا تنام، لكنها حين تسهر فلأنها تغازل الإنجاز المتفرد الذي ستُقدّمه صباحاً للعالم غير مكترثة بالأسئلة الصغيرة، دبي قلب المحبين وعيون الممتنين وعقول الذين يُقدّرون تماماً معنى أن تتحول مدينة إلى فكرة وتتحول الفكرة إلى روح تملأ الدنيا وتُشعل أحاديث كل الناس.

في طفولتي أنا الفخورة بدبي، المتوهجة بضياء شمسها والمعتدة بعنفوان أهلها، كانت هذه المدينة سماء بلا سقف، وحياً صغيراً تسكنه عائلتي مع جيران طيبين، وبحراً كبيراً نعقد معه مواعيد لهو وحرية لا تنتهي، كانت بيتاً أبيض يتشارك سكناه رجال ونساء وصغار ممتلئين بهوى مدينة حنونة صغيرة كانوا يرونها كل الدنيا ولا يعرفون غيرها، لكنهم متجذرين في ملح بحرها وعروق نخيلها، مرسومين على الجدران والرمال وألواح السفن وشباك الصيادين وتلك المجاديف التي تضرب الموج وتحفر في المياه مسارات لطلب الرزق وفي القلب مسارات من اللوعة وانكسار الخواطر.

دبي لم تكن سوى قرية صيادين منذ ستين عاماً، تصارع العوز وقسوة الأحوال، وتعلق أحلام فقرائها على مشجب الموج كل صباح، وبينما كان الأطفال يعافرون رمال الأزقة ليصنعوا بهجتهم تحت الغبار، كان رجال بوجوه محروقة تحت الشمس يرتقون شباكهم ويصلحون مراكب الصيد بأصابع متآكلة وينتظرون الغد وفي قلوبهم جذوات أمل بأن الله سيُغيّر الأحوال إلى ما لا يتوقعون!

وها هي أحلام المؤسسين وآمال الطيبين تتجسد بأكبر مما حلموا متمثلة في جسد مدينة كأيقونة تكثف الزمن في منديل ساحر وتجعله بكل ألوان الطيف، كما تكثف المكان في قلوبنا وقلوب كل الساعين من كل الدنيا لتجعل الأمان ممكناً والسلام واقعاً في منطقة تترنح ليل نهار تحت وطأة الجنون والمخربين!

دبي مدينة لطالما أصابت الكثيرين بارتجاج في القلب حين ثبتت في وجه العواصف وخرجت من عمق الكوارث سليمة مبتسمة، وأصابت كثيرين بالغيرة والغضب حين سبقتهم واختطفت الراية وفازت في سباقات لا تُحصى، دبي درس حصيف وبليغ في هزيمة الواقع والافتتان بالتحدي، منذ كان التحدي منهج مؤسسيها الأوائل إلى أن أصبح شغف فارسها وحاكمها محمد بن راشد آل مكتوم.

Email