تبديل الأطفال... كيف تتعرف على أبنائك بعد الولادة ؟

تبديل الأطفال... كيف تتعرف على أبنائك بعد الولادة ؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

في حادثة غريبة من نوعها انتهي السيناريو الأساسي وليس كل القضية لعملية تبادل للمواليد نتيجة خطأ طبي أثناء وبعد عملية الولادة للطفلين بعد ان اثبت الحمض النووي أن الطفلين ذهبا للأم الخطأ بعد الولادة.

هذه الحادثة وقعت في مدينة نجران جنوب المملكة العربية السعودية حيث تبادلت أسرة سعودية وأخرى تركية طفليهما بعدما سلم لهما الطفل الخطأ من قبل العاملين في المستشفى وقد عاش الطفلان في كنف أسرة ليست أسرته الحقيقية وتربى الطفل السعودي في كنف الأسرة التركية وأصبح يتحدث اللغة التركية بطلاقة وأصبح ابنا بالرضاعة لأم ليست أمه الحقيقية.

وقد حدث ذلك أيضا للطفل التركي الذي عاش في كنف أسرة سعودية أصبح فيها الطفل أخ بالرضاعة لأبناء الأسرة. لقد كانت حظوظ الطفلين كبيرة جدا فالأسرتان مسلمتان وهذه نعمة من الله على هذين الطفلين وإلا لكانت الكارثة اكبر.

قضية الطفلين قضية تناولتها الصحف السعودية بكل اهتمام وخاصة بعدما اثبت اختبار الحمض النووي وبشكل قاطع انه تم تبادل للأطفال بين هاتين الأسرتين وان كليهما تسلم طفلا ليس ابنهما الحقيقي.

القضية صارت حديث المجالس

وصارت الروايات متعددة حول ظروف تبديل الطفلين وكيف ذهب كل منهما إلى الأم الخطأ حيث كان من المفترض أن يتم تسليم كل طفل لأمه الحقيقية بدلا من طريقة يبدو أنها كانت خاطئة في تسليم المواليد لذويهم وخاصة في ذلك المستشفى.

في مثل هذه الأخطاء الجسيمة تتحمل القابلة سواء كانت طبيبة أو ممرضة الجزء الأكبر من المسؤولية حيث أنها هي المسؤولة عن تعريف الأطفال حال ولادتهم وذلك من خلال طرق منظمة متعارف عليها في المجال الطبي.

القضية برمتها حدثت وتم اكتشاف الخطأ بعد ما يقارب الأربع سنوات من الصمت ولولا مطالبة الأب التركي بابنه وشكوكه بأنه استلم طفلا بالخطأ لكانت القضية في طي النسيان. في مثل هذه القضية أبعاد اجتماعية كثيرة لابد من الإشارة إليها فكم أتمنى أن نسمع رأيا شرعيا لهذه القصة الغريبة بالإضافة للدور الذي يمكن أن تقدمه المؤسسات الصحية لتفادي مثل هذه القضية مستقبلا.

الأجهزة الإدارية هناك أكدت أن المتسبب سوف ينال جزاءه وكم أتمنى أن يكون المتسبب الحقيقي مازال موجودا في المملكة وليس خارجها حتى يتم التعرف على الظروف التي أدت إلى مثل هذا الخطأ الجسيم الذي كاد أن يتسبب في ضياع طفلين عن أسرتيهما إلى الأبد.

احد المعلقين على تلك الحادثة اقترح أن يقوم الآباء بوضع (وسم) على جباه أبنائهم بعد الولادة حتى يتم التعرف عليهم وهذا يتطلب كما يقول (وسم) لكل أسرة والوسم لمن لا يعرفه هو شعار تضعه العرب على جمالها (ذكورها وإناثها) لكي تتعرف عليها إذا ما تاهت منها،

هذه دعابة تشرح موقفا وتخوفا صحيحا من أن يجد الإنسان نفسه يقوم بتربية طفل ليس بطفله وقد لا يكتشف ذلك أبدا. كنت اعتقد أن مثل هذه الحادثة لا يمكن أن تقع أبدا ، إلا أنها تبعث على القلق فالجميع سوف يفكر عشرات المرات قبل أن يتسلم ابنه أو ابنته من المستشفى بل إن هذه الحالة سوف ترفع من مستوى الشك.

وقد يطالب الكثير من الآباء بعمل اختبار الحمض النووي على مواليدهم قبل استلامهم بشكل نهائي فما دامت هذه الحالات محتملة الوقوع فعلينا البحث عن أنظمة جديدة تقوم المؤسسات الصحية بتطبيقها لكي نضمن أعلى قدر من الحماية للمواليد الصغار سواء من عمليات التبديل أو حتى الإهمال الذي قد يؤدي إلى الوفاة.

في كثير من دول العالم يرافق الزوج زوجته بشكل شبه إجباري خلال عملية الولادة وعليه أن يبقى هناك إلى أن تتم عملية الولادة ومن ثم اتخاذ إجراءات دقيقة لربط الطفل بوالدته تنظيميا عبر تعريفه باسمها عبر (اسوارة) يستحيل تغييرها تحمل اسم الأم توضع على معصم الطفل والأم.

هذه الإجراءات معمول بها في مستشفيات المملكة ولكن مازالت فكرة تواجد الزوج مع زوجته تجد الكثير من العقبات حيث لا تسمح المستشفيات وخاصة الحكومية بمرافقة الزوج لزوجته أثناء عملية الولادة، بينما يتم ذلك في المستشفيات الأهلية.

إذن القضية تحتاج إلى مراجعة دقيقة في الأنظمة وتحتاج إلى برامج توعية تقوم بها وزارة الصحة لتطمين المجتمع على الإجراءات المستخدمة لتعريف الأطفال بذويهم بعد عملية الولادة سواء الولادات الطبيعية أو التي تتطلب عمليات جراحية.

القضية الآن بدأت تأخذ طريقا طويلا لتصحيح الخطأ وسوف يتم إعادة كل طفل إلى أسرته من خلال برنامج إجرائي يتم فيه تسليم كل طفل إلى أسرته الحقيقية ولكن ذلك ليس كافيا لإنهاء تفاصيل هذه القصة الغريبة

فهي في جانبها النظامي الذي سوف يستمر في البحث عن المتسبب كما وعدت بذلك الجهات الرسمية وهذا إجراء فوري لتجنب حدوث مثل هذا الخطأ مستقبلا. الجانب الآخر من القضية وهو الأهم وكثير منا قد لا يتصور كيف سيسير هذا الجانب وهل سيكتب له النجاح أم لا.

الأم في كلتا الحالتين تسلمت طفلا حسبته ابنها الحقيقي وتعاملت طوال هذه السنوات وفق هذا المفهوم ولذلك عملت كلتاهما على اعتبار أن الطفل الموجود لديها هو ابنها الحقيقي وهذا ما سوف يجعل القضية أكثر تعقيدا من إجراءاتها النظامية. لم نسمع في الصحافة ادنى تعليق من الأمهات حول القضية كل من تحدث في الموضوع في الصحف هم الرجال وهم اقل تأثرا بالقضية من الأمهات.

إذا كان الطفلان يحتاجان إلى تأهيل لغوي واجتماعي وعاطفي فإن الأمهات يحتجن إلى أكثر من ذلك وهنا يأتي دور المؤسسات الحكومية ذات الشأن الاجتماعي حيث يتطلب من تلك الجهات القيام بتنفيذ برامج تأهيلية قوية ومتدرجة قد تستغرق أشهرا حتى يتم تهيئة كلتا الأسرتين لاستقبال طفلهما الجديد. كل ما أخشاه أن تتم عملية مناقلة سريعة ومفاجئة بحيث يتم نقل كل طفل إلى منزله الجديد دون عملية تأهيلية لكلتا الأسرتين.

هذا الإجراء إن حدث سوف يكون سببا في فقدان التوازن النفسي لكلا الطفلين بل للأسرتين كلتاهما وقد يصاب الأطفال بأمراض نفسية مزمنة تنعكس على حياتهم. القضية ليست بهذه البساطة التي تتناولها الصحف القضية أخطاء لها من الآثار التي لا يمكن التنبؤ بها بسهولة، قضية تسليم الطفلين وتأهيل الأسرتين قضية يجب أن تدرس بشكل جيد.

فالبرنامج التأهيلي لهاتين الأسرتين بما فيهما الأطفال يجب أن لا يقل عن عام كامل يشترك فيه أطباء نفسيون وأخصائيون اجتماعيون بالإضافة إلى علماء دين يشاركون في عمليات التهيئة الروحية لكل أسرة.

تسطيح هذه القضية واعتبارها حدثا طارئا شيء لا يجب أن يسمح به المجتمع فمثل هذه الأخطاء الجسيمة تترك أثرا مؤلما في المجتمع يصعب التغلب عليه، ومثالي على ذلك أن اعتقادا سيظل مرتبطا بمستشفى بعينه حول الأطفال وتبديلهم و لن يكون من السهل إزالته وقد يحجم المجتمع عن الذهاب إلى ذلك المستشفى في حالات الولادة.

كاتب سعودي

Mhkm1111@yahoo.com

Email