مخاوف وتحذيرات من تداعيات التوتر المتزايد بين الغرب وموسكو

تجدد الحرب الباردة بعد ربع قرن من سقوط جدار برلين

بوتين سارع لتصفية الحساب مع الغرب عبر الأزمة الأوكرانية أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

 في الذكرى الخامسة والعشرين لسقوط جدار برلين، التي مرت قبل أيام، ألقى الزعيم السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف خطاباً في برلين حذر فيه من «نشوب حرب باردة جديدة». وأنحى باللائمة على الغرب لأنه «زرع بذور هذه الأزمة». وقال إن الغرب، بدلاً من أن يهتم بوضع الآليات وبناء المؤسسات اللازمة لأمن أوروبا وحياتها السياسية، سارع، وخاصة أميركا، في لحظة شعور بنشوة التفوق إلى إعلان انتصاره في الحرب الباردة واحتكاره للموقع القيادي المهيمن في العالم؛ مغتنماً فرصة ضعف روسيا .

مخاطر الانزلاق

الواقع أن الكلام عن مخاطر الانزلاق إلى حرب باردة ليس بجديد ولا فيه مبالغة. البذور التي يتحدث عنها غورباتشوف غرست مع قرار توسيع نطاق «ناتو»، بعد الانهيار السوفياتي. كان من الواضح يومذاك أن الخطوة تستهدف تطويق بل وتشديد الخناق على روسيا.

وفي حينه أو بعده بقليل، كان النقاش حول الدور الجديد للحلف قد انفتح. المرحلة التي فرضته انتهت ولا بدّ بالتالي من إعادة صياغته بحيث ينسجم مع مرحلة ما بعد الحرب الباردة. تغلّبت آنذاك المدرسة التقليدية وحراسها القدامى، الذين كانت لهم ولا تزال إلى حدّ ما، الكلمة الفصل.

تعزز هذا الاعتقاد عنما رُفض عرض الرئيس يلتسين عام 1991 بالانضمام إلى «ناتو». ثم جاء موضوع الدرع الصاروخية الواقية وعزم الغرب على نصبها في بولندا ورومانيا وغيرهما من اوروبا الشرقية المتاخمة لروسيا. الذريعة كانت أن وظيفة هذه المنظومة تأمين الوقاية لأوروبا واميركا من الصواريخ الإيرانية. كانت حجة واهية.

أدى ذلك إلى تراكم الاحتقان الذي وجد طريقه إلى الانفجار خلال ازمة أوكرانيا. الرئيس بوتين هو الذي سارع هذه المرة الفرصة لتصفية الحساب، في اعتقاد أوساط مطلعة على جوانب الأزمة، مثل ستيفن كوهن، استاذ الشؤون الروسية في جامعة برنستون، الذي أوضح أن الغرب هو الذي عمل على تغذية وتفجير الأزمة في اوكرانيا.

حتى هنري كيسنجر، غمز من هذه الزاوية من خلال التذكير المكرر بأن «أوكرانيا كانت تاريخياً جزءاً من روسيا». وبالتالي ينبغي حل المشكلة بالتعاون مع روسيا، وعلى اساس ترتيب وضع خاص تكون بموجبه أوكرانيا، مثل فنلندا، جسرا يربط بين أوروبا وروسيا.

اغتنم بوتين فرصة ضعف التماسك الغربي ليرد على طريقته المعروفة، في شبه جزرة القرم ثم في الجانب الشرقي من اوكرانيا. توقيت وجذرية خطوته قلبا المعادلة.

نسف جسور التفاهم

حشر الغرب في الزاوية، ونسفت معظم جسور التفاهم معه. الغرب ليس في وارد الرد الميداني. لكنه عازم على تعزيز الدعم للحكومة الأوكرانية. خاصة مع مجيء كونغرس جمهوري يتوعد بالمزيد من توفير التسليح لها. بذلك ينكشف «الناتو» أكثر فأكثر ولو ان أوكرانيا ليست من دوله. لاسيما وأن حرب الانفصال في الشرق سائرة نحو المزيد من الاحتدام.

الأمر الذي من شأنه أن يدفع بالعلاقات بين موسكو وواشنطن نحو المزيد من الغرق في أجواء الحرب الباردة من جديد. خاصة وأن بوتين أعطى أكثر من إشارة بأن العلاقات بين الطرفين قد انكسرت. لم يبق هناك من تعاون أميركي روسي بارز، سوىّ في مجال التفاوض مع طهران حول النووي. ما عدا ذلك، تبدو الأمور متدحرجة مثل كرة الثلج نحو ما حذر منه غورباتشوف.

الذي تبدو صرخته المفاجئة وكأنها تحث على الاستدراك قبل فوات الأوان. ربما كان انطلاقها قد تأخر. بوتين ليس في وارد التراجع في أوكرانيا. فهو بات يمسك بزمام الأمور. والغرب اندفع إلى غير رجعة في رفض الواقع على الأرض. وصفة للعودة إلى صيغة ولو مخففة لما كانت عليه الحال قبل 25 سنة. منتج لعالم اختلت بوصلته.

Email