احترام الآخر لهويتنا واجب

احترام الآخر لهويتنا واجب

ت + ت - الحجم الطبيعي

نكمل حديثاً بدأناه يوم أمس عندما قلنا: إن المؤلم في حديثنا عن الهوية الوطنية هو أننا أقلية لا يمكنها فرض هويتها وسط غالبية ساحقة، والأكثر إيلاماً هو أن بعض الجهات المسؤولة بالدولة لا تبذل جهوداً لفرض احترام هوية الوطن على الوافدين، في الوقت الذي تؤكد فيه على المواطنين الحفاظ على هويتهم، رغم أن المواطن بطبيعته كأي مواطن في دولة أخرى لا يستطيع الانفصال عن هويته، لأنها جزء منه.

لكن مشكلته تكمن في أنه يواجه تحدياً من قبل الطرف الآخر الذي لا يحترم هويته، وبالتالي يسهم بشكل أو بآخر في التشويش على الجيل الجديد من المواطنين الذين أصبحوا مشتتين، لا يعرفون وجهة في الهوية يتخذونها. ففي الوقت الذي يربي فيه الآباء المواطنون أبناءهم يعززون فيهم الهوية الوطنية، يجدون جهودهم ضائعة ومبعثرة بمجرد خروج هؤلاء الأبناء من بوابة المنزل إلى مختلف الأماكن التي لا يجدون فيها ما يعزز هويتهم.

الأمر الذي يجعلنا نطالب اليوم بآليات وبرامج وإرادة حكومية نستطيع من خلالها نشر الهوية الوطنية، وتمكين مرتكزاتها واعتباراتها، ليس عند أهل البلد المتشبعين بهذه الهوية، بل عند الآخرين من الأجانب الذين إن ضمنا استيعابهم للهوية، وفرضنا عليهم ما يوجب عدم اختراقها أو المساس بها، سنضمن على الأقل توازناً في المجتمع بخصوص الهوية، تميل كفته لأهل الوطن.

لقد تعودنا في السابق على رؤية وسماع ما يتناقض مع هويتنا الوطنية، لكن من خارج حدودنا، وكان بإمكاننا الحد من تأثيرات ذلك على أبنائنا، لكن الوضع الآن تغير، فنحن نرى ونسمع تلك المتناقضات بين ظهرانينا وداخل بلدنا، فنعلم من ذلك أن خطراً اجتماعياً يمكن أن يهددنا من الداخل، كما هو الحال مع الخطر السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يمثله الانفتاح الاقتصادي والسياحي.

لا نبالغ فيما نصفه ويكفي فقداننا القدرة على مواجهة تلك المخاطر كلها في تربية أبنائنا والجيل القادم، فالتربية الأسرية على سبيل المثال، ان كانت تواجه اليوم تحديات تحول دون قيامها بمسؤولياتها فكيف نضمن أمنا اجتماعيا على الهوية الوطنية في مستقبلنا؟

نحن كأفراد مواطنين للأسف لن نستطيع أن نفعل شيئاً لمثل هذه الممارسات التي تتحدى هويتنا الوطنية مباشرةً، ليس لخوفنا من التعرض لهذه الممارسات بحجة التعايش الثقافي أو بحجج الحرية الشخصية وغيرها من حجج يسوقها منظرو حقوق الإنسان في العالم، بل لأن متطلبات العولمة سوف تمنعنا غداً من ذلك، وسوف تفرض علينا التنازل عن هويتنا الوطنية لأننا تنازلنا عنها في وقت مبكر.

تمكين الهوية الوطنية في بلادنا يواجه تياراً قوياً، وهو ما يؤشر الجميع لخطورته على مستقبل الأجيال القادمة التي أصبح المواطنون جميعهم يحملون همها ليل نهار. ينبغي عدم «التهوين» من قضية استيعاب واحترام الهوية الوطنية عند الآخرين من الأجانب، وذلك لن يكون بواسطة الفرد وحده ما لم تتحرك الجهات المسؤولة في الدولة للقيام بذلك، من خلال آليات تتضمن قوانين ولوائح وتعليمات وندوات وملتقيات.

وما إلى ذلك من آليات تضمن خصوصية الهوية الوطنية وعدم ذوبانها أكثر. والدولة لا تعجز عن ذلك كله في الوقت الذي اتخذت فيه آليات ساعدت وسهلت الانفتاح الاقتصادي والسياحي الذي كان السبب الأول في تذويب الهوية الوطنية. علينا النظر تحت أقدامنا، وسنرى أن الأرض تتحرك بعيداً عنا، فكيف ستكون بالنسبة للجيل القادم؟ .

maysaghadeer@yahoo.com

Email