التطورات والتحديات فرضت إعادة النظر في حسابات ومنطلقات الإدارة

«داعش» تجبر أوباما على التراجع عن إستراتيجية الخروج

ت + ت - الحجم الطبيعي

أزمة الرئيس أوباما في اللحظة الراهنة، أنه دخل في مواجهة ما كان يريد أو يتصور أن يرى نفسه فيها. يزيد من الصعوبة عليه، أنه مجبر على العودة إلى الساحة ذاتها التي سارع في ولايته الأولى – والبعض يقول تسرّع – إلى سحب القوات الأميركية منها كلياً، وإقفال باب الرجعة إليها.

فهو جاء حاملاً شعار إخراج أميركا من حروبها الأخيرة المنهكة. التزم من الأساس باستراتيجية المغادرة الميدانية. بعد العراق، استعجل الخروج من أفغانستان. حرص على تحديد موعد الانسحاب، بحيث يحتفل به ويسجله في رصيده، قبل نهاية ولايته الثانية. ولو بأيام.

الخيار الوسط

لكن صعود «داعش» المفاجئ في العراق وسوريا، ووصول السكين إلى رقاب اثنين من الأميركيين، وبصورة مرعبة، أفسد عليه تحقيق هذه الرغبة. الظروف أقوى من كل القدرات والصلاحيات التي لا يملكها سواه في العالم. سقط هذا التطور بمثابة «إهانة للولايات المتحدة»، كما وصفها هنري كيسنغر. كان عليه الرد. و

هذا أوجب عليه إعادة النظر بثوابته. أو ما اعتقد أنها ثوابته. بعد التبصر والتردد، اعتمد كعادته الخيار الوسط: نصف حرب. أو ما يعادل نصف بوش. التزم بالقتال من فوق، علّه يعفيه من الخسائر، على أن ينهض الآخرون بالقتال من تحت. سمّاها حملة جوية. أو عملية في إطار محاربة الإرهاب.

لكنه اكتشف بعد إعلانه لاستراتيجية القضاء على «داعش»، أن الجانب الأرضي من المعركة منقوص، وبدونه لا قضاء على هذا التنظيم، بشهادة الخبراء العسكريين الأميركيين. في الجانب العراقي، القوات العراقية، وحتى الكردية، يلزمها تجهيز وتدريب. وكذلك حال الجيش الحر، في الجانب السوري.

وفي كلا الحالتين تحتاج المهمة إلى وقت. والوقت ثمين. «داعش» تتمدّد وتتغلغل. لا بدّ إذاً من سدّ شيء من الفراغ والوجود على الأرض. المخرج كان في القوات الخاصة الأميركية. بدأ إرسالها على دفعات، مع تكرار نفي وجود نية لإرسال قوات مشاة.

الإدارة نأت عن استخدام عبارة حرب. لكنها في الأيام الأخيرة أعطت إشارات ملتبسة. الوزير كيري يقول بأن المواجهة هي بمثابة عملية لضرب الإرهاب. بعده مباشرة يطلق عليها المتحدث الرسمي في البيت الأبيض اسم «حرب». ولو من صنف آخر.

فريق الرئيس، في الإدارة والكونغرس، ينطلق من موقف بأنها حرب الآخرين في المنطقة، وأن واشنطن توفر الغطاء الجوي. تعريف يرفضه المحافظون الذين تدعو رموزهم إلى خوض هذه المواجهة من زاوية اعتبارها «معركة أميركا».

حسابات البيت الأبيض

ليس في حسابات البيت الأبيض الذهاب إلى هذا الحد. لكنه لا يدخل في تفاصيل خطته وأدواتها. ربما لأن الصورة ليست واضحة له قبل استكمال التحالف واختبار مدى وفعالية التزامات أطرافه. أو ربما لترك كل الخطوط مفتوحة، لأن الأزمة مفتوحة على شتى الاحتمالات. فالرئيس التزم «بالقضاء» على «داعش»، من غير أن يلتزم بكل مستلزمات بلوغ هذا الهدف.

وقف عند حدود استراتيجيته العامة. وضع رهانه على التحالف ليعفيه من المزيد من التدخل. والتحالف قد لا تقوى كل أطرافه على النهوض بما تطلبه واشنطن، حسب القراءات الشائعة في واشنطن. الخشية في واشنطن ألا يتحقق التماسك والفعالية المطلوبين.

عندئذ، إما أن تزج واشنطن بالقوة اللازمة، أو أن تكتفي بالمطاردة في الجانب العراقي، من خلال الدعم للقوات العراقية، وبالقصف الاستنسابي في الجانب السوري، الذي في هذه الحالة يبقى معلقاً هو وأزمة «داعش».

 في الحالتين، هو أمام حرب واقعة لا محالة، بصرف النظر عن تصنيفه لها ومدى دخوله فيها. وهو بالصورة التي يخوض فيها هذه المعركة، يبدو في موقع وسط بين رئيس حرب بدون قصد، ورئيس مسالم بدون سلم.

Email