حلم مارتن لوثر كينج ـ جيسي جاكسون

حلم مارتن لوثر كينج

ت + ت - الحجم الطبيعي

في عام 1966 انتقل الدكتور مارتن لوثر كينج للعيش في شقة إيجارها 90 دولارا في الشهر تتكون من أربع غرف في شارع هاملين على الجانب الغربي من ولاية شيكاغو. لقد سعى بهذا إلى تحدي مافيا أصحاب الإيجارات الذين كانوا وقتها يستغلون الفقراء وإلى تحدي مسؤولي المدينة الذين كانوا يتجاهلون مشكلة الفقراء وإلى تحدي الحكومة الأميركية التي كانت قد تخلت عنهم. الآن لم يعد هناك وجود للمبنى الذي كان يسكنه الدكتور كينج ولم يجر بناء أي شيء بدلا منه. إن مهمة الدكتور كينج لم تنجز بعد.

لقد كان لدى الدكتور كينج الحافز حتى بعد أن فاز بجائزة نوبل للسلام. فبفضله انتهى الفصل العنصري في البلاد واكتسب السود حق التصويت وحق الانضمام إلى المدارس الحكومية وحق ركوب الحافلات والإقامة في الفنادق. غير أن مبدأ العدالة بموجب القانون أثار سؤالا رئيسيا يتصل بماذا تعني هذه العدالة بشكل محدد.

إن آخر حملات الدكتور كينج كانت حول العدالة الاقتصادية. فقد كان يؤمن بأن لكل شخص الحق في الحصول على وظيفة وعلى خدمات تعليمية جيدة ورعاية صحية بأسعار معقولة ودورات تدريبية ترفع المستوى المهني والأكاديمي للفرد. الاقتصاد أمر مهم للغاية ولكنه لا يكفي وحده. فالحكومة يتعين عليها دائما التدخل لوضع القوانين والقواعد التي تنظم الأسواق وتُمكن العمال من الحصول على أجور معقولة مع إمكانية أن يصبحوا أصحاب عمل كملاذ أخير.

اليوم يعاني الاقتصاد الأميركي من مشكلات كثيرة. فقد ارتفعت نسبة الفقر والإفلاس والبطالة. الوظائف تصدر إلى الخارج وتأتي مكانها المخدرات والأسلحة. وبحسب تقارير أوردتها صحيفة (نيويورك تايمز)، فإن السود والأميركيين من أصل إسباني والمراهقين هم الفئات الأكثر تضررا من التدهور السريع الذي أصاب سوق العمل، حيث تبلغ نسبة البطالة بين تلك الفئات ثلاثة أضعاف مثيلتها بين البيض.

فأكثر من ثلث الأميركيين من أصل أفريقي ممن تتراوح أعمارهم بين 16 و19 عاما يعانون حاليا البطالة. وفي الوقت نفسه يزداد عدد الأطفال الذين يعيشون بلا تأمين صحي بشكل مطرد. وأصبحت الفئات الملونة بين الأميركيين هي الأكثر تضررا من فضائح وأزمات الرهان العقاري.

وبشكل هيكلي يتبين أن الخسائر الاقتصادية استشرت في كل مكان بالبلاد.فها هو جسر ينهار في مينابوليس على نهر الميسيسيبي.

وعلى امتداد أميركا، تفتقر البلاد إلى الاستثمارات التي تمس إليها الحاجة في القطاعات الاقتصادية المختلفة، مثل الجسور وشبكات الكهرباء وتقنيات الشريط العريض في الشبكة العالمية والخدمات التعليمية المنخفضة التكلفة، وذلك على الرغم من قيام إدارة بوش بإنفاق مئات المليارات في صورة تقليص للضرائب لمصلحة الأثرياء من الأميركيين (من أمثال أصحاب المليارات من ملاك صناديق التحوط الذين يدفعون ضرائب أقل من سكرتيريهم) ونحو تريليون دولار على حرب العراق الكارثية.

ويناقش الرئيس والكونغرس حاليا برنامج إنعاش اقتصادي على المدى القصير بهدف تحفيز الاقتصاد الأميركي البطيء. وهناك إجماع حالي على القيام بتقليص ضريبي بسيط ومؤقت، على نسق الهدايا التي نحصل عليها من وول مارت. ليست هناك أي علاقة بين هذا التحفيز الاقتصادي والحاجات الحقيقية للشعب.

فلا شيء يتم من أجل هؤلاء الذين هم على وشك فقدان منازلهم ولا شيء يتم من أجل علاج البنية التحتية المتهالكة وليست هناك مساعدات للمدن أو الولايات. وما زالت المباني والمحال في هولمان أفينيو الذي كان يسكنه مارتن لوثر كينج خالية.

ليس في مصلحة الشعب طرح قضية عدم وجود إجماع بين الحزبين الرئيسيين حول القضايا الرئيسية للمواطن الأميركي. غير أن إثارة الأزمة التي تواجه الفقراء والمناطق المدنية ليست أمرا سياسيا.

إن الدكتور مارتن لوثر كينج كان يفهم أن التهمة التي واجهها مختلفة: الجبان يسأل: «هل الأمر آمن؟ الإنسان النفعي يسأل: «هل الأمر له علاقة بالسياسة؟» والتافه يسأل: «هل الأمر له شعبية؟» غير أن الشخص الذي لديه ضمير يسأل: «هل الأمر صائب؟» وهناك وقت يتعين فيه على المرء اتخاذ موقف من دون أي اعتبارات أمنية أو سياسية أو شعبية، حيث يتوجب عليه أحيانا اتخاذ ما هو صائب بعيدا عن أي اعتبارات.

دعونا نُحيي حلم الدكتور كينج بتبني مهمته الأخيرة مرة أخرى.

خدمة «لوس أنجلوس تايمز»خاص ل: «البيان»

Email