الحرب النظيفة والقيادة الجديدة والانفاق

3 أساليب وظّفها الفلسطينيون في مواجهة إسرائيل

ت + ت - الحجم الطبيعي

يذهب عدد من المراقبين الدوليين إلى تقييم نتائج الجولة الراهنة من الصراع بين إسرائيل وحماس في ضوء ما استطاعت آلة الحرب الإسرائيلية إيقاعه من خسائر في صفوف الفلسطينيين، ومن تدمير في البنية التحتية للقطاع.

غير أن التيار الرئيسي للمراقبين الاستراتيجيين يؤكد على أن الأكثر أهمية من ذلك هو المقارنة بين أهداف كل طرف من طرفي الصراع قبل أن يبدأ القتال، وتحديد ما حققه. وباعتماد هذا المعيار، فلا شك في ان المقاتلين الفلسطينيين هم الذين انتصروا في هذه الحرب الدموية.

لقد بدأت حماس بحق في أنها كانت في وضعية صعبة، فعلاقاتها بكل من مصر وإيران مرت بمرحلة بالغة الدقة، ولكنها سرعان ما اصبح بمقدورها أن تملي أمد الصراع من خلال رفضها المتكرر في البداية لوقف النار.

والأهم من ذلك أنها حافظت على قدرتها على إطلاق الصواريخ والقذائف على معظم أرجاء اسرائيل، وذلك على الرغم من الجهد الهائل الذي بذله الطيران الإسرائيلي في محاولة إسكات مواقع راجمات الصواريخ الفلسطينية.

شنت التنظيمات الفلسطينية أيضا حملة حضرية على القوات البرية الإسرائيلية، وأوقعت في صفوفها خمسة أضعاف الخسائر التي كبدتها فيها في آخر جولة قتال بين الطرفين، واستخدمت بنجاح الأنفاق للتوغل في إسرائيل وغرس الخوف في نفوس المستوطنين والجنود والتدني بمعنوياتهم.

وجعلت إسرائيل تدفع ثمنا باهظا، وسحب الجيش الإسرائيلي بالفعل قواته البرية من غزوة دون التوصل لوقف إطلاق النار.

والآن جعل القادة الإسرائيليون نزع سلاح قطاع غزة أحد أهدافهم، ولكن من الصعب تصور كيفية تحقيق ذلك، فالتنظيمات الفلسطينية لن توافق على نزع السلاح إلا إذا جوبهت باحتلال اسرائيلي ممتد للقطاع، وهو شيء أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه لن يجازف بالقيام به.

هكذا فإن السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو كيف استطاعت تنظيمات تعتمد حرب العصابات التغلب على ما يعتبره المراقبون أقوى جيش في الشرق الأوسط؟

في مواجهة هذا السؤال لا بد من الإشارة إلى أن منجزات التنظيمات الفلسطينية في ميدان المعركة هي ثمرة جهد منسق للاستفادة من هزائم إسرائيلية سابقة.

يشير المراقبون في هذا الصدد إلى أنه في يوليو 2006، قام مقاتلو حزب الله باختطاف جنديين اسرائيليين عند الحدود الإسرائيلية اللبنانية، وفي معرض الرد سعت إسرائيل لتدمير الحزب لكنها أخفقت في ذلك.

بل وبرهنت أهداف أكثر تواضعا مثل استعادة الجنديين أو نزع سلاح جنوب لبنان – برهنت على استحالة تحقيقها، وخرجت إسرائيل من تلك الحرب بخسائر جسيمة الأمر الذي أفضى إلى إخراج القيادة العسكرية العليا بكاملها تقريبا من منصبها، وإجراء تحقيقات داخلية تفصيلية.

حشدت إسرائيل قدراتها الاستخبارية والقتالية البرية، وطبقت الدروس المستفادة في لبنان على صدامين تاليين مع التنظيمات الفلسطينية في قطاع غزة، حيث بدأت عملية «الرصاص المصبوب» في 2008 بتدمير 1200 هدف في قصف جوي هائل، ولم تتردد في نشر عناصر برية في القطاع.

وفي نوفمبر 2012، أطلقت إسرائيل الرصاصات الأولى باغتيال القائد العسكري لحماس، احمد الجعبري، ثم قصفت معظم مواقع إطلاق الصواريخ الفلسطينية وشنت عمليات توغل برية.

وافقت إسرائيل على وقف مبكر لإطلاق النار لسبب ظل سراً مكتوماً حتى وقت كبير، وهو أن منظومة القبة الحديدة الصاروخية الإسرائيلية التي مولتها الولايات المتحدة قد نفدت صواريخها، وتعلّم الإسرائيليون الدرس القاسي وحرصوا على التأكد من حشد أعداد كافية من صواريخ القبة الحديدة في الجولة الراهنة من الصراع.

ولكن التنظيمات الفلسطينية لم تخرج خالية الوفاض من الصراع في 2012، حيث تعلمت دروساً مهمة وتصرفت وفقاً لذلك، وأهم هذه الدروس ما يلي:

أولاً، قامت التنظيمات الفلسطينية بإجراءات استطلاعية مضادة لتجنب الرصد الإسرائيلي، وبالتالي كانت إسرائيل تعرف أقل بكثير مما ينبغي عن زيادة مدى الصواريخ الفلسطينية، وثقل رؤوسها الحربية، وتوزع مخازنها، وإمكانية إطلاقها بالتحكم عن بعد.

ثانياً، في معرض الإعداد لمواجهة الغزو الإسرائيلي، قامت التنظيمات الفلسطينية بإحلال قادة جدد في كتائبها تلقوا تدريبا مكثفا في لبنان أو في دول أخرى، وطورت قدرات حربها الحضرية لتضمن الحد الأقصى من الخسائر الإسرائيلية ولحماية قيادته العليا من الاغتيال.

ثالثاً وأخيراً، استثمرت التنظيمات الفلسطينية وبكثافة في بناء شبكة مترامية ومركبة من الأنفاق التي تمتد إلى داخل إسرائيل وشكّلت وحدات من العناصر المدربة على عمليات الضفادع البحرية القادرة على مهاجمة إسرائيل بحراً، وكانت أوجه تقدم فلسطينية كبيرة.

هكذا يمكن القول إن هذه الجولة من الصراع بالنسبة لإسرائيل ربما ستنتهي على الصعيد السياسي عند النقطة التي بدأت منها بشكل أو بآخر، ولكن مع ضرر يعتد به لقدرة إسرائيل على الردع.

Email