تهاون أميركي في إدارته وضمور التعاون بين واشنطن وموسكو لحمايته

اختراق أمن السلاح النووي خطر يتزايد

قمة العشرين بأستراليا شاهد على تدهور العلاقة بين واشنطن وموسكو - أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

 برزت في الآونة الأخيرة ،تطورات سلبية على صعيد حماية السلاح النووي الأميركي والروسي. وزاد من المخاوف بشأنها أنها جاءت متزامنة. الشق الأميركي منها يثير الاستغراب والقلق.

والشق المشترك بين واشنطن وموسكو، غير مسبوق في مرحلة ما بعد الحرب الباردة. الافتراض السائد هو أن صمامات الأمان متوفرة لحراسة وإدارة هذا السلاح كما لمنع تسربه إلى الغير من خلال تعاون القوتين العظميين على مدى العقدين الماضيين. هذا الاعتقاد تخلخل في الأيام الأخيرة. وما كان يدعو إلى الاطمئنان في هذا المجال، صار موضع خشية وتخوف.

قبل اسبوعين أقدمت البنتاغون على طرد اثنين من كبار الضباط واتخاذ إجراءات تأديبية بحق آخرين، في ثلاث قواعد للقاذفات الاستراتيجية المزودة برؤوس نووية. التهم تراوحت بين إساءة استخدام الصلاحيات وبين فقدان القدرة على النهوض بمسؤولية من هذا العيار الذي لا يحتمل الخطأ. وأحدهم يشغل منصب المسؤول الثاني في إحدى القواعد. شطط خطير في إدارة قواعد نووية أميركية.

سبق ذلك قبل اشهر قليلة، إنهاء خدمة تسعة ضباط في هذه المواقع. وكانت ذروة هذه الإجراءات السنة الماضية، عندما تم إنهاء خدمات قائد السلاح الصاروخي النووي الأميركي، إثر انكشاف أمره مخموراً خلال زيارته إلى موسكو للاجتماع بنظيره الروسي. كانت ذروة الاحراج. وربما كانت المؤشر المبكر على " اضطراب " هذا الجهاز البالع الحساسية.

ومعالجته على دفعات، يطرح التساؤل حول الاسباب التي حالت دون إصلاحه بصورة شاملة، منذ انكشاف حالات الخلل الأولى. تكرارها زاد من خطورتها. يمكن فهم حصول مثل هذا الانحراف في قطاعات عسكرية اخرى، لكن ليس في السلاح النووي. ولهذا كان للعملية وقع الفضيحة الخطيرة. وقد جرت لملمتها بسرعة وبأقل قدر من الضجة.

رفع من منسوب التخوف على الأمن النووي، أن موسكو أقدمت في الأيام الأخيرة على خطوتين في هذا المجال. من جهة أعلنت عن عدم مشاركتها في قمة الأمن النووي المقرر عقدها في واشنطن عام 2016.

بذلك هي تتخلى عن مسؤوليتها الدولية في الحفاظ على سلامة المواد والتكنولوجيا النووية، بما يضمن سدّ الطريق على وقوعها في أيدٍي الجماعات الإرهابية ويعزز عدم انتشارها. الخطوة الثانية، أخطر. فقد ابلغت موسكو واشنطن بعزمها على "تقليص " التعاون معها ابتداء من العام المقبل، في مجال ضبط وضمان سلامة المواد النووية في روسيا.

والمعروف أن هذا البرنامج كان قد بدأ العمل به بالتوافق، غداة الانهيار السوفييتي عام 1991، لوضع اليد على هذه المواد ورصدها على أراضي الجمهوريات السوفييتية، لئلا يجري بيعها أو تمريرها إلى الراغبين في امتلاك السلاح النووي. بموجبه جرى حصرها في أمكنة معينة وحراستها.

خاصة اليورانيوم العالي التخصيب والبلوتونيوم. وقد تحققت السيطرة عليها إلى حد بعيد، بفعل هذا التعاون بين الجانبين. كما جرى تزويد المعابر الحدودية بأجهزة لاقطة للإشعاعات النووية، لضمان ضبطها لو جرت محاولات لتهريبها. وقيل يومذاك ان بعضها لقي طريقه إلى الخارج.

بعد هذه المرحلة الطويلة من التعاون انجز البرنامج معظم مهمته. الروس آثروا أخيرا القيام بمفردهم بمهمة تدمير الرؤوس النووية التي قضت اتفاقية ستارت -2 عام 2010 بالتخلي عنها. لكن وزارة الطاقة الأميركية التي تتولى الشأن النووي، واصلت تعاملها مع الجهات الروسية المعنية لجهة " تطوير أمن المنشئات النووية الروسية " .

لكن روسيا تعتزم قفل باب التعاون بالكامل ابتداء من العام المقبل. ربما تكون المهمة انتهت. أو أن موسكو ترى بأن ما بقي منها بإمكانها القيام به لوحدها. لكن توقيت وقف التعاون مع الإعلان عن مقاطعة قمة الأمن النووي، مرتبط بالتدهور في العلاقات بين موسكو وواشنطن التي تمر بأسوأ حالاتها، حسب توصيف المراقبين. أزمة أوكرانيا، فجرت التراكم المزمن ..

وليس من المتوقع حصول انفراج ولو رمزي في المدى القريب، بين الجانبين. وقد انعكس ذلك على أجواء قمة العشرين الأخيرة في استراليا، حيث غادرها بوتين قبل نهايتها الرسمية. حقل التعاون الوحيد المتبقي بينهما، ينحصر في مفاوضات النووي الإيراني.

كان الخطر النووي الرئيسي يتمثل في إمكانية انتشار هذا السلاح. نجح تطويقه إلى حد بعيد. التعاون بين الكبيرين لعب دوره في حصر الانتشار. الآن يأتي التباعد بينهما ليطرح علامة استفهام حول هذا الموضوع.

خاصة وأن موسكو لم يقتصر ردها على وقف التعاون، بل هي اختارت عدم المشاركة في قمة للتداول بالأمن النووي الدولي، الذي لا يستوي البحث فيه في غيابها طالما أنها صاحبة الترسانة النووية الموازية لأميركا. تصفية الحسابات بين الدول، ليس بجديد. لكن لا يصح إدخال النووي فيها، خاصة من قبل دولة كبرى بحجم روسيا.

Email