ثورة الشؤون العسكرية معنية بتقليص خسائر المدنيين والأضرار الجانبية

حرب المستقبل تبحث نصراً بلا قتال

أميركا قلصت استخدام قواتها الجوية في العراق لتحظى بالدعم الشعبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحدثت الأوساط العسكرية الأميركية كثيراً عن «ثورة في الشؤون العسكرية» أحدثتها التكنولوجيا والتكتيكات المتفوقة في الحروب التقليدية، لكن فيما يؤكد الخبراء العسكريون أن قدرات الضربات التي تتسم بالدقة والتفوق في الجانب الاستخباري وتطوير قدرات القيادة والتحكم قد غيرت وجه هذه الحرب التقليدية، يجدون، في الوقت نفسه، في حرب أفغانستان والعراق، وفي العدوان على غزة والقتال في اليمن وأوكرانيا، وغيرها من الصراعات التي تلت الاضطرابات السياسية في الشرق الأوسط، نوعا مختلفا من الثورة في المجال العسكري.

يقول الخبير الأميركي أنتوني كوردسمان، في تقرير نشره أخيرا موقع مركز الدراسات الاستراتيجي في واشنطن، إن معظم الحروب الحديثة أصبحت صراعات غير نظامية أو غير متكافئة بين الدول وجهات فاعلة من غير الدول.

والمعارك الناتجة عنها لم تكن مبارزات في التكنولوجيا العالية المتطورة بين قوات نظامية تقليدية، وإنما صراعات تخوض فيها الحكومات وحلفاؤها حربا ضد معارضين يقاتلون على أسس دينية وثقافية.

وأفاد كوردسمان أن الولايات المتحدة كان عليها تقليص استخدام قواتها الجوية والطائرات الموجهة عن بعد في العراق، في سبيل أن تحظى بالدعم الشعبي، وكان عليها القيام بذلك في أفغانستان، نتيجة للضغط السياسي.

وتواجه الآن بيئة مستقبلية يبدو أنها ستحد بالتأكيد بشكل أكبر من نوع الضربات التي يمكن أن تؤديها القوة الجوية والصاروخية، ناهيك عن اجتياح وغارات لقوات برية في مناطق مأهولة بالسكان.

والثورة الحقيقية في الشؤون العسكرية برأيه تكمن في إجبار الدول الحديثة على استخدام التقدم في التكنولوجيا العسكرية للتركيز على تقليص الإصابات في صفوف المدنيين والأضرار الجانبية، بدلا من تدمير العدو.

ويرى أن هذه الثورة، في بعض الحالات، تجعل قوانين الحرب مصممة لنوع مختلف كليا من قتال بسلاح سياسي ودعائي في يد دول وجهات فاعلة من غير الدول تستخدم وسائل غير متماثلة من القتال.

البعد المدني

لكن هذا، مع ذلك، يشكل جزءا فقط من الثورة الحقيقية في الشؤون العسكرية. ففي معظم الحالات حيث الجهات من غير الدول تشكل تهديدا جديا، فإن الحكومة تكون ضعيفة جدا، وتفتقر للشعبية.

والبعد المدني الأهلي المتمثل في إيجاد استقرار سياسي أوسع نطاقا، وإدارة حكم أكثر فعالية ووظائف لائقة وتنمية اقتصادية، ستكون على الأقل حاسمة مثل البعد العسكري، وفي بعض الأحيان يحل هذا الجهد السياسي محل القتال العسكري.

ويؤكد كوردسمان أن الدعاية وجوانب الاتصال الاستراتيجي في القتال يصبحان بالأهمية نفسها. فالانتصار التكتيكي يصبح بلا معنى من دون الانتصار المدني أو الأهلي، والقوات العسكرية وحدها لا يمكنها هزيمة العدو، أما مقياس النجاح فيصبح أي جانب لديه النفوذ والسيطرة على السكان، بدلا من أي جانب فاز بسلسلة من المعارك.

كما أن الوقت والمرونة يصبحان سلاحين أيضا.

وفيما لا توجد في العادة طريقة سريعة للتعامل مع المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية للدول وإخفاقات أنظمتها السياسية، تدل التجربة على أن الحروب طويلة الأمد على مستويات منخفضة تميل لصالح الجهات الفاعلة من غير الدول، أو ببساطة للجانب الأكثر مثابرة، في حين يصبح البعد الإنساني والسياسي في حروب الاستنزاف مركز الثقل الحقيقي.

وعلاوة على ذلك، فإن التكلفة المالية للحرب تكون، في أغلب الأحيان، لصالح الجهات الفاعلة من غير الدول، أو للجهات الفاعلة أيديولوجيا، أكثر منها لصالح القوات العسكرية الحديثة، ذلك في عدد من المقارنات، فالحاجة تقل إلى الأسلحة والمال، من خلال الاعتماد أكثر على التضحيات البشرية والشهادة والقتال غير التقليدي، وهذا عنصر جديد آخر في هذه الثورة الحقيقية في الشؤون العسكرية.

كذلك هناك التعقيد الهائل للصراعات الفئوية وغيرها من الصراعات ذات العلاقة، إلى جانب الطبيعة المتنوعة والمتغيرة للجهات الفاعلة من غير الدول.

وقد أظهر تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات المتشددة أن تشرذم الجهات الفاعلة من غير الدول وتنوعها يمكنه توزيع شبكات من المسلحين التابعين، لكن العاملين باستقلالية، والذين تتم مساعدتهم بتأثير شبكات اجتماعية عالية التكنولوجيا واستخدامات الإنترنت.

الفوز الاستراتيجي

واستخدام الوسائل غير المتماثلة في سبيل التخويف وتفادي الصراع والحد منه أصبح عنصرا آخر في هذه الثورة في الشؤون العسكرية. وهدف «حروب الإيحاء» هو الفوز على المستوى الاستراتيجي من دون قتال.

والطرف المتفوق هو الذي بإمكانه أن يناور ويهدد ويضغط في طريقه إلى النصر من دون اطلاق رصاصة واحدة، أو على الأقل اتخاذ مخاطرة عسكرية كبيرة، حيث يبدو النموذج الذي تقدم به الاستراتيجي العسكري الصيني صن تزو لا يزال مؤثراً: «100 انتصار في 100 معركة هو ببساطة فكرة سخيفة. وكل من يبرع في هزيمة عدوه يتعين عليه أن ينتصر قبل أن تصبح تهديدات عدوه حقيقية».

ومع ذلك، فإن أياً من هذه التطورات لا يعني أن «الحروب التقليدية» كفت عن أن تكون واقعاَ قائماً.

Email