قصف «داعش» وحده لا يكفي ولا بد من فصله عن الجهود السياسية

ست خطوات تقرّب العالم من الحل في سوريا

ت + ت - الحجم الطبيعي

تقتضي مواجهة واقع الأمور الاعتراف بأن الغارات الجوية والعنف لن يحلا مشكلة سوريا، حيث جاءت الحرب الأهلية وليدة الاصطدام بين مثاليات أحداث الربيع العربي، ودكتاتورية نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وإذا اقتصر كل ما سنفعله على تدمير «داعش»، الذي يعتبر المهمة رقم واحد في الوقت الراهن، فسيظهر عدد من المنظمات الإرهابية الأخرى في ظل الفراغ القائم.

وفي ظل المخاطر المتعددة في المشهد، التي لا تقتصر على إنقاذ حياة السوريين وحسب، بل مواجهة التهديد الدولي الواضح لـ«داعش»، تواجه أطراف التفاوض المقرر أن تعود للاجتماع قبل نهاية العام الجاري في باريس، الكثير من الصعوبات. ويتوجب عليها اتباع خطوات محددة أبرزها:

تجنب مفاوضات الدردشة

البدء بالاتفاقات الثنائية، لا سيما الولايات المتحدة وروسيا، حيث تهدد مشاركة ما يقارب عشرين دولة في المحادثات بأن يصبح اللقاء مجرد «لقاء دردشة» يخلو من مادة حقيقية للنقاش. لا بد لواشنطن وموسكو، بداية، من التوصل إلى اتفاق على خطوط عريضة ترضي الطرفين، قبل العمل على حض إيران والسعودية على الموافقة، بما يدفع الأطراف الأخرى للانضمام.

أما على المدى الطويل، وإذا لم تنجح الانتخابات في حل النزاع السوري، فسيكون على المتحاورين أن يفكروا بجدية في خريطة للبلاد مساراً وحيداً للتوافق.

ويتعين ثالثاً، الاستعداد للمساومة على مصير الأسد، الذي يريد الجميع التخلص من حكمه، عدا روسيا وإيران، وهو صاحب السجل الحافل بالتعذيب والإفلات من العقاب، واستخدام أسلحة الدمار الشامل، والقصف العشوائي بالبراميل المتفجرة ضد المدنيين في أفعال مشجوبة، ومخالفة بشدة لأحكام القانون الدولي، إلا أنه بغياب موافقة روسيا وإيران، لن يكون هناك من مسار فعلي للتقدم.

دبلوماسية الأشخاص

رابعاً، وبمعزل عن شعور البعض حيال الاتفاق النووي مع إيران، الذي لا يزال من المبكر جداً قياس تأثيراته، فإن العديد من المحاورين حول الطاولة كوزير الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف، والإيراني محمد جواد ظريف، يعرف أحدهم الآخر، ويكن له الاحترام، والدبلوماسية تبنى عادة ارتكازاً على شخصية الفرد.

وتتعين خامساً، العودة إلى التقنيات الدبلوماسية لمفاوضات البلقان، التي تشكل المثال التاريخي الأحدث على محاولة تصرف المجتمع المدني حيال أزمة من هذا النوع، حيث اجتمعت الأطراف المختلفة بالرضا أو بالإكراه في منتصف تسعينيات القرن، لوقف حرب البوسنة.

وسيكون من المفيد للمتحاورين العودة إلى منهجية التوصل إلى اتفاق المعتمدة في ذاك الوقت، بما في ذلك الدبلوماسية القائمة على أشخاص، والاجتماعات الجانبية، والدبلوماسية المكوكية، واستخدام خبراء عسكريين من كلا الطرفين.

ولا بد أخيراً، من فصل حملة تدمير «داعش» عن الجهود السياسية والدبلوماسية، للتوصل إلى حل لأزمة الحرب الأهلية في سوريا، وقد أصبح ذلك أسهل اليوم نظراً للمفهوم الجديد القائم على التهديد الدولي، الذي يمثله التنظيم عقب تفجيرات باريس وسواها. سيتحد المجتمع الدولي لمهاجمة «داعش»، لكن يتعين عليه بالتوازي مع ذلك التفاوض على مسار سياسي ودبلوماسي ما للمضي قدماً.

من الواضح أن المهمتين متصلتين، تتسم إحداهما بكونها تتمحور حول مشكلة قوة الإكراه، أي تدمير «داعش»، والأخرى بارتكازها على تحدي القوة الذكية، أو إيجاد حل للحرب الأهلية في سوريا، إلا أن منح الأولوية في الرد على «داعش» بترجيح كفة القوة والمضي بثبات وعزم في المفاوضات، فإننا نحظى بالفرصة الأمثل لتخفيف معاناة ملايين السوريين، وتقليص حجم المخاطر التي تهدد المنطقة والعالم.

لا شك في أن مؤتمر فيينا ينتظر الكثير من العمل الشاق.

Email