البيت الأبيض يصرّ على أنها الأنسب وخصومه يرون أنها الأسوأ

استراتيجية أوباما في المنطقة تراوح مكانها

ت + ت - الحجم الطبيعي

إذا لم تكن فريدة في سخونة الجدل الذي أثارته، فإنها بالتأكيد واحدة من بين أكثر السياسات الخارجية الأميركية التي دار حولها خلاف عميق وبلغة فجّة مشحونة بكثير من الجفاء والتنابذ غير المسبوقين. ويعود التصادم في هذا المجال بين الإدارة وخندقها الليبرالي من جهة وخصومها المحافظين من جهة ثانية، إلى بدايات رئاسة أوباما، الذي كشف مبكراً عن التزامه باستراتيجية الحوار والدبلوماسية، في معالجة الأزمات الناشبة. ترجمة ذلك الاكتفاء بإدارة هذه الأزمات العصية على الحل.

وهو توجه حظي بالترحيب مبدئيا. خاصة وأن طرحه هذا جاء على خلفية حربين منهكتين. القوى المحافظة جاهرت باعتراضها عليه، من موقع محكوم باعتبارات سياسية وأيديولوجية. لكن في الممارسة، خاصة بعد انفجار »الربيع العربي«، وقعت هذه الاستراتيجية في التعثر والتخبط والتردد.

تعمق الشكوك

مع توالي التحديات تعمّقت الشكوك، وارتفعت سخونة الجدل، خاصة مع استئناف مفاوضات النووي الإيراني وطفرة »داعش «، وأخيراً انفجار الصراع في اليمن. مع كل واحدة من هذه التحديات ازداد تكشف مذهب أوباما الخارجي، المتأرجح بين الدبلوماسية وبين البحث عن حلول سياسية غير متوفرة شروطها، مروراً بسياسة المواجهة النصفية. حتى الآن لم يفلح هذا التوجه سوى بإعادة العلاقات مع كوبا.

جولة كسبها الرئيس اوباما ونزلت في رصيده وإرثه الرئاسي. ما عدا ذلك ما زالت استراتيجيته تراوح مكانها. او في أحسن حالاتها معلّقة، وربما واعدة، بانتظار الجولات الحوارية المقبلة. ما ساعد في تشبثه بمذهبه الخارجي برغم شحّ المردود، وأن خصومه المحافظين لا يملكون البديل. مأخذهم قابل للتسويق، لكنهم عاجزون عن تقديم الرديف. ويتجلى ذلك بشكل خاص في ملف النووي الإيراني. في الأيام التي تلت »اتفاق الإطار«، بلغ وما زال نقد الجمهوريين للمفاوضات مع إيران درجة قاربت التهشيم الشخصي ضد أوباما. تسجّلت مآخذ كثيرة على الاتفاق. التحفظ شمل حتى المؤيدين لمبدأ التفاوض، مثل هنري كيسنجر.

ثمة ارتياب واسع ليس بالتوصل إلى اتفاق نهائي، بل بالقدرة على وضعه موضع التنفيذ. لكن الرئيس جعل من هذا الملف موضوع رهانه الأكبر. فهو يعلل ذلك بأن قدرات أميركا المتفوقة تسمح لها بالمجازفة والدخول في عملية اختبار مدى جدّية طهران في تطبيق ما يمكن التوافق حوله، وإذا لم تلتزم هذه الأخيرة ببنود الاتفاق تبقى خيارات أميركا الأخرى مفتوحة. لكن اوباما ليس في وارد اللجوء إلى هذه الخيارات. خاصة القوة العسكرية. من الأساس أفصح عن استبعاده لهذه الورقة. المآخذ عليه هنا، خاصة من قبل العسكريين، أن الإعلان المسبق عن حذف هذه الورقة من حساباته وضع استراتيجيته في موقع ضعيف.

التحدي الأكبر

الآن تواجه استراتيجية إدارة الأزمات هذه، اختباراً جديداً، ربما شكل التحدي الأكبر لها. حرب اليمن قد تضعها في مأزق وبما يفرض على إدارة اوباما الخروج من الموقف الضبابي نحو الحسم. فهذه الأزمة تحولت إلى صراع جيو ـ سياسي بين قوى الإقليم. صارت أكبر من إشكالاتها الداخلية.

مدرسة أوباما الخارجية، القائمة على ركيزتي الحوار والدبلوماسية، تستحق الثناء لمقاصدها السلمية. لكن دروس أزمات الشرق الأوسط تفيد بأن هذا التوجه له حدوده. فالأزمات تسلك في طور من أطوارها، طريق الحسم الذي لا تنفع معه الاكتفاء بإدارتها. إلاّ إذا كان ذلك ليس غير محاولة مفخخة لإنهاك الأطراف كافة على المدى الطويل.

Email