أطفال العراق... ضحايا الديمقراطية

أطفال العراق... ضحايا الديمقراطية

ت + ت - الحجم الطبيعي

إذا كان أحد المقاييس المهمة لتحضر الأمم، كما يقول أحد المفكرين الغربيين، هو ذلك المعني بقياس ما تقدمه الدول من اهتمام أو برامج لرعاية الأطفال ورفاهيتهم وحفظ حقوقهم، فإن الواحد منا يستطيع القول، بدون أدنى شك، أننا لم نعد نعيش في مجتمعات متحضرة.

فما نقرأه اليوم في تقارير الأمم المتحدة ومنظماتها، وما يكتبه بعض الصحافيون الشرفاء الذين يضحون بحياتهم من أجل إيصال الحقيقة للعالم، أو من خلال ما نجده على بعض المواقع الالكترونية، عن معاناة الأطفال في كل من دارفور أو أفغانستان أو العراق أو غيرها، من الأمم المنكوبة بكذبة الديمقراطية «البوشية» أو بكذبة مكافحة الإرهاب، يعكس لنا مدى وحشية ودمامة وقساوة العالم الذي نعيش فيه.

ففي تقرير اليونيسيف الذي صدر في الثاني من مايو من هذه السنة إحصائيات وحقائق عن أوضاع أطفال العراق محزنة، ومقلقة في نفس الوقت. حيث يؤكد التقرير أن واحدا من كل ثلاثة أطفال عراقيين يعاني من سوء تغذية ونقصان شديد في الوزن. وأن 25% من أطفال العراق الذين تتراوح أعمارهم بين الستة أشهر وحتى الخمس سنوات، يعانون من سوء تغذية حاد أو مزمن، هذا على الرغم من أن التقرير الصادر من شبكة المعلومات المحلية الموحدة )ةزةخ( أكد من خلال نتائج استبيان قياس الأوضاع الحياتية للشعب العراقي أن نسبة الوفيات بين الأطفال العراقيين الأقل من خمس سنوات قلت بشكل كبير منذ بداية سنة 1999،

ألا أن نتائج استبيان حديث، قامت به المؤسسة العراقية المركزية للإحصاء وتقنية المعلومات، بالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي واليونيسيف حول الموضوع، أكدت أن هذه النتائج تغيرت تماما وأصبح العراق يحتل المراتب الأولى في نسبة الوفيات من الأطفال تحت الخمس سنوات منذ بداية الغزو الأميركي في أبريل من سنة 2003.

المتحدث الرسمي لليونيسف بالأردن، ديفيد سينجه، أبلغ رويترز أن عدد الأطفال العراقيين الذين يعانون من ضعف التغذية يتضاعف. فمن 4% في السنة الأخيرة من حكم صدام، وصل عدد هؤلاء الأطفال إلى 9% في 2005، وبأنهم يتوقعون زيادة وتضاعفا في هذا العدد إذا استمرت العراق على هذه الحالة من الفوضى. من ناحية أخرى، علق ممثل اليونيسيف الخاص بالعراق، روجر رايت، على هذه الأوضاع قائلاً «إن مثل هذه الأوضاع قد تؤثر بشكل لا يمكن إصلاحه، ليس فقط على النمو الجسدي للطفل العراقي ولكن أيضا على نموه العقلي والمعرفي.

استبيان آخر تم الانتهاء منه مؤخرا في 15 مايو 2006، أفادنا بمعلومات جديدة ونتائج تؤكد أن الشعب العراقي يعاني من صعوبات تكيف شديدة منذ سقوط صدام ودخول جيوش الاحتلال. ويضيف التقرير، أن الأطفال هم الضحايا الرئيسيين لكل هذه الأوضاع، فهم الأكثر معاناة بسبب شح الغذاء والأمراض والخوف من الاعتداءات المباشرة على أجسادهم. ويصف التقرير وضع الإنسان العراقي، وبشكل خاص الأطفال، بأنه خطر ومقلق،

ويضيف أن أربعة ملايين عراقي، تقريبا، أو ما يمثلون 15% من نسبة السكان، في حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية وخاصة الغذاء، وأن أكثر من 11% من الشعب العراقي تأثر بشدة بسبب سنوات الحصار الاقتصادي الذي كان مفروضاً على بلدهم، ثم أتى الاحتلال وقضى على ما تبقى لديهم من أمل لتحسين ظروف حياتهم.

في العراق اليوم تشكل مكبات النفايات مسكنا آخر للأطفال العراقيين. ففي مدينة السليمانية في شمال العراق يذهب الأطفال كل صباح قبل المدرسة مع ذويهم إلى مكبات النفايات من أجل البحث عن أي شيء قد يفيدهم مثل الأحذية القديمة أو الملابس، التي قد تقي أجسادهم النحيفة، أو التي يمكن أن ترقع ويعاد بيعها، من أجل إشباع حاجات أساسية أخرى للأسرة. وهناك من الأطفال من يعيشون مع ذويهم في مكب النفاية المركزي في العاصمة بغداد، كما يقول أحد المراسلين الذي رأى هذا الوضع اللا إنساني بأم عينه.

لا يعاني الأطفال في العراق في ظل الاحتلال من سوء التغذية والفقر فقط، بل يعانون أيضا من الحجز والحبس في أسوء سجون العالم سمعة، سجن أبوغريب. جميع العراقيين يعرفون ويدركون أن هناك أطفالا سجناء في أبوغريب منذ بداية الاحتلال، وليس فقط في الآونة الأخيرة. فحسب ما تذكر «الصاندي هيرالد» الأسكوتلندية (أغسطس 2004) أن قوات التحالف تعتقل حوالي مئة طفل عراقي في أبوغريب، البعض منهم في سن العاشرة.

وكما يقول بعض الشهود، أن جميعهم تعرضوا للتعذيب والاغتصاب. أحد تقارير اليونيسيف الداخلية التي لم تنشر (يونيو، 2004)، أكد على أن هناك اعتقالات كثيرة للأطفال العراقيين من قبل قوات الاحتلال الأميركية والبريطانية على حد سواء. ويذكر التقرير أن الأطفال العراقيين في النجف والبصرة يعتقلون ويرحلون إلى معتقل في ميناء أم قصر، وأن تصنيف هؤلاء الأطفال كمعتقلين مسألة خطيرة ومقلقة، لأنه يعني احتجازا غير محدد الزمن ، وممنوع فيه التواصل مع الأهل.

هذا الذبح والتعذيب والحبس والاعتداء الجنسي والتجويع، الذي يمارسه الجنود الأميركيون وتطبقه السياسة الأميركية الخارجية على الأطفال العراقيين ليس بشيء جديد. وإذا كانت إدارة بوش اليوم تمارسه بفجاجة ووقاحة غير عادية، فإدارة كلينتون لم تكن أكثر رحمة وإنسانية على الطفل العراقي،

فعندما سألت مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية في عهد كلينتون، في البرنامج الشهير «ستون دقيقة»، عن تأثير الحصار الاقتصادي الأميركي على العراق، أجابت قائله: «سمعنا أن الحصار أودى بحياة نصف مليون طفل عراقي، وهذا يفوق عدد الأطفال الذين ماتوا في هيروشيما. وتضيف: أعتقد أن هذا يعتبر خيارا صعبا، ولكن ما سنجنيه يستحق ذلك!!».

وهذه هي السياسة الأميركية عبر التاريخ، عدد الضحايا لا يهم، المهم أن تصل الحكومة الأميركية لأهدافها، والشيء الذي يدفع بنا للتعجب هو أن هناك من يروج لهذه السياسة وكأنها تمثل خلاص العالم من القهر والقمع والفقر، متجاهلين كمية الدم، دم الأطفال تحديدا، التي تلوث أيدي حاملي لواء هذه السياسة. فهل هذا جهل أم تواطؤ ؟.

جامعة الامارات

albaharm@yahoo.com

Email