إبراهيم أبو خليل.. الأسماء والألقاب ومدلولاتها

إبراهيم أبو خليل.. الأسماء والألقاب ومدلولاتها

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحمل معظم الأسماء في اللغة العربية وفي حالات الثقافة المحلية كنيتها. فنحن قد نلقب مثلا أحمد أبو يوسف وسلمان بأبو داوود، وعيسى بأبو عبدالله ومحمد بأبوجاسم. ورغم أن الكنية عند بعض اللبنانيين تكون بأبي، فإني كثيرا ما ألقب بعض الإخوة والأصدقاء اللبنانيين بأبو فلان فيصححون ذلك لي بأبي.

وعندهم تصبح هذه الكنيات ألقابا لعائلات كأبي عبد وأبي عقل.... وغيرها، وأكثر الكنيات شيوعا عند الفلسطينيين والتي تحمل بعض المضامين الاجتماعية والثقافية هي أبو العبد. ونعرف ان كنية أبو أو أبي تحمل أو تعبر عن سياقات ثقافية أو اثنية معينة.

وتحمل بعض هذه الأسماء أو الكنيات في السياقات الثقافية المحلية معانى كثيرة، فبعضها يجمع مابين سياق الثقافة الدينية وسياق الثقافة المحلية أو السياقات التاريخية، وقد يكمل بعضها البعض الآخر أو يناقضه.

فنحن نلقب بعض الأشخاص بكنيات لشخصيات دينية أو إسلامية معروفة فكل سلمان أو سليمان لدينا هو أبو داود تيمنا بالنبي سليمان أبو داود عليه السلام، كما أن كل علي لدينا هو أبو حسين كنية بالإمام علي أبو الحسن والحسين، ولذلك فإن كل إبراهيم هو أبو خليل نسبة الى إبراهيم الخليل عليه السلام. وكل مريم هي أم عيسى تيمنا بنبينا عيسى عليه السلام.

و يكنى الأشخاص بأسماء اكبر أبنائهم من الذكور أو بأسماء آبائهم ويرغب عرب الخليج والجزيرة وسكانه في أن يكنوا بأسماء آبائهم إذا لم يكن لهم أبناء من الذكور أو إذا لم يكن لهم أبناء أو بنات وقد يكنى البعض منهم بأسماء بناتهم ولنا من الأصدقاء الكثير ممن يكنون بأسماء بناتهم، وإذا ما كان العرب قديما من الرجال والنساء قد كنوا بأسماء بناتهم، إلا إننا ولأسباب متعددة بدا البعض منا يتأفف من أن يكنى بأسماء بناتهم ويفضل عوضا عن ذلك أن يكنى بكنيته من أبيه أو بكنية أسمه مثل كنية أبو على لاسم حسن وأبو حسين لعلي وغيرها.

فكما اننا نتوارث الأسماء والألقاب فإننا في فعلنا هذا نعيد إنتاج أنماط من السياقات الاجتماعية ـ الثقافية ونحاول تثبيت جذورها المتعرضة للاهتزاز بفعل عمليات التغير المتعولمة التي تجتاحنا إن لم تكن تعصف بنا. ثم إن الأسماء في عمومها قد تعبر عن التأثر بسياقات سياسية أو ثقافية أو حتى فنية معينة.

ففي فترة الخمسينيات والستينيات ابان سيادة الثقافة المصرية في عموم المنطقة العربية تأثرت تسمياتنا لأبنائنا بأسماء الشخصيات السياسية والفنية المصرية. فمن كان اسمه إبراهيم جيء إليه بولد أسماه بـ عبد المنعم ليصبح اسمه عبد المنعم إبراهيم تيمنا بأكثر الشخصيات الكوميدية انتشارا في السينما المصرية في ذلك الوقت.

والبعض منا سمى بناته بشادية نسبة للمطربة والممثلة المصرية المعروفة شادية ومن كان اسمه أحمد أطلق على إحدى بناته اسم سميرة ليصبح اسمها بعد ذلك سميرة أحمد نسبة للممثلة المصرية المعروفة سميرة أحمد. وكان لي أحد المعارف باسم رستم وعندما رزق ببنت أسماها هند ليصبح اسمها هند رستم ممثلة الإثارة المحتشمة في السينما المصرية في ذلك الوقت.

كما انتشرت عندنا الكثير من الأسماء المصرية كسامية وسامي وسمير وشكري ووهبي وعبد الحليم وفريد وشوقي ونجيب وأنور وصافيناز..وغيرها من أسماء الساسة وقادة الجيش والممثلين المصريين.

ولا ننسى إن الكثير من المتأثرين والمعجبين بشخصية القائد المصري الراحل جمال عبد الناصر قد سموا أبناءهم باسمه أو باسم خالد ليكنى كما عبد الناصر بأبو خالد أو أن يسموا إحدى بناتهم باسم هدى أكبر بنات عبد الناصر سنا أو تتأثر باسم الممثلة المصرية المعروفة هدى سلطان. ولا ننسى هنا إننا قد سمينا أبناءنا باسم عبد الحكيم تأثرا بالمشير عبد الحكيم عامر. ومن كان اسمه وليد سمى أول أبنائه من الذكور باسم خالد تيمنا بالقائد الإسلامي المعروف خالد بن الوليد.

ولأننا في ذلك الوقت موعودون أو سنكون موعودين بشخص القائد الإسلامي الكردي صلاح الدين فقد سميّنا أبناءنا باسم صلاح ليلقب بعد ذلك بأبو صلاح. وأعرف أن بعض من كانوا مأخوذين بشخصية الرئيس العراقي الراحل صدام حسين سموا أبناءهم باسمه أو بأسماء أبنائه قصي وعدي، إلا أنهم سرعان ما عدلوا عنها عندما غزا واحتل الكويت.

كما أن اشتداد حالة الهوية وأمر تفعيلها والانتساب لها دفع نحو انتشار أسماء القادة من رؤساء الدول الخليجية وساستها، والتخلي عن أسماء ذات صبغة مذهبية أو عرقية أو اثنية معينة إلى أخرى محايدة ولربما تبدو مؤكدة لدرجة من الانتماء السياسي أو المذهبي متفادين في ذلك للوصمة التي لا ترحم أحيانا.

من هنا فقد انتشرت في دول المنطقة في الفترة الأخيرة أسماء القادة الخليجيين مثل سعود وفيصل وفهد وزايد ونايف ونواف وعيسى وحمد وخليفة وراشد وغيرها.

ولما جاءت الحقبة الإسلامية سمى المتأثرين بها أسماء أبنائهم وبناتهم بأسماء شاعت في التاريخ الإسلامي فبدأنا نسمع عن كنيات مثل ابوقتادة وأبو مصعب وأبو قعقاع وأبو معاذ وأبو الحارث. ورغم إنها قد تعبر عن أسماء أو ألقاب لرموز وشخصيات في الحركة السلفية المتشددة معروفين لدينا من خلال وسائل الإعلام والفضائيات العربية ذات الإثارة. كما هي أسماء باتت منتشرة في أوساط بعض القيادات الاسلامية المعتدلة.

وتروج في أوساط قيادات منظمات الإسلام السياسي توظيف بعض من الأسماء السابقة وتحديدا في أوساط تنظيمات الاخوان المسلمين وجماعات السلف وحزب الدعوة الشيعي. كما إن نساء هذه التنظيمات يخترن أسماء كنيتهن وفقا للانحياز التنظيمي (أي الإخوان، السلف، الدعوة) والانتماء المذهبي.

فيلقبون بأم عمر أو أم قتادة أو أم جعفر أو أم العباس.. وهلم جرا. بل إن بعض هذه الكنيات توظف لتميز بين القيادات الحركية على أساس الانتماء القطري، حيث بتنا نسمع مثلا عن أبو قتادة المصري والآخر الفلسطيني أو العراقي أو الموريتاني.

إلا إن هذه الأسماء أو بعضها قد لا تحمل بعض المدلولات في الثقافة الدينية المحلية إلا أن بعضا منها قد حمل مدلولات ثقافية ـ اجتماعية. ولربما أكثر هذه الكنيات إثارة للجدل هو إن كل سيد أي من البيت الهاشمي يلقب بأبو هاشم وإن كان كل سيد أبو هاشم إلا إن ليس كل أبو هاشم سيد.

ورغم إن البعض يعتقد من أن الاخوة المصريين من الطبقات الشعبية يطلقون اسم سيد على مواليد يوم الجمعة من الذكور، إلا إنه في الحقيقة يعد أحد الأسماء التي يطلقها المصريون من الطبقات الشعبية تيمنا بآل البيت كسيدنا الحسين أو بالأولياء والصالحين كسيدي ابو العباس والسيد الشاطبي وغيرهما.

ويعد اسم إبراهيم أكثر هذه الأسماء إثارة ولربما تطبيقا في سياقات ثقافتنا المحلية لاعتقاد البعض منا من اتساق اسم إبراهيم الملقب بأبو خليل مع مصفوفة أفعاله.

فنقول عنه على سبيل المزاح صحيح إنك أبو خليل. ونستدل من ذلك من أسماء الكثير من الأشخاص الذين قد ارتبط اسم إبراهيم (أبو خليل) بمدلولات أفعالهم الثقافية -الاجتماعية والذين تتداول قصصهم على الألسن وفي النوادر الشعبية.

وأسماء الأشخاص عندنا تختلف باختلاف الفضاءات المشكلة لنا. فأهل الريف والقرى تروج في أوساطهم أسماء معينة تختلف عن أسماء أهل المدن والحضر رغم تداخل بعضها.

كما إن المجتمعات الخليجية هي الآخر تختلف فيما بينها من حيث شيوع بعض الأسماء عند بعضها عن البعض الاخر.بل ان شيوع الأسماء يختلف باختلاف الأديان والمذاهب. فما يروج من أسماء عند السنة قد لا تروج بالضرورة عند الشيعة والعكس صحيح.

كما إن ما يروج من أسماء عند المسيحيين العرب لا تروج بالضرورة عند المسلمين العرب وإن اشتركا في بعضها. وما يروج من أسماء عند مسيحيي لبنان يختلف عما يروج من أسماء عند مسيحيي مصر وهلم جر.

وخلاصة قولنا هذا إن الأسماء أو الألقاب لا يجب فهمها إلا من خلال سياقاتها الثقافية والاجتماعية والدينية السائدة والتي تنعكس على مصفوفة علاقاتنا الاجتماعية والسياسية، وهي ألقاب لا تخطيء أحيانا أصحابها بل إنها تفصح عنهم وتنبئ لربما ببعض أفعالهم.

كاتب بحريني

Email