الشارع العربي والفجوة القاتلة، بقلم: د. محمد قيراط

ت + ت - الحجم الطبيعي

ماهي علاقة الشارع العربي بصناعة القرار السياسي؟ وهل هناك رأي عام عربي؟ والى اي مدى يستطيع الشارع العربي ان ينتقل من مرحلة المظاهرات والمسيرات الى مرحلة الفعل والتنفيذ؟ قبل ايام استطاع الشارع الفنزويلي ان يرجع الرئيس هوجو تشافيز الى الحكم، واستطاع هذا الشارع ان يفشل خطة المرتزقة ومن وراءهم من دول معروفة في مهارتها في تدبير الانقلابات والاطاحة بحكومات الدول التي تختلف معها ايديولوجيا وسياسيا. وقبل سنوات استطاع الشارع الفليبيني ان يرغم الرئيس جوزيف استرادا على التخلي عن الحكم وان يقدم للعدالة بسبب تورطه في عمليات رشوة وسوء ادارته لشئون البلاد والعباد في الفلبين حيث انه مازال يقبع في السجن. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: متى يصبح الشارع العربي قوة تنجب الافعال؟ ومتى يقضي هذا الشارع على تلك الفجوة القاتلة بينه وبين الحكام، حيث نلاحظ ان الشارع في واد والسلطة في واد معاكس تماما؟ وفي بعض الاحيان نلاحظ ان الشارع ما هو الا عبارة عن فلكلور شعبي يخترق ويستخدم من القوى الفاعلة في المجتمع لتحقيق مصالح القوى المسيطرة على الشئون السياسية والاقتصادية في البلاد، وفي احيان اخرى يستعمل للترفيه والتسلية ولاحلام اليقظة وتارة يستعمل انطلاقا من مبدأ ان «الكلاب التي تنبح لا تعض» فالشارع العربي لم يرق بعد الى درجة القوى المضادة التي تراقب وتعارض وتفرض ارادتها على السلطة، فالملاحظ ان هذا الشارع، ورغم انه يمثل الرأي العام ويمثل عفوية الجماهير والفئات العريضة من المجتمع والارادة البريئة الطاهرة النقية لملايين البشر، الا ان تجسيد هذه الارادة في الفعل السياسي وفي القرار السياسي بقي في خانة المستحيل والعقم. التهميش والقطيعة فقبل ان نتطلع الى رأي عام عربي فاعل يجب ان نستفسر عن متطلبات ومستلزمات فاعلية الرأي العام في المجتمع ماهي مكانة الفرد في العملية السياسية؟ هل من مؤسسات سياسية فاعلة في الوطن العربي؟ كيف يصنع القرار في الدول العربية؟ ماذا عن الحريات الفردية وحرية الفكر والرأي وحرية الصحافة والتعبير والتجمع.. الخ. وبالاجابة عن هذه الاسئلة نستنتج ان الفرد في العالم العربي مجرد رقم وان معظم المؤسسات التي تمثله تفتقر لمفهوم المؤسسة ولمفهوم المجتمع المدني ومن هنا نجد ان السلطات المضادة تنعدم تماما في المجتمع وبذلك يصبح الفعل السياسي يسير في اتجاه واحد تنعدم فيه السوق الحرة للافكار ويغيب عنه الرأي الآخر وتقمع فيه الحريات وبذلك يتدهور الاداء السياسي وينحط القرار السياسي الى ادنى مستوى. فالرأي العام يمثل اساس السلطة في عصر ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصال وعصر الصراع المحتدم على من يملك المعلومة والمعرفة، والرأي العام يلعب دورا استراتيجيا في المجتمعات الديمقراطية وتزايدت اهميته في عصرنا هذا حيث انه اصبح يمثل المرجعية الاساسية في صناعة القرار وفي الفصل في الكثير من القضايا الحساسة والمصيرية فالرأي العام هو السلطة الحقيقية التي تعتمد عليها الدولة في تجسيد شرعيتها وتثبيت وجودها سواء على الصعيد المحلي او الدولي وكلما اعتمدت السلطة على الرأي العام ورجعت اليه في معالجة القضايا المطروحة في المجتمع كلما نجحت في تدبير امورها وفي كسب رضا الشارع فالرأي العام اذاً هو الوجه الاخر للديمقراطية وحرية الصحافة، حيث انه يتفاعل ويتأثر ويؤثر في كل منهما فالديمقراطية التي لا تعتمد على الرأي العام لا تستطيع ان تكون كذلك والصحافة الحرة التي لا تشكل وتكون الرأي العام وتؤثر فيه وتتأثر به لا نستطيع ان نسميها صحافة حرة وفاعلة. وفي كل ما تقدم نسأل ما هي العلاقة الموجودة بين السلطة العربية والشعب العربي «الرأي العام» في التعامل مع القضايا المصيرية والهامة وخاصة القضايا التي تمس مشاعر واحاسيس ومصالح الشعب مباشرة؟ وهنا نلاحظ ان الرأي العام العربي مهمش تهميشا كبيرا في الكثير من القضايا التي تهمه من قريب او بعيد واذا اخذنا ما يجري هذه الايام في الاراضي الفلسطينية المحتلة وما نجم عنه من مسيرات ومظاهرات شعبية حاشدة من الخليج الى المحيط، كمثال على علاقة السلطة بالرأي العام نلاحظ الفجوة القاتلة بين الشارع والسلطة ونلاحظ عقما مأساويا وعدم فاعلية الارادة الشعبية والمرجعية الاساسية في المجتمع وهذا ما يؤدي الى فقدان الثقة والمصداقية والى القطيعة ما بين الشارع والسلطة. كيف يصنع القرار في الدول المتقدمة والمتطورة وكيف يصنع في دولنا العربية؟ وهذا هو السؤال الذي يجب ان يطرح لمعرفة فشل القرار او نجاحه. القرار الرشيد هو الذي يبنى على اساس المعرفة وتوفير المعلومة ووجهات النظر المختلفة والآراء المتضاربة والبدائل والسيناريوهات المختلفة الخ، القرار اذا كان يهم الامة يجب ان يرجع الى هذه الامة لمعرفة رأيها في الموضوع، وليكن الامر شورى بينكم، وهكذا نرى ونلاحظ في الدول المتقدمة استعمال خبراء وفنيين وفرق من الباحثين لتوفير كل المعلومات والمعطيات والاحصاءات حتى تقدم كل السيناريوهات المحتملة والحلول الناجعة حتى يتخذ فيما بعد القرار السليم. ونستنتج من هذا ان الرأي العام وبطريقة غير مباشرة يساهم في صناعة القرار وكلما اشركناه كلما نجحنا في ارضائه او الاقتراب من ارضائه واتخاذ القرار الانجع والامثل وهنا نلاحظ ان صناعة القرار في الدول الديمقراطية هي علم وفن واستراتيجية تطبق بتقنياتها ومناهجها المختلفة لتفادي الاخطاء والهفوات التي قد تكون في الكثير من الاحيان قاتلة وانعكاساتها فادحة ووخيمة. فالامر اذاً لا يتعلق بمزاج معين او بنشوة عابرة وانما يتطلب دراسة وتحليلا واستراتيجية تقوم على اسس ومباديء وكلما ابتعدت صناعة القرار عن هذه المقومات كلما كان القرار فاشلا لا يستجيب الا لمن اتخذه. وفي وطننا العربي عادة ما يعتمد صانع القرار على بعض التقارير والمعلومات التي شكلت وصنعت وتمت «فبركتها» خصيصا لارضاء السلطة وتلميع الامور امامها وهذا يعني انها تقارير ومعطيات خاطئة ومزيفة وان القرار الذي يعتمد عليها سيكون بعيدا كل البعد عن الواقع. استخلاص الدروس قد يتساءل المواطن العربي من المحيط الى الخليج: هل من وجود للرأي العام في الدول العربية؟ وكيف يصنع ويشكل هذا الرأي العام اذا كان موجودا وهل يقاس ويؤخذ بعين الاعتبار في اتخاذ القرارات التي تهم الامجةوالمجتمع؟ ـ الكلام عن الرأي العام يتطلب عنصرين مهمين وهما الديمقراطية وحرية الصحافة، وفي غياب هذين العنصرين يصبح الكلام عن الرأي العام بمعناه الجوهري والحقيقي، اي الرأي العام الفعال والصحيح والناضج والقوي، بدون جدوى ولا فائدة فبدون اخبار ومعلومات ومعطيات معتبرة من الناحية النوعية والناحية الكيفية، لا يستطيع الجمهور ان يتخذ موقفا واضحا ومبنيا على اسس سليمة بشأن القضايا التي تطرح يوميا على افراد المجتمع وفي مختلف الشئون والمجالات وفي الكثير من الاحيان تطرح قضايا جوهرية في المجتمع ويبقى الشعب المسكين تائها في اتخاذ موقف من القضية لا لشيء الا لانه يفتقد للمعلومات ومكونات القضية وعناصرها وهذا ينجم عادة عن انعدام التدفق الحر للمعلومات والاخبار في ظل غياب حرية الصحافة ومن جهة اخرى ولاسباب عديدة ومتداخلة نجد غياب وجهات نظر وافكار جهات مهمة ورئيسية في المجتمع حول القضية المطروحة، وهذا بسبب انعدام القنوات الحرة للتعبير عن الرأي وهنا نستنتج ان القنوات السليمة والصحيحة التي تكون وتشكل وتصنع الرأي العام مغيبة تماما في معظم مجتمعاتنا العربية، وهذا يعني ان فاقد الشيء لا يعطيه. الدرس الذي نستخلصه من عقم الرأي العام العربي هذه الايام، هو ان الشارع العربي مهمش ومغيب في الكثير من القرارات المصيرية والجوهرية التي تتخذ بشأنه، وفي الكثير من الاحيان يكون هو آخر من يعلم بها وفي ظل هذه الاليات المتخلفة وغير المنهجية في صناعة القرار وغياب التفاعل الديناميكي والحركي والايجابي مع الشارع يتعذر على صانع القرار مهما اجتهد ومهما عمل النجاح والاستجابة المثلى لمتطلبات المجتمع، وتبقى عملية الاستغلال الامثل للثروات البشرية والثروات المادية امرا صعب المنال، فقنوات الاتصال بين السلطة والشعب وبين السلطة والهياكل السياسية المختلفة ضرورية جدا لايجاد بيئة صحية يسود فيها الحوار والنقاش والاقصاء. اشراك الشارع في العملية السياسية والممارسة السياسية وبالتالي اشراكه في صناعة القرار، هو السبيل الامثل للقضاء على الفجوة القاتلة بين طموحات الشارع وقرارات السلطة. فمتى سيحدث التناغم والتناسق بين الطرفين؟ ومتى سيتخطى الشارع العربي مرحلة الفلكلور ويرقى الى مستوى التأثير والفعل؟ ـ قسم الاتصال ـ جامعة الشارقة

Email