في التوظيف السياسي لمنح جائزة نوبل د. نسرين مراد

في التوظيف السياسي لمنح جائزة نوبل

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثار منح جائزة نوبل للسلام إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما، موجة من الجدل بشأن أحقيته في الحصول عليها، ما بين معترض ومؤيد ومحايد. حقيقة لم ينجز الرئيس الأميركي غير الوعود الأقرب إلى الأحلام.

ذلك ما دفع لجنة منح جائزة نوبل السويدية للتطوع لإعطائه دفعة قد تكون «سحرية»، باتجاه تحقيق تلك الوعود الطموحة. ذلك ما يعد سابقة فيها قد يُمنح أحد المتفوقين في دراسته الأكاديمية جائزة نوبل في الآداب، مثلاً، لحمله على مواصلة زخم اجتهاده ومتابعة طموحاته الفكرية الخاصة.

تتركز الكثافة العالية لحاملي جائزة نوبل على النصف الشمالي للكرة الأرضية، وبالذات الولايات المتحدة. طبيعة الجائزة وأصولها والقائمين على منحها، تجعلها قابلة للانحياز السافر والتسييس لصالح الفئات النافذة عالمياً. الآسيويون والأفارقة والأميركو ـ لاتينيون الحائزون على جائزة نوبل، يمكن عدّهم على أصابع اليد الواحدة.

هذا في الوقت الذي تحتوي القارتان الغالبية العظمى عددياً، حيث عدد سكان الصين يفوق عدد سكان الأميركتين وأوروبا مجتمعة. النشاط الفكري والعلمي والأكاديمي في الصين والهند واليابان، يفوق كماً ونوعاً نظيره في العالم الغربي.

في الماضي القريب، الحائزون على جائزة نوبل في الاتحاد السوفييتي سابقاً كانوا إما يهوداً أو منشقين عن الاشتراكية والشيوعية. حصل ذلك الانشقاق قبل أو أثناء أو بعد حصولهم على تلك الجائزة القيّمة في المعايير الغربية بصورة خاصة.

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي أصبح نصيب العلماء والمفكرين الروس، ومعهم علماء دول مجموعة «الكومنولث للدول المستقلة»، يلامس الصفر. لا عجب في ذلك، فلقد أصبح القلق والاهتمام باستخدام جائزة نوبل سياسياً وأيديولوجياً تجاه الاتحاد السوفيتي، أقل قيمة عن العهود السابقة وبشكل ملحوظ.

في الساحة اليابانية فلقد مُنيت اليابان بهزيمة ساحقة في الحرب العالمية الثانية. لا يوجد هنالك داعٍ قوي للقلق بشأن استخدام جائزة نوبل لأغراض سياسية، يتطلب استقطاب العقول اليابانية وحملها على الانشقاق واللجوء لطلب دعم غربي للمساعدة على مقارعة النظام الياباني المستسلم عسكرياً وسياسياً.

هنالك حرمان واضح لليابانيين من شرف الحصول على جائزة نوبل، رغماً عن الأنشطة الفكرية والثقافية والعلمية المشهود لها عالمياً، وفي كافة المجالات المتنوعة التي تُمنح جائزة نوبل فيها.

من جانبهم فالصينيون الذين حصلوا على جائزة نوبل، على قلة عددهم، في أغلبهم انشقوا عن الصين واستقر بهم الأمر في الدول الغربية، وبالذات في الولايات المتحدة. أكثر الجوائز الممنوحة للإيقونات الفكرية للدول النامية، هي جائزة نوبل للسلام وقليلاً للآداب.

بالذات وبالتعداد على أصابع اليد الواحدة، فلقد مُنحت السيدة الميانمارية «وانج سان تسوتشي» جائزة نوبل للسلام كأحد الذين يُشار إليهم بالبنان الغربي، وبالذات الأميركي في مقارعة الأنظمة الدكتاتورية. منذ ذلك الحين فُرضت على السيدة «تسوتشي» إما الإقامة الجبرية أو السجن أو المراقبة المستمرة، بعد أن وُضعت في مواجهة مباشرة مع النظام العسكري الحاكم.

في جنوب أفريقيا مُنح الأسقف «دزموند توتو» جائزة نوبل للسلام، والتي هو حقيقة جدير بها أكثر من غيره. حدث ذلك في حقبة القمع الذي كان يمارسه نظام الفصل العنصري ضد السكان الأصليين من ذوي اللون الأسود. في بعض أهدافه يتلخص منح الجائزة للسيد «توتو» في محاولة امتصاص نقمة شعوب القارة السمراء على ممارسات البيض بشأن التمييز العنصري، داخل جنوب إفريقيا وخارجها.

في نيجيريا مُنحت جائزة نوبل في الآداب لأحد كتّاب الرواية المرموقين، السيد «وول سويِنكا» عام 1986. منذ ذلك الحين لم تهدأ الأحوال بين السيد «سوينكا» والنظام «الدكتاتوري» الذي يسيطر عليه أهل الشمال ذي الأغلبية العددية الإسلامية. يقضي السيد «سوينكا» معظم وقته إما في السجن أو المنفى أو الإقامة الجبرية أو مراجعة الدوائر الأمنية.

أكثر المناطق إثارة للجدل في منح جائزة نوبل هي الشرق الأوسط. مُنح الرئيسان الراحلان أنور السادات وياسر عرفات جائزة نوبل لكل منهما، كذلك تقاسما مع نظراء لهما من الجانب الإسرائيلي. ثمن كل من الجائزتين على أرض الواقع كان باهظاً، على القضايا العربية السياسية. وقّع الرئيس السادات اتفاقية «كامب ديفيد»، ومن جانبه وقّع الرئيس عرفات اتفاق «أوسلو».

الاتفاقية الأولى أحدثت شرخاً واسعاً في العالمين العربي والإسلامي. الاتفاق الثاني أدى إلى الاعتراف الرسمي بشرعية الوجود الإسرائيلي على أرض فلسطين التاريخية كحقيقة وأمر واقعين.

ثمة حالة الكاتب المصري الراحل نجيب محفوظ الذي مُنح جائزة نوبل في الآداب. منذ البداية تمت الإشارة في منحه الجائزة إلى أن ذلك مرده إلى محاولة تمرده على العقلية التقليدية العربية والإسلامية، في روايته المثيرة للجدل بعنوان «أولاد حارتنا». في الرواية يذهب الكاتب الراحل بفكره إلى اعتبار الأنبياء والمرسلين والصالحين، والله تعالى، مثل شخصيات محلية تتقاسم الأدوار في قرية أو حارة أو حي شعبي. ذلك ما وضعه في حالة صدام مع كثيرين من بني أمته ومجتمعه وقومه و«أولاد حارته».

الروائي التركي «أوهان باموق» حصل على جائزة نوبل للآداب عن أعماله الروائية. أهم تلك الأعمال التي أثيرت ضجة إعلامية حولها، هي التي أورد فيها اتهامات صريحة بمسؤولية الدولة العثمانية عن مذابح الأرمن في القرن التاسع عشر. هذا في الوقت الذي كاد الروائي الألماني «جاونتر جراس» أن يفقد جائزته بسبب اتهام له جاء من مجموعات يهودية، ومؤيدة لها، بالإشادة بالنظام النازي في إحدى رواياته بعنوان «أيام تقشير البصل».

الوضع الإيراني بحاجة ماسة إلى حامل لجائزة نوبل يمكن الركون إليه، للمساهمة في زعزعة استقرار الدولة إذا ما دعت الضرورة لذلك. المرشح لذلك هي الدكتورة «شيرين عِبادي» التي طالبت إبان المواجهة الشرسة مع الغرب، بإعادة عملية الانتخابات. هذا إضافة إلى مطالبتها بوقف أنشطة البرنامج النووي الإيراني.

المطلب الأول إن يتحقق يؤدي حتماً إلى تقويض النظام السياسي الإيراني، وزج البلاد في أتون حرب أهلية قد تعصف بالدولة الإيرانية نهائياً. المطلب الثاني يؤدي إلى خسارة الدولة ثمرة كفاح العلماء المرير فيها لعشرات السنين. في النتيجة، فلقد ساهمت فكرة تسييس جائزة نوبل في زرع «مسامير جحا» في كل ركن من الكرة الأرضية شعرت الإدارات الغربية بإمكانية أو ضرورة الاستفادة منها.

السياسات الغربية فاشلة في التعاطي الحقيقي المباشر، ونشر الديمقراطية الحقيقية المحترِمة والمراعية لواقع وخصوصيات تلك الحضارات. لذلك فتلك السياسات تلجأ بشكل واضح للتركيز على «أشباه آلهة»، تنصّبهم وتمنح جائزة نوبل لكل منهم. لكنها لا تمانع إذا ما اقتضت الضرورة التخلي عنهم، إذا ما تقاعسوا عن القيام بواجباتهم، ضمنياً أو بشكل مباشر.

قسم العلوم السياسية ـ جامعة الإمارات

Nasrin@uaeu.ac.ae

Email