روسيا قوة اقتصادية عالمية

روسيا قوة اقتصادية عالمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

اعترف تقرير صندوق النقد الدولي لعام 2004 ولأول مرة أن معدل الناتج القومي الروسي حقق نموا بنسبة 6,6%، ورشحت مجلة فوربس الأميركية روسيا لأن تصبح القوة الاقتصادية الرابعة أو الخامسة على الأقل في العالم في عام 2010 إذا حافظت على معدل النمو الموجود لديها حاليا والذي بدأ في عام 2003، ويعزو البعض هذا النمو للزيادة العالمية في أسعار الطاقة وخاصة النفط، بينما يعزوه البعض لسياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الإصلاحية الصارمة.

وتثير هذه المؤشرات الاقتصادية في روسيا قلقا كبيرا لدى بعض الدوائر الأميركية والغربية المعادية لروسيا والمتخوفة من نموها وزيادة طموحاتها ونفوذها على الساحة الدولية، ويرى البعض أن إهمال إدارة بوش لروسيا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 أعطى الفرصة لنظام الرئيس بوتين لكي يوطد دعائمه وينفذ سياساته الاقتصادية التي ستشكل في المستقبل عقبة أمام استراتيجيات أميركا الخارجية ونفوذها في الأسواق العالمية،

وحذر البعض من التقارب الاقتصادي الروسي - الصيني - الهندي، وأنه من الممكن أن يشكل قوة ضاربة مضادة ضد مصالح أميركا وحلفائها وخاصة في آسيا، وكان المرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركية جون كيري قد وجه نفس الاتهامات للرئيس بوش وإدارته أثناء الحملة الانتخابية، وقال كيري إن أميركا ستدفع ثمنا غاليا بسبب تغاضي الجمهوريين عن النمو الملحوظ للقوتين الروسية والصينية.

يعيد البعض النمو الملحوظ والمستمر في الاقتصاد الروسي للسياسات الإصلاحية الصارمة التي اتخذها نظام الرئيس بوتين على مدى الأربعة أعوام الماضية، والتي لم تتعرض فيها روسيا لأية أزمة أو هزة اقتصادية أو مالية، على عكس فترة رئاسة سلفه الرئيس يلتسين التي شهدت فيها روسيا أسوأ الأزمات المالية والاقتصادية في تاريخها، الأمر الذي جعل الرئيس بوتين يترشح للرئاسة في مارس 2004 وهو على ثقة من فوزه بلا أية منافسة، بينما تقلص حجم الأحزاب المعارضة في البرلمان الروسي لتشغل 15% فقط من المقاعد بعد أن كانت تشغل الأغلبية في عهد الرئيس يلتسين،

الأمر الذي جعل بوتين يشرع في بداية فترة رئاسته الثانية في وضع سياسات داخلية وصفها بـ «الإصلاحية» دعمت من سلطات ونفوذ الكريملين، بينما وصفت المعارضة هذه السياسات بالهجوم على الديمقراطية، ووصفتها واشنطن بالعودة للنظام الشمولي السوفييتي السابق وتشكل ديكتاتورية جديدة في روسيا.

وقد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر من مرة أنه لن يترشح للرئاسة في روسيا في عام 2008، مشيرا إلى أن الدستور الروسي لا يسمح للرئيس بتولي الرئاسة ثلاث مرات متتالية، وأنه سيلتزم بالدستور، وتقول المعارضة الروسية إنها لا تصدق هذا، وان بوتين قد غير الكثير في الدستور ولن يمنعه شيء من تغيير مادة الترشيح للرئاسة ليبقى فيها مدى الحياة،وتقول المعارضة إن بوتين يخدع الشعب الروسي ويحاول إقناعه بأن النمو الاقتصادي الذي يجري في روسيا يرجع للسياسات الإصلاحية الجديدة،

بينما يرجع هذا النمو في الواقع إلى الطفرة التي شهدتها أسعار الطاقة خلال العام الماضي وخاصة النفط الذي حقق لروسيا عائدات خيالية لم تكن تتوقعها، وقد أجرى راديو «صدى موسكو» استطلاعا للرأي أشار إلى أن 64% من الروس يؤيدون سياسات الرئيس بوتين ويرونها الأفضل لروسيا على مدى نصف قرن مضى، بينما رفض 9% سياسات بوتين وتحفظ الباقون على هذه السياسات.

وحسب تقارير وزارة المالية الروسية والتي اعتمدتها المؤسسات الاستثمارية العالمية وصندوق النقد الدولي فقد واصل الاقتصاد الروسي نموه في عام 2004 لينمو الإنتاج المحلي بنسبة 1,7% ليصل حجمه إلى 590 مليار دولار وبلغ النمو في الإنتاج الصناعي نسبة 1,6% ليصل إلى نحو 410 مليارات دولار، وقد زاد إنتاج النفط الروسي في عام 2004 بنسبة 9,8% عن العام السابق ليصل إلى 7,458 مليون طن، أما إنتاج الغاز الطبيعي فقد زاد بنسبة 6,1% ليصل إلى 591 مليار متر مكعب، وارتفع حجم الإنتاج الزراعي في روسيا عام 2004 بنسبة 6,1% ليحقق نحو 44 مليار دولار،

ولأول مرة منذ أكثر من عشرين عاما تحقق روسيا فائضا في الغذاء بنسبة تسمح لها في عام 2006 بتصدير نحو ثمانية ملايين طن من المواد الغذائية، وزادت نسبة البناء في المدن الروسية بنحو 11%، كما زاد حجم التبادل التجاري الخارجي بنسبة 1,31% ليبلغ 279 مليار دولار، وبلغ فائض الميزان التجاري في عام 2004 نحو 351,88 مليار دولار، وزادت صادرات روسيا بنسبة 8,34% لتصل إلى 184 مليار دولار بينما وصلت الواردات إلى 95 مليار دولار.

وقد ساعدت الطفرة الهائلة في أسعار النفط على مدى العام الماضي في زيادة حجم الاحتياطي الروسي من الذهب والعملات الصعبة ليصل إلى 541,124 مليار دولار، مسجلا ارتفاعا في عام 2004 بنسبة 8,61%، علما أن حجم هذا الاحتياطي في عهد الرئيس يلتسين بلغ عام 1999 تسعة مليارات من الدولارات فقط، وتتوقع وزارة المالية الروسية استمرار النمو والتنمية في روسيا عام 2006 بنفس المعدلات حسب مؤشرات الربع الأول من العام، وخاصة أن أسعار النفط ومواد الطاقة مستمرة في الارتفاع.

هذه الطفرة في النمو الاقتصادي الروسي تخشى منها أطراف عدة كل منها حسب مصالحه واهتماماته، حيث ترى المعارضة الروسية أن عائدات هذا النمو لن تعود على الشعب الروسي بالخير والرفاهية لأن سياسات النظام الروسي برئاسة بوتين لا تختلف عن السياسات السوفيتية السابقة التي كانت تهدر أموال وثروات الشعوب السوفيتية على طموحاتها السياسية الخارجية وكانت تنفقها على شعوب الدول الأخرى وتترك الشعوب السوفيتية محرومة من أبسط وسائل المعيشة،

وتقول المعارضة أيضا «ان الحكومة الروسية تبيع النفط ووسائل الطاقة بأسعار زهيدة أقل بكثير من الأسعار العالمية لجيران روسيا الفقيرة من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، وذلك لأهداف سياسية بحتة مثلما كان يفعل الاتحاد السوفييتي، وان الرئيس بوتين قرر أن يسد حاجة الصين من النفط وبكميات كبيرة بهدف كسب الموقف السياسي الصيني بجانب روسيا من أجل تحقيق طموحات سياسية واستراتيجية لن تعود على الشعب الروسي بالخير، في الوقت الذي تستطيع فيه روسيا أن تبيع النفط وموارد الطاقة الأخرى في الأسواق العالمية بأعلى الأسعار وتنفق عائداتها على التنمية القومية».

واشنطن تخشى من النمو الاقتصادي الروسي في أن يستخدمه الكريملين في جذب الدول الأخرى للفلك الروسي وخاصة جمهوريات آسيا الوسطى والاتحاد السوفييتي السابق وربما دول في مناطق أخرى في العالم مثل الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية، الأمر الذي سيعوق في المستقبل استراتيجيات الهيمنة الأميركية.

وحتى قادة الثورة البرتقالية في أوكرانيا التي احتفلت أميركا والغرب كله بانتصارها واعتبرتها واشنطن ضربة قوية وهزيمة كبيرة لروسيا، هذه الثورة بدأت في الأيام الأخيرة الماضية تشهد انقساما بين قادتها وخاصة بعد فوز حزب الأقاليم الموالي لموسكو في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بينما تراجع حزب الرئيس يوشينكو الموالي لواشنطن، ويضغط رجال الأعمال في أوكرانيا على النظام الحاكم حتى يستعيد العلاقات الطيبة مع روسيا التي تمثل السوق الأولى لرجال الأعمال الأوكرانيين.

وهكذا يلعب النمو الاقتصادي الروسي الذي تحقق في عهد الرئيس بوتين دورا كبيرا في تحديد استراتيجيات الكريملين وتوجهات السياسة الروسية على الساحتين الداخلية والخارجية، كما يعطي هذا النمو الاقتصادي المستمر ثقة كبيرة للرئيس بوتين تجعله لا يتراجع عن إجراء تعديلات دستورية تعطيه الحق للترشيح للرئاسة مرة ثالثة في عام

جامعة سيبيريا

Email