بوتين رفع حذاء خروتشوف -د. مغازي البدراوي

بوتين رفع حذاء خروتشوف

ت + ت - الحجم الطبيعي

تصاعدت حرب التصريحات بشكل حاد بين موسكو وواشنطن في الأيام الماضية وبلغت ذروتها في المؤتمر الأمني الدولي في ميونيخ يوم السبت الماضي حيث ألقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كلمة في حضور زعماء وممثلي الدول والمنظمات الدولية استخدم فيها نبرة حادة للغاية في انتقاده لسياسات واشنطن وبعض الدول الأوروبية.

وهي المرة الأولى التي يستخدم فيها بوتين هذه الحدة في الحديث للغرب مما أعاد لدى الكثيرين ذكرى خطاب الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف الذي ألقاه في الأمم المتحدة عام 1961 عندما خلع حذائه ودق به على المنصة متوعدا ومهددا الغرب، لكن بوتين الرجل الهادئ بطبعه وبحكم خبرته السابقة في جهاز «كي جي بي» السوفييتي لم يتوعد ولم يهدد لكنه كشف بصراحة عن عدم رضا موسكو عن سياسات واشنطن بشكل عام وتجاه روسيا بشكل خاص.

وكان بوتين في حديثه يوجه معظم كلامه لوزير الدفاع الأميركي روبرت جيتس الذي كان يجلس أمامه على بعد خطوات والذي صرح قبل المؤتمر بيومين تصريحا وضع فيه روسيا مع كوريا الشمالية وإيران والصين كدول يجب أن تستعد واشنطن لمواجهتهم بجيوش قوية، ولكن بوتين في خطابه لم يشير لتصريح جيتس بل ركز على موضوع آخر أهم، وهو إعلان واشنطن نشر أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ على أراضي تشيكيا وبولندا بالقرب من الحدود الروسية، والتي قال عنها بوتين في خطابه إنها لا صلة لها بمكافحة الإرهاب وأنها معدة فقط لمواجهة الصواريخ الروسية.

لقد سخر بوتين من الديمقراطية الأميركية وطلب من الأميركيين أن يتعلموا هم الديمقراطية قبل أن يعلموها للآخرين، وانتقد بوتين الأوروبيين المنقادين وراء واشنطن، وأعلن صراحة في وجههم أن روسيا لن توقع على ميثاق الطاقة مع الاتحاد الأوروبي ولن تقبل أن تفرض عليها أية شروط، وأهان بوتين الأوروبيين بقوله «نريد أن نتعامل مع شركاء لديهم إرادة مستقلة وقادرين على تحمل مسؤولية أنفسهم».

حديث بوتين يختلف كثيرا عن حديث سلفه الأسبق خروتشوف عام 1961، وروسيا الآن تختلف كثيرا جدا عن الاتحاد السوفييتي السابق، ويخطئ تماما من يتصور أن روسيا الآن أضعف من الاتحاد السوفييتي، على العكس فإن خروتشوف عندما هدد وتوعد لم يكن يملك أية أوراق ضغط على الغرب سوى السلاح النووي الذي كان يخضع تماما لقواعد لعبة متفق عليها ضمنيا بين المعسكرين ولا يمكن تجاوزها، بينما بوتين اليوم يملك أوراق ضغط قوية وحيوية للغاية على الغرب.

وعلى رأسها مصادر الطاقة من النفط الذي تحتل روسيا المرتبة الثانية في إنتاجه بعد السعودية وتؤثر بشكل كبير على أسواقه لأنها ليست عضو في أوبك، والغاز الطبيعي الذي تتصدر إنتاجه بنسبة نحو 29% من الإنتاج العالمي وتتحكم وحدها في أكثر من 30% من واردات أوروبا من الغاز، أي أنها كما يقولون تستطيع أن تغرق أوروبا في البرد القارس، هذا إلى جانب الطاقة النووية التي تتقدم روسيا في أسواقها العالمية بشكل ملحوظ كانت آخر ملامحه التعاقد مع الهند على عشرة مفاعلات نووية وإلغاء اتفاق التعاون الأميركي الهندي في المجال النووي الذي وقعه بوش في العام الماضي.

روسيا أيضا زاد وجودها وفاعليتها في الشرق الأوسط وكانت الحاضر الغائب في الحرب اللبنانية الإسرائيلية في الصيف الماضي بكم السلاح الروسي الذي حارب به حزب الله، وتأكدت فاعلية الدور الروسي بكم الزيارات التي قام بها المسؤولون اللبنانيون والفلسطينيون والسوريون وأيضا الإسرائيليون لموسكو طيلة الشهور الماضية، حتى أن الكثيرين اندهشوا من توجه رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة لموسكو في اليوم التالي لاعتصام المعارضة اللبنانية أمام مبني الحكومة مطالبة باستقالتها، وفي نفس الأسبوع كان بشار الأسد في موسكو وقبلهما بأيام كان إيهود أولمرت هناك وبعدهم ذهب سعد الحريري وعمرو موسي.

أيضا تملك روسيا أوراق الضغط الرئيسية في أزمة البرنامج النووي الإيراني الذي تشرف علي تنفيذه منذ عشر سنوات مضت، هذا إلى جانب التطور الملحوظ في العلاقات (الروسية ـ السعودية ـ الصينية) وخاصة في المجالات الاقتصادية والطاقة والتي تثير جدلا واسعا في الغرب وواشنطن، كذلك تصدرت روسيا أسواق السلاح العالمية في العامين الماضيين وتفوقت على الغرب، مما دفع واشنطن في الشهر الماضي لتوقيع عقوبات على شركات السلاح الروسية.

ومقابل تدهور شعبية الرئيس بوش في بلاده للحضيض تصعد شعبية بوتين في روسيا للقمة لدرجة أن السؤال الأول هناك الآن هو كيف يمكن منحه فترة رئاسة ثالثة مخالفة للدستور وبناء على رغبة شعبه.

elmoghazy@hotmail.com

Email