الضعف في اللغة العربية! أ.د. عبدالمالك خلف التميمي

الضعف في اللغة العربية!

ت + ت - الحجم الطبيعي

في أحد الأيام، وأنا أقوم بعملي الأكاديمي، فوجئت بتقارير محكمة للإنتاج العلمي، لعضو هيئة تدريس في قسم اللغة العربية بجامعة الكويت، تتحدث عن أخطاء لغوية كثيرة وخطيرة في أبحاثه أو أبحاثها!

وجلست مندهشاً، وقلت لنفسي إن أي باحث وحتى من يحمل شهادة الدكتوراه، يمكن أن تكون لديه أخطاء لغوية، لكن أن تكون بهذا الكم والخطورة لمتخصص في اللغة العربية، فهذه كارثة تتعرض لها لغتنا وثقافتنا. وفي هذا السياق يحتاج الأمر إلى النظر في مشكلة مستوى اللغة العربية في عدة مجالات، وأسباب ضعفها الذي يترتب عليه ضعف ثقافي وأكاديمي وغيرهما..

ففي مراحل التعليم العام من الابتدائي حتى الجامعة، مع الاهتمام بعصر المعلومات ووسائلها والمعرفة الكمية تدريجيا، جرى إهمال اللغة العربية. ومعلوم أن لغة أي أمة هي تعبير عن ثقافتها وشخصيتها الحضارية. فلماذا هذا الضعف اللغوي في المدارس، ليس عند التلاميذ فقط، بل ضعف لغة مدرسيهم؟!

طبعا ليست العملية مقصودة أو مؤامرة على اللغة والثقافة العربية، لكنها عملية إهمال وعدم اهتمام بها، لأسباب تتعلق بطبيعة الحياة اليوم، وطبيعة أهداف التعليم ومخرجاته. لم يعد في ذهن دولنا تخريج مثقفين وعلماء ومتخصصين، بل تخريج موظفين وفنيين لسوق العمل يحملون شهادات من مراحل التعليم المختلفة. وإلا كيف يصل طالب إلى الجامعة وهو لا يعرف الكتابة والقراءة بصورة جيدة؟!

كاتب هذا المقال يعمل في الجامعة ويقوم بالتدريس فيها منذ مدة طويلة، ويحتفظ بأوراق امتحانات وغيرها كتبها طلبته في مستوى الجامعة والدراسات العليا، فيها أخطاء لا يقع فيها طالب المرحلة المتوسطة! فهؤلاء يكتبها «هاؤلاء».

وهكذا يكتبها «هاكذا»، وفئات يكتبها «فئاة»، عدا نصب الفاعل ورفع المفعول به! والأمثلة كثيرة أيضاً في صياغة الجملة وتركيب العبارة، مما يدل على الضعف الشديد في اللغة، فإما أن التلاميذ والطلبة لا يتعلمون اللغة العربية وليس هناك اهتمام بها، أو أن المدرسين يعيشون أزمة لضعفهم في اللغة، وفاقد الشيء لا يعطيه.

يبدو أن الضعف في اللغة العربية يعود إلى أن التلميذ لم يتعلم اللغة العربية على أصولها وبشكل جيد في المرحلة الابتدائية، كما يعود إلى عدم القراءة. ففي وقتنا الحاضر نادراً ما ترى أو تسمع عن إنسان يقرأ، عكس الماضي. فجيل اليوم متعلم ونصف متعلم وغير مثقف، ماعدا عدد قليل يشكل استثناء من القاعدة.

ولنعرج على ما يكتب في الصحافة، والروايات والمسلسلات، فهناك ليس أخطاء لغوية فقط تعج بها تلك الكتابات، بل ضعف في مستوى ما يكتب، وأحياناً تشعر بأنه ليس هناك هدف من تلك الكتابات غير الارتزاق، وتطرح موضوعات تافهة وسطحية وهامشية وليست أساسية.. واسمع مستوى لغة بعض المذيعين ومقدمي البرامج التلفزيونية والإذاعية، وقد أوجدوا لهم حلاً بالسماح لهم بالتحدث باللهجة المحلية، هروباً من اللغة الفصحى التي لا يجيدونها.

إن أزمة الضعف في اللغة العربية عامة، تشكل مأساة. وينبغي أن لا نتحدث عن الأمية في الكتابة والقراءة في وقتنا هذا، عصر التقدم العلمي، بل علينا أن نعالج أمية من نوع آخر هي الأمية الثقافية وأمية استخدام الكمبيوتر. نعلم ويعلم الجميع أن هذا الضعف الذي نتحدث عنه جزء من أزمة ثقافية نعيشها، بل جزء من التخلف الذي نعاني منه.

إن طرح المشكلة لا يكفي، دون وضع ملامح رؤية بديلة للخروج من أزمة ضعف اللغة العربية الذي نعانيه:

أولاً: إعادة النظر في طريقة تعليم اللغة العربية في المرحلة الابتدائية، وهذا يتطلب عقلية جديدة بمنهجية مختلفة.

ثانياً: تعويد وتدريب الطلبة في مراحل التعليم العام على الكلام باللغة العربية الفصحى، وليس بلغة عربية تغلب عليها اللهجة المحلية.

ثالثاً: التفكير جدياً في إعادة تأهيل المدرسات والمدرسين لغوياً، ليكونوا في مستوى جيد، ليس في دروس اللغة العربية فحسب، بل أيضاً في المواد والمقررات الأخرى.

رابعاً: إعادة النظر في المنهج الدراسي ليحتوي على مستوى جيد في اللغة، من حيث اختيار النصوص النثرية والشعرية.

خامساً: تعويد الطلبة على القراءة باستمرار كإحدى وسائل الارتقاء بمستواهم لغوياً، بالإضافة إلى الثقافة التي تكتسب من القراءة.

سادساً: ضرورة وضع معايير لمستوى اللغة عند الطلبة في كل مرحلة من مراحل التعليم، والعمل على تطبيقها، ثم تقييم الأداء اللغوي بين الحين والآخر للاطمئنان على تطور المتعلمين لغوياً. صحيح أن مسألة الإصلاح والقضاء على التخلف ليست مهمة سهلة، كما أنها جزء من كل، لكن قضية الاهتمام باللغة العربية في مدارسنا وتعاملنا وثقافتنا مهمة وأساسية، ويجب إنقاذ اللغة وإنقاذ الأجيال من المستوى الضعيف الذي انحدرت إليه في أيامنا.

كاتب كويتي

dr.tamimimalek@yahoo.com

Email