خلل استراتيجي في التعامل مع ملفات العراق وسوريا

العهد الرئاسي المقبل يرث ملفات ملغومة من إدارة أوباما

ت + ت - الحجم الطبيعي

شهد العراق، في الآونة الأخيرة، أفظع أعمال الإرهاب خلال ما يقارب ثلاثة عشر عاماً من الحرب، وذلك بعد أن وجّه تنظيم «داعش» ضرباته ضد المدنيين بهدف واضح يسعى للتفرقة بين السنة والشيعة في مجزرة أسفرت عن مقتل 93 شخصاً على الأقل، وإصابة عشرات الأبرياء.

وتعكس تلك الواقعة، إلى حدٍّ ما تطور مسار المعارك، وقد خسر التنظيم مساحات واسعة من المناطق التي سبق له الاستيلاء عليها. ومع أن العراق أبعد ما يكون عن الوحدة، يأتي اللجوء إلى الاعتداءات الإرهابية الشاملة ضد المدنيين لتعميق خطوط الصدع الإثنية والطائفية على أهمية كبرى من منظور «داعش»، لما لقدرة تلك الاعتداءات على إثارة ردود فعل الشيعة ضد سنة العراق وتقسيم العرب والأكراد.

«داعش» ومحاولات التشتيت

ويحاول التنظيم من خلال المجازر التي يرتكبها تشتيت الأذهان عن الخسائر التي تكبدها وجذب المزيد من التمويل أو المقاتلين إلى صفوفه، وإرسال إشارات تحذير إلى المناطق التي لاتزال خاضعة له من مدى سطوته.

ما من شك بأن الحكومة العراقية والميليشيات والقوات القبلية كما المقاتلين السوريين العرب والأكراد قد حققوا بعض النجاحات ضد «داعش»، إلا أن الخارطة التي نشرتها وزارة الدفاع الأميركية، أخيراً، على موقعها الإلكتروني تعكس حجم المكاسب الشرعية.

لا تتناسب المشكلات التي تواجه أميركا وحلفاءها مع النهج التبسيطي المعتمد في استراتيجيتها ضد «داعش». ولابد لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما من أن توفر صورةً أوضح للاستراتيجية والتحركات التي قامت بها حتى اليوم.

نتائج مستدامة

وقد تطرق جيمس كلابر، مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية، إلى جوانب الحقيقة البائسة التي ترغم أميركا بعدد من الطرق على محاولة إيجاد الخيارات الأقل سوءاً في ظل الظروف الصعبة. وشكل قول كلابر بأن استعادة الموصل لن تتم في ظل الإدارة الأميركية الحالية صدمة لبعض المعلقين. إلا أن إدارة أوباما في الواقع لم تتصرف بشكل حاسم عند بعض مفاصل الحرب الأساسية، حين كان باستطاعتها تجنب الخوض في حرب استنزاف طويلة، وقد اتسمت «استراتيجيتها» في كل من العراق وسوريا بالتدرج الأميركي البطيء إزاء مدّ التصعيد الزاحف، سواء من حيث التدريب أو المساعدة في إعادة بناء الجيش العراقي شبه المتهالك.

أما في سوريا فقد ارتكبت أميركا أخطاءً استراتيجية أساسية، جعلتها تنتقي بين أقل الخيارات المطروحة سوءاً، فحاولت اتباع استراتيجية العراق أولاً، في الوقت الذي كان واضحاً أنه لا يمكن تحصين غرب العراق من دون هزيمة «داعش» في شرق سوريا. وغفلت عن الحرب بين النظام السوري ومقاتلي المعارضة من عرب وأكراد. ولم تكن تتوقع تدخل روسيا في سوريا.

«حبة سمّ» موازية

لا يعتبر كافياً التركيز على «داعش» وهزيمته، كما لا يكفي شراء الوقت عبر التفاوض على شروط هدنة محدودة في سوريا. لابد للاستراتيجية العملية أن تتخطى البُعد العسكري وتدرك الأهمية الموازية للبعد المدني في سوريا والعراق، كما يتعين عليها النظر في مصالح ودور اللاعبين الخارجيين. يتوجب لزاماً على إدارة أوباما البحث فيما يتعدى التكتيكات والمشكلات المباشرة والعمل على تحديد أهداف استراتيجية كبرى واضحة على الأقل.

هناك فارق ساطع بين بذل أفضل الجهود المتناسقة الممكنة لمواجهة ظروف استثنائية صعبة، وبين تسليم الإدارة المقبلة «حبة سمّ» موازية. ويصح هذا الواقع تحديداً على إرث إدارة أوباما المرشح لمزيد من السوء في كل من أفغانستان وليبيا واليمن. من المؤكد أن إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش تلام بالقدر عينه لارتكاب عدد من الأخطاء الفادحة، إلا أن ستة عشر عاماً من القيادة الفاشلة لا تبرر ثمانية أعوام أخرى.

Email