بعد دخول الأزمة طوراً جديداً من التحديات المفتوحة على مواجهات خطيرة

أزمة أوكرانيا هل تورط موسكو في «أفغانستان جديدة»؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع دخول أزمة أوكرانيا مرحلة التحدّي للسلطات واحتلال المباني الحكومية، يبرز خطر انهيار النظام العام واستشراء الفوضى. طريق تقود إلى حالة من الاشتباك الذي تؤدي ديناميته إلى الانزلاق نحو خليط من الحرب الأهلية وحرب العصابات .

 وفي ذلك وصفة لتدخل قوى خارجية، بصورة مباشرة أو بالوكالة وبما يدوّل المشكلة ويفتح أبوابها لتكون ساحة صراع وتصفية حسابات تنتهي إلى تكريس الأمر الواقع التي تستقر عليه الصراعات، وفي هذه الحالة، إما دولة ممزقة الولاءات وإما مفككة إلى كيانات. أخطار يحوم شبحها فوق أوكرانيا التي تهدّد أزمتها بتحويلها إلى نوع من أفغانستان تستنزف روسيا وتغرق أوروبا واستطراداً أميركا، في مواجهة على نسق ما كان يحصل في زمن الحرب الباردة.

يعزّز هذه الاحتمالات أن المؤشرات وأجواء التعبئة والاحتقان، تتسارع من الجهات كافة. التقارير الأميركية تواصل الحديث عن تزايد الحشود الروسية على الحدود الشرقية، والتحذير منها. موسكو تقوم بتحريك قطاعاتها المرابطة هناك، تارة بذريعة المناورات وطوراً بالتلميح للتعبير عن جاهزية قواتها للانقضاض إذا ما لزم الأمر.

أي إذا ما رأت أن الجالية الروسية أو المتحدثين باللغة الروسية في شرق أوكرانيا في حالة تستدعي التدخل لحمايتهم. الذريعة جاهزة والرسالة واضحة. بالإضافة إلى ذلك تردّد الأوساط كما الإدارة الأميركية، بأن موسكو ترسل أو تحرّض " عملاءها " لإثارة الشغب والفوضى في مدن أوكرانيا الشرقية لإرباك كييف، وكذلك " إيجاد ذرائع " للتدخل الروسي.

من جهتها، ترمي موسكو بسهام الاتهام في الاتجاه المقابل. تزعم بأن الغرب يقوم بتحريض الحكومة الأوكرانية ، التي لا تعتبرها شرعية، ضد موسكو ومصالحها المشروعة في هذا البلد التي تعتبره روسيا جزءا منها. وبالاستناد إلى مثل هذه التهمة، تبرر حشودها على الحدود.

يزيد من تأزم المشهد، أن الأصوات الأميركية المطالبة بضرورة "مساعدة الأوكرانيين للدفاع عن أنفسهم "، يزداد ارتفاعها. من الحيثيات التي تقدمها، وهي أن موسكو تمتلك المبادرة وتسير في خطة القضم التدريجي لأوكرانيا. بدأت في القرم وانتقلت بعد أن طوت صفحتها، إلى حدود أوكرانيا الشرقية. وربما إلى مقاطعة في جنوب مالدوفيا.

وفي تعليل هذه الجهات المحافظة، ان بوتين يستخدم تكتيك التحريك للقوى المساندة له من الداخل لكي يمهد الأرضية للتدخل عبر الحدود بزعم الحماية للأقلية. او لخلق موجة مطالبة باستفتاء كما جرى في القرم. السناتور جون ماكين العائد لتوّه من زيارة إلى كييف، جدّد اليوم مطالبته من على قنوات التلفزة، بتزويد الأوكرانيين بالسلاح الدفاعي.

طبعاً هو يدرك أن تسليح الجيش الأوكراني لا يجدي. من جهة هو يحتاج إلى وقت. ثم من جهة ثانية، أن القوات الأوكرانية حتى لو جرى تزويدها بالسلاح اللازم فهي غير قادرة على مواجهة القوات الروسية، لا عدّة ولا عدداً. وبالتالي فإن التسليح الذي تتحدث عنه هذه الجهات يتعلق بمواجهة شعبية تجعل من الهيمنة الروسية عملية مديدة وبالتالي متعثرة ومكلفة.

إدارة أوباما تعكف على إيجاد مخرج سياسي للأزمة الأوكرانية. نائب الرئيس بايدن يقوم بزيارة إلى كييف، للتشاور مع القيادة الأوكرانية. الوزير جون كيري يغادر في 17 الجاري إلى جنيف لعقد اجتماع رباع الأول من نوعه، بين واشنطن وموسكو وكييف والاتحاد الأوروبي، للتباحث في الأزمة. المطروح خيار تحييد أوكرانيا على الطريقة الفنلندية. وكانت موسكو قد عملت على تسريب الخيار الفيدرالي كحلّ لهوية أوكرانيا.

لكن كله لا يتعدّى المناورة. كل طرف يلعب ورقة الوقت لتعزيز وضعه وتسويق خطابه. الأمور تسير باتجاه تعنيف المواجهة، ضمن حدود منضبطة. ربما ضمن حدود توريط موسكو. أو استدراجها للتورط، حسب ما يشي به خطاب الجهات الأميركية التي تحذر من التمادي في التهاون مع موسكو بوتين. لكن هذا الأخير قد يكون يتوسّل التهويل باستخدام القوة الزاحفة، من دون أن يعني بالضرورة لجوئه إلى هذا الخيار. أصلاً هو لم يلجأ إليه في القرم.

تعمّد الدخول المموّه إلى شبه الجزيرة. والأرجح أنه يكرر نفس النهج في شرق أوكرانيا. لكن مع ذلك من شأن هذا الأسلوب أن يستدرج مقاومة يتزايد التوجه في الغرب لدعمها بداعي الدفاع عن النفس. حرب باردة أو بالأحرى أفغانية مصغرة، يجري تراكم عناصرها في ضوء تطور أوضاع أزمة تبدو أنها بلا أفق في المدى المنظور.

Email