آباء يعلمون أبناءهم ـ د. لطيفة النجار

آباء يعلمون أبناءهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

تمثل الأسرة ـ خاصة في عصرنا هذا ـ حجراً أساسياً وركناً مكيناً يعتمد عليه في تعليم الأبناء وتوفير الدعم المعنوي والمساعدة لهم مما يحقق لهم الأمن والإحساس بالرضا وتقدير الذات والثقة بالنفس.

وهذه أمور تعد جوهرية في التعليم الذي يتجه نحو الارتقاء بمعارف المتعلم ومهاراته جنبا إلى جنب مع بناء شخصيته وصقل مواهبه والكشف عن مكامن الإبداع فيه وتوجيهه توجيها صحيحا موضوعيا نحو التعامل مع الآخرين ومع القضايا الملحة في عصره ومجتمعه بوعي ومسؤولية وانتماء وإنسانية.

ولا شك أنّ الأسرة في مجتمع الإمارات قد أصبحت تعي دورها هذا، خاصة مع الأجيال الصغيرة من الأطفال الذين يتوقع أن يكون معظم آبائهم من المتعلمين.

وهذا أمر يساعد كثيرا في فتح قنوات اتصال واسعة بين البيت والمدرسة بحيث تناقش من خلالها قضايا مهمة تعمل الجهتان على التعاون في إرساء قواعد متينة مدروسة لعلاجها وتحسينها وتطويرها.

وهذا يبعث الأمل في أن يصبح المستقبل أكثر إشراقا بأن يحظى هؤلاء الصغار بفرص جيدة للتعليم البناء الفاعل الذي تتضافر فيه جهود الآباء والمعلمين ضمن منظومة متسقة تتضح فيها أدوار الجميع وتحدد فيها مسؤولية كل الأطراف في مناخ يسوده التطلع إلى مصلحة المتعلمين .

والأخذ بيدهم نحو امتلاك المعرفة وأدوات العلم الأساسية التي تقوم على التفكير والإبداع والإقبال على البحث والقراءة بعيدا عما درج عليه نظام التعليم التقليدي من تعميق مفهوم الحفظ والجري وراء الدرجات والمعدلات التي هي في الحقيقة أرقام عجماء لا تعكس واقع الأمر ولا تصدق مع الطالب ولا مع ولي الأمر.

إنّ الدور المنوط بالأسرة في هذا العصر كبير جداً ومهم وحساس، خاصة ونحن نرى ونسمع كل يوم عن قضايا إشكالية خطيرة يفرزها الواقع ويكون أبطالها أبناؤنا الذين تنعقد عليهم الآمال والتوقعات الجميلة لمستقبل آمن يمتلك أسباب التماسك والقوة.

فما الذي يستطيع الآباء والأمهات أن يفعلوه من أجل أن يبدأوا أو أن يكملوا ما بدأوه من عمل تجاه أبنائهم للرقي بتعليمهم وتعزيز ثقتهم بنفسهم وتقديرهم لذاتهم .

وتأكيد التواصل معهم وتفهمهم ومحاولة كسر الحواجز الكثيرة التي قد تقصيهم عن جوّ الأسرة أو المدرسة؟ هناك الكثير من المهمات التي تستطيع الأسرة أن تقوم بها، وكثير منها موجود ومحقق بصورة أو بأخرى، ولكننا ـ مع ذلك ـ نحتاج إلى تأكيدها وإبرازها والتذكير بها.

ولعل أبرز هذه المهمات على الإطلاق هو التعاون مع المدرسة والحرص على الاتصال بها والحوار معها في كل شؤون الأبناء، فحين يعمل الآباء على نحو وثيق مع المدرسين تزداد فرص التلميذ في تحقيق التفوق والنجاح، ويزداد احترامهم لآبائهم وتقديرهم لجهودهم. إن حديث الآباء مع الأبناء عن المدرسة يؤثر تأثيراً مباشراً في تحسين أداء الأبناء.

وهذا ما تؤكده الدراسات التربوية الحديثة؛ إذ يرتبط إنجاز التلميذ بشكل مباشر بمقدار الوقت الذي ينفقه الآباء في الحديث مع أطفالهم عن المدرسة وبالدور الذي يقومون به في إدارة شؤون المدرسة مع القائمين على التعليم فيها.

ومن الأمور التي تدعو إليها الدراسات التربوية الحديثة لتأكيد الدور الإيجابي للأسرة في تعليم الأطفال العمل على توفير بيئة تعليمية ثرية في المنزل؛ إذ يدعو المتخصصون الآباء إلى توفير مواد قرائية متنوعة للأطفال، وعدم الاقتصار على قراءة الكتاب المدرسي، لأن هذا من شأنه أن يقلص فرص تنوع مصادر التعلم أمام الطفل .

وأن يضيق أمامه آفاق القراءة فتصبح محدودة جداً. ويتبع ذلك ما تؤكده الدراسات من أهمية القراءة للأطفال؛ ففي الدراسة التي أصدرها بعض القائمين على التعليم في الولايات المتحدة الأميركية سنة 1994م.

والتي اعتمدت على نتائج ثلاثة عقود من الأبحاث حول المشاركة الأسرية في التعليم تبين أنّ القراءة الجهرية للأطفال هي أهم عامل وحيد في نجاحهم فيما بعد.

والحقيقة أنّ هذا النشاط الذي لا يحفل به كثير من أولياء الأمور في المجتمعات العربية هو من أكثر الأنشطة فاعلية وتأثيرا في تحسين تعلم الأطفال وتقديم القدوة الحسنة لهم في الإقبال على القراءة وتقدير المعرفة والثقافة بشتى أشكالها.

وفي إغناء مفردات الطفل وزيادة معجمه وتوسيع معرفته بالعالم من حوله وبالثقافات الأخرى مما ينشئه على تقبل الآخرين وعلى تقدير المختلف وتفهمه وعلى القدرة على التعامل معه بعيدا عن الشطط والتطرف والانفعالات الهوجاء.

ولا شك في أنّ الاهتمام والرعاية والتفهم من أهم الوظائف التي يقوم بها أولياء الأمور والتي تنعكس على الأطفال انعكاسا إيجابيا قويا؛ إذ تدعم الرعاية المستمرة والاهتمام الحقيقي شخصية الطفل وتؤكد تقديره لذاته وتقبله لما جبل عليه من صفات من دون أن يشعر بالنقص أو عدم الثقة.

إن تقدير الذات من الأمور الأساسية التي تقرب الأطفال من أسرهم ومدارسهم، فالأطفال الذين ينخفض عندهم تقدير الذات يشعرون بالانفصال عن مجتمعاتهم وعن أسرهم.

وقد يلجأون فيما بعد إلى التعبير عن هذا الانفصال بصور كثيرة قد تشكل خطرا عليهم وعلى مجتمعاتهم. وتبرز هنا قضية التشجيع والثناء الصادق على إنجازات الطفل مهما كانت بسيطة وصغيرة والبعد قدر المستطاع عن التوبيخ أو التقليل من شأن الصغار أو التركيز على أخطائهم.

فقد أثبتت الدراسات أن الأطفال الذين يتمتعون بتقدير عال لذواتهم ينتمون في الغالب إلى أسر تشعرهم بالحب وتقدم لهم الرعاية والاهتمام وتحرص على مدحهم مدحا صادقا موضوعيا بعيدا عن المبالغات والتزييف الذي لا يخفى على الصغار وإن ظن الكبار خلاف ذلك.

ولعل من أهم ما يتوقع أن تنهض به الأسر المتعلمة في تعليم أبنائها أن تربيهم على مفهوم التعلم مدى الحياة في إطار التربية المستدامة، وهذا ما نحن بأمس الحاجة إليه ـ خاصة في مجتمعنا في هذا الزمان ـ فعلى الآباء والأمهات أن يشجعوا أبناءهم على التعلم .

وأن يغرسوا في نفوسهم قيمة العلم وأهميته من حيث هو مكون أساسي في حياة الإنسان، إذ إنه ليس مرهوناً بمرحلة معينة من العمر ولا وسيلة لتحقيق غاية، بل إنه غاية في حد ذاته، وهو غاية عزيزة وثابتة ومهمة لا غنى عنها ولا بديل. إننا نحتاج أن نتوقف عن استيراد العلم والتكنولوجيا من الآخرين كما نستورد منهم السيارات والبضائع الأخرى.

نريد أن يأتي اليوم الذي نقدم فيه علمنا بجهود أبنائنا على أرضنا، وهذا يوم بعيد إذا اقتصر تصورنا على العلم بأنه مادة نحصلها من أجل شهادة نطلب بها وظيفة نقتات بها. وأما إذا تغيرت النظرة إلى وظيفة العلم وغاياته فالمستقبل الواعد لأمتنا ليس ببعيد أبدا!

جامعة الإمارات

Email