الهجرة الخارجية.. أبعادها وتأثيراتها

الهجرة الخارجية.. أبعادها وتأثيراتها

ت + ت - الحجم الطبيعي

تناقش الكثير من المؤتمرات الدولية والإقليمية المعنية بالشؤون السياسية والاجتماعية والاقتصادية قضية الهجرة بجميع أبعادها. فقد أصبح موضوع الهجرة موضوعاً مؤثراً في مسار انتخابات كثير من الدول، وفي السياسة الخارجية وفيما يتعلق بمبادئ الدول وقيمها.

كما أصبح هذا الموضوع حديث الساعة في المنتديات الشعبية والرسمية الإقليمية والدولية بدءا من منتدى دافوس وانتهاء بمنتدى الدوحة للديمقراطية (والذي انتهت نسخته العاشرة في مطلع يونيو 2010).

وقضية الهجرة مرتبطة بقضايا أخرى كالفقر، الحروب والنزاعات المسلحة، انحسار مستوي الحريات العامة، الأوضاع السياسية والاقتصادية المتردية في الكثير من بلدان العالم الثالث وأخيرا وليس أخرا العولمة وما أفرزته من متغيرات علمية وتكنولوجية جمة رمت بظلالها على مجتمعات العالم كافة فخلقت ما يشبه مجتمع القرية الصغيرة بكل ما في مجتمعات القرى من متناقضات، كما أفرزت عوامل عدة أدت إلى تخلخل سكاني هائل وبالتالي هجرة داخلية وخارجية.

وإذا كانت الهجرة تسبب أصلا مشاكل عويصة بالنسبة للمجتمعات المتقدمة وذات الكثافة السكانية العالية بكل ما تجلبه تلك الهجرات من تنافس على فرص العمل المتاحة، وتأثير على الهويات القومية، وقضية استيعاب المهاجرين الجدد وإدماجهم في داخل المجتمعات التي نزحوا إليها.

فما بالك بالمجتمعات التي يمثل سكانها أقلية ولديها أجندة كبيرة على رأسها الحفاظ على مكوناتها التراثية وثقافتها الوطنية وغير ذلك من مفردات مرتبطة بالتخلخل السكاني.

ولسنا هنا بصدد مناقشة الهجرة الداخلية من الأطراف إلى المدن في المجتمع الواحد على الرغم مما يترتب على هذا النوع من الهجرة من متغيرات ديمغرافية واقتصادية واجتماعية ولكن بصدد مناقشة الهجرة الخارجية وأبعادها وتأثيرها على المجتمع المستقبل لتلك الهجرة.

وتعد مجتمعات الخليج أنموذج للدول المستقبلة للعمالة الأجنبية بكل أنواعها حيث تأتي البلدان الأسيوية على رأس القائمة من حيث عدد المهاجرين.

ومنذ بدأ الحديث عن موضوع الهجرة وحقوق المهاجرين حسمت دول الخليج ذلك الموضوع حين أعلنت بأن العمالة الخارجية لبلدانها هي هجرة «مؤقتة» وليست «دائمة». فجميع المهاجرين الدائمين لهم حقوق قانونية على الدول المستقبلة لهم التأكد من تطبيقها، كما أن هناك آليات تطبقها الدول لاستيعاب ودمج المهاجرين الجدد.

وعلى الرغم من عمق العلاقة التاريخية التي تربط بين دول الخليج والدول المصدرة لتلك العمالة، كالهند مثلا، إلا أن دول الخليج لم تنفتح ديمغرافيا على هذه البلدان. فقد ظلت علاقة (العمل المؤقت) هي التي تحكم العلاقة بين الطرفين.

فعلي الرغم من أنها لم تفتح باب التجنيس مثلا، إلا أنها وسعت العلاقة مع تلك البلدان إلى أوسع الحدود حيث تمثل العمالة الآسيوية حوالي 70% من حجم العمالة الوافدة. وبالتالي فأنه لا يمكن اعتبار مجتمعات الخليج أنها دول مستقبلة للمهاجرين قدر اعتبارها بأنها دول مستقطبة للعمالة الخارجية وليست للهجرة الخارجية.

وعلى الرغم من ذلك فهي تعاني مثلها مثل غيرها من إفرازات هذه القضية اجتماعيا واقتصاديا. فاجتماعيا لا يخفى على أحد ما تعانيه هذه الدول من تأثيرات أمنية، ثقافية، لغوية وتأثيرات أخرى على النسيج الاجتماعي وعلى الهوية الوطنية.

أما اقتصاديا فهي مدركة تماما حجم الهدر من الناتج القومي والذي يذهب في صورة تحويلات إلى دول المنشأ. وعلى الرغم من هذه التأثيرات إلا أن الجهود تقف عاجزة في الوقت الحالي عن التقليل من قضية انهمار العمالة الخارجية أو حتى التخفيف من أثارها السلبية.

وعند التمعن في الأسباب التي تدفع هؤلاء إلى التوافد يأتي العامل الاقتصادي للمهاجر على رأس تلك الأولويات، حيث تأتي الرغبة في تحسين المستوى الاقتصادي للمهاجر أو الكسب المادي غير المشمول بضرائب كعامل رئيس يأتي سنويا بملايين الأفراد الراغبين في العيش أو العمل أو الاستثمار القصير أو الطويل في بلدان الخليج.

أما العوامل الأخرى كالتعرف على الثقافات،أو توفر الحريات العامة والرغبة في الأمن والأمان الذي توفره لهم هذه المجتمعات فلا تبدو سببا مباشرا لتوافد المهاجرين، وهي بالتالي لا تشكل أولوية عند اتخاذ قرار العيش أو الهجرة إلى دول الخليج.

وهكذا يأتي المهاجر ويعيش في دول الخليج لسنوات طوال ولكنه لا يبذل أدني جهد للتعرف على ثقافة المنطقة أو لغتها بل في معظم الأحيان ينكمش ضمن جاليته السكانية عازفا عن المشاركة في أي نشاط عام.

دول الخليج من ناحية أخرى، تدرك تماما الأهداف التي يأتي من أجلها المهاجر أو العامل. فعلي الرغم من أن هناك لا يقل عن عشرين مليون عامل من إجمالي 30 مليوناً هم سكان دول الخليج، وحوالي 65 ملياراً سنوياً هي عبارة عن تحويلات العمالة الأجنبية إلى دولها.

بما يمثله هذا المبلغ من هدر كبير للموارد الاقتصادية، ألا أنها أيضا لا تبدي تخوفا كبيرا من استمرار تدفق هذا الكم الهائل من العمالة.

بل على النقيض من ذلك فالخوف الذي تبديه من أن يتوقف يوما هذا الكم الهائل ولا تجد مصدرا أخرا يفي بأغراض النمو الاقتصادي المتواصل. فهي لا تتواني من أن تصرح أنها لن تستطيع يوم أن تعتمد على نفسها ولن تجد مصدرا أخرا رخيصا كالمصدر الأسيوي.

ولذا يظل تخوف هذه الدول، أذا ما كان فعلا خوفا حقيقيا، ليس من تأثيرات هذه الهجرات وإفرازاتها بل من قضية أخرى هي تقلصها ان صح التعبير.

أن معدل النمو الحاصل في الخليج يعنى وبكل صراحة أن دوله ما زالت بعيدا عن الاكتفاء السكاني وما زالت بحاجة إلى عمالة خارجية حتى تستطيع الإيفاء بكل التزاماتها البنيوية بل ما زالت بحاجة إلى عمالة رخيصة كمثل حاجتها للعمالة الماهرة.

ولكي تحافظ على أمن مجتمعها مع الحفاظ على معدلات النمو المتوقعة فإن أمامها طريقين لا ثالث لهما: اما ان تفتح باب التجنيس على مصراعيه وهو أيضا طريق محفوف بالمخاطر الأمنية والصعوبات الاجتماعية وإما أن تكبح مقود التنمية السريع وتجعله متوازنا بعض الشيء، ومتناسبا مع وضعها الديمغرافي.

جامعة الإمارات

fatimaalsaayegh@hotmail.com

Email