نقاط ضعف تجعل فئات في الغرب هدفاً لدعاية التنظيم

منطق التلاعب ووهم القوة سلاح الترويج الداعشي

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يتجلى أحد الأمور المثيرة للقلق حول إرهابيي تنظيم «داعش» في مدى فعالية الترويج الدعائي التي أصبح يتمتع بها، بدءاً بأفلام الفيديو المتقنة، التي تبرع في تصوير ممارساتهم العنيفة ضد الأسرى، وإرفاقها بمختلف الأحاديث المستنكرة للسياسة الخارجية للغرب، والمطالب ذات العلاقة.

وتصور مقاطع الفيديو، في بعض الحالات، مجندين متطوعين من دولٍ غربية، في محاولة للتواصل والتأثير على الشباب المستضعف. وبالنظر إلى الأعداد التقريبية المتزايدة للمجندين المستدرجين من رفاهية دول الغرب الديمقراطية إلى ساحة المعركة في الشرق الأوسط، نلاحظ أن جهود التجنيد تؤتي ثمارها على ما يبدو. لكن لماذا؟

سياسة التلاعب

ينبغي على الغرب أن يشعر بالعار إزاء تمكّن مجموعةٍ من الشبان الذين يجوبون الصحراء، ويقطعون رؤوس الناس، من العثور على نقطة ضعفٍ يمكن استغلالها في ثقافة «القوة الناعمة» لدينا.

وينطق هذا الواقع بالأمر الكثير عنا كدول غربية، كما عنهم كتنظيم. فالترويج الدعائي له أكبر الأثر في النفوس، حين يتمكن من العزف على وتر المنطق، والحجة والإدراك الذاتي. ويفقد كل قوةٍ له بمجرد ملاحظة الناس لمنطق التلاعب الكامن.

ويشكل الكشف عن التلاعب مهارةً بحد ذاتها، ويكمن ضعف تطوير تلك المهارة وراء الضبابية التي تغشي عيون المشاهدين، وهم يشاهدون إعلاناً حول سيارة مثلاً، بعنوان «والدي الشجاع»، الذي يصور أباً يرسل ابنته للخدمة العسكرية، في حين أن ردّ الفعل الصحي حيال الإعلان يكون بالشعور بالانزعاج حيال التلاعب الواضح، الذي تمارسه شركة السيارات، وتستغل من خلاله مشاعر الحب للعائلة والوطن، من أجل أن تبيعنا سيارتها.

والأمر ذاته ينطبق على لجوء برنامج «ساترداي نايت لايف» الأميركي لمحاكاة الإعلان ذاته بطريقة هزلية، وتصوير الأب هذه المرة يرسل ابنته للانضمام إلى صفوف «داعش»، وقد أعرب عدد من المشاهدين المحبين للسيارة عن غضبهم حيال البرنامج التلفزيوني، واتخذوا موقع الدفاع إزاء حالة التلاعب الأصلي.

وتجلى المنحى الأكثر إشراقاً لعرض برنامج «ساترداي نايت لايف» الصيغة الهزلية للدعاية في أنها أثارت رد فعل جماهيري يوضح على وجه الدقة السبب الذي يجعل من دول الغرب أرضاً خصبةً لتجنيد مقاتلين في صفوف «داعش». لقد أخذت منا العواطف والاستضعاف كل مأخذ، ولم تترك مكاناً للحجة والمنطق. وبات التفكير التحليلي ترياقاً لأعمال التخريب الدعائية، وبتنا نعيش في أحضان ثقافة قلما تقيم وزناً للفكر.

يحظى تنظيم «داعش» بإمكانية الوصول إلى وسائل الإعلام ذاتها كما بقية العالم. وهو يرى كيف يتصرف من يسمون بقادة العالم في مجلس النواب الأميركي كالأولاد المشاكسين ويتجلى ذلك بزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

ويلاحظ اللهجة التي يوجه بها أعضاء مجلس الشيوخ رسالتهم للقادة الأجانب، ويجعلونهم يدركون أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يهدر وقته في محاولة التوصل إلى اتفاقية نووية محتملة. ولا يتطلب الأمر ذكاءً بالغاً لإدراك أن هذا النوع من بث مشاعر انعدام الأمان يفترض ضعفاً جماعياً قابلاً للاستغلال.

مكمن الضعف

إذن، أين يبدي الغرب ضعفاً، بعيداً عن عجزه عن دحر «داعش» بدون تأخير، على الرغم من دفاعاته المتطورة، ومصادره الاستخبارية المتوفرة، سيما أن التنظيم يعزف مبدئياً على العواطف، باستخدامه أفلام فيديو يستعرض فيها وهم القوة.

قد يتساءل المرء كيف يمكن لتنظيم على هذه الدرجة من العنف، الذي يمكنه من قطع الرؤوس، أن ينجح في استدراج الناس، باعتماد هذا القدر من اللاعقلانية. وتكمن الإجابة في ما سمح للمجتمع الغربي لنفسه أن يصبح عليه على امتداد العقود القليلة الماضية.

أوضح يوري بيزمينوف، خبير الترويج الدعائي السابق في الاستخبارات السوفييتية «كي.جي.بي» عام 1983، أن الناس يصبحون أكثر عرضة للوقوع في الفتنة حين يتحول التعليم لديهم من العلوم والرياضيات والفيزياء واللغات الأجنبية، ويتجه نحو دراسات تتمحور حول تاريخ الحروب الحضرية، والأطعمة الطبيعية، والاقتصاد المنزلي.

لقد اعتمدنا النأي بأنفسنا كثيراً عن مناحي التفكير التحليلي لصالح «المشاعر». وأصبح لدينا قادة عاطفيون، وترفيه عاطفي، ونقاشات محفوفة بالعواطف. وباتت أصواتنا تذهب للأفراد الوسيمين لا البارعين. أما الخبر الجيد فهو أن ذلك كله قابل للتغيير، شرط أن ندرك ونعترف بوجود المشكلة أولاً.

منطق الهروب

نرى أعداداً من الناس تتحمس بسهولة للنداءات التبسيطية للعواطف الأساسية، كالمقاطع سريعة الانتشار على الإنترنت للقطط، والدراما الشخصية التي تصورها عروض تلفزيون الواقع، أو حتى فكرة المناظرة التلفزيونية بين «بوش وكلينتون» خلال سباق الانتخابات الرئاسية المقبلة المحمومة.

يصاب الكثيرون بالرعب لمجرد التفكير بولاية رئاسية سواء لعضو آخر في عائلة كلينتون، أو لعضو آخر في عائلة بوش، إلا أنهم لا شك يرغبون بالتحدث عن إمكانية حصول سباق بين كلينتون وبوش، ذلك أن الاسم العائلي للشخصين يثير بضعة عقود من الدراما التي يصعب نسيانها.

لذا فإن البعض يبدي استعداداً للمضي نحو مرحلة الخيال الهروبي، بدلاً من التعامل مع واقع الانتخابات الحاسمة، قبل عشرين شهراً من حصولها، وإدراك الحاجة الماسة لتحويل انتباهنا نحو متبارزين رئاسيين قادرين، لكنهما أقل إثارة للاهتمام.

Email