«التمحور شرقاً» أنجز القليل لاحتواء توسع الصين الاستراتيجي

سياسة أوباما أشعلت حرباً باردة في آسيا

شراكة الدفاع بين واشنطن ونيودلهي هدفها مواجهة التمدد الصيني

ت + ت - الحجم الطبيعي

مال ميزان القوى في جنوب آسيا بشكل حاسم لصالح الهند، أخيراً، نتيجة للقرار الذي اتخذته الولايات المتحدة بمنحها مكانة «الشريك الدفاعي الرئيسي» ودعم انضمامها إلى أندية الدول النووية المؤثرة.

ويصف البيان المشترك الأميركي ـ الهندي شراكة الدفاع الناشئة بين الجانبين في منطقتي آسيا ـ المحيط الهادي ومناطق المحيط الهندي، بأنها استجابة واضحة للحزم المتزايد الذي تظهره الصين في تلك المسارح البحرية.

وفي سعيها لاحتواء الصين، قامت الولايات المتحدة، مع ذلك، بتنحية المبادئ الدبلوماسية طويلة الأمد جانباً، إذ إنه، حتى هذه اللحظة، لم تتمكن الدول المسلحة نووياً من الوصول إلى أرقى التكنولوجيا العسكرية الأميركية، وبصورة خاصة المعدات بتطبيقات ذات استخدام مزدوج في الأسلحة الاستراتيجية، من دون أن تصبح من الدول الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي. وكان دعم الولايات المتحدة للبلدان التي تسعى لعضوية أندية الدول النووية، مثل «جماعة الموردين النوويين»، مشروطاً أيضا بتقديم تلك الدول أدلة على إجراءات أمنية تمنع انتشارها بشكل غير قانوني.

الهند لم تُقدم على تطبيق أي من هذين المتطلبين، ومثل باكستان، رفضت دعوة الرئيس أوباما في قمة الأمن النووي في أبريل الماضي إلى خفض حجم ترسانتها الاستراتيجية. وفي المقابل، مُنحت تنازلاً لأجل غير مسمى، لأنها أساسية في إتمام التحالف غير الرسمي الذي ترعاه الولايات المتحدة والقوى في آسيا ـ المحيط الهادي التي تشعر بالتهديد جراء هدف الصين المتمثل في التحول إلى القوة المهيمنة في المنطقة.

تمديد التنازل

وعن طريق تمديد هذا التنازل إلى الهند، وليس إلى باكستان، اختارت الولايات المتحدة أن تميز بين عدوين دائمين بترسانتين من الرؤوس الحربية والصواريخ البالستية الأسرع نمواً في العالم.

ويعد توقيت القرار من قبل الولايات المتحدة أمراً جديراً بالاهتمام بالقدر نفسه. فالهند تتوقع إدخال أولى غواصاتها المسلحة نووياً في وقت لاحق من هذا العام، وبالتالي تحقيق قدرة الضربة الثانية، التي ستضعها على قدم المساواة مع الصين استراتيجيا.

وفي أثناء ذلك، تستمر الولايات المتحدة في الضغط على باكستان لخفض مخزونها المتزايد من الرؤوس الحربية النووية التكتيكية الخاص بالمعارك، والذي يعد ميزتها الاستراتيجية الوحيدة التي تتفوق فيها على الهند.

وفي هذه الظروف، يمكن أن نتوقع قيام باكستان بمحاولات لمواكبة الهند. ومن دون إمكانية لديها للوصول إلى التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج، يمكن أن تسعى باكستان إما للحصول عليها من السوق السوداء الدولية، أو أن تطلب من الصين استئناف عملية تبادل التكنولوجيا بالأسلحة النووية والصواريخ البالستية، التي توقفت في عام 1992.

ومن جهتها، قد تميل الصين المترددة إلى هذه اللحظة، بسبب التداعيات الدبلوماسية الأوسع نطاقا، للموافقة على طلبات باكستان، في إطار الرد على منح الولايات المتحدة الهند مكانة «الشريك الدفاعي الرئيسي»، التي ستساعدها في أن تصبح دولة متساوية مع الصين عسكرياً واستراتيجياً.

وفي بحر الصين الجنوبي، حيث تكمن بؤرة التوتر بين الصين وأميركا، اتسم سلوك القوى العظمى بهذا النوع من التنافسية على طريقة العين بالعين.

وتتعرض أكثر من 20 دولة في المنطقة لضغوطات متزايدة لأخذ جانب إحدى القوتين العظميين ضد الأخرى. الهند واليابان والفلبين وفيتنام تقف بحزم في المعسكر الأميركي، فيما كمبوديا وباكستان وروسيا حلفاء الصين.

لكن الغالبية العظمى من البلدان في آسيا تبنت الحياد، بدرجات متفاوتة، لأنها تضع في اعتبارها قربها من الصين واعتمادها الاقتصادي عليها، في الوقت الذي تعتمد على الولايات المتحدة في مجال الأمن.

وعلى هذا الأساس، عمل أوباما على تأجيج التوتر في المحيطين الهندي والهادي في «تمحوره حول الشرق» إلى حد بعيد، لكنه لم يعمل إلا القليل على احتواء التوسع الاستراتيجي للصين. ويبقى الرابحون الوحيدون في هذه الحرب الباردة في آسيا هم مصنعو الأسلحة.

بؤرة توتر

عملت الصين من أجل فرض أمر واقع في بحر الصين الجنوبي، من خلال الاستمرار في بناء مرافق للاستخدام المزدوج المدني والعسكري على الجزر الاصطناعية في أرخبيل سبارتلي، مما دفع الولايات المتحدة إلى تصعيد رحلات المراقبة الجوية . وقد طالبت الصين واشنطن بإيقاف رحلات طائرات التجسس ، وقالت انه سيكون من ضمن حقوقها إنشاء «قطاع تمييز في الدفاع الجوي» .

وردت الولايات المتحدة بإعلانها خطين أحمرين هما : إنشاء الصين «قطاع التمييز» ، وأي محاولة لتوسيع البناء من جزر سبارتلي إلى ضحضاح سكاروبورو.

Email