جعل النشيد الوطني محايداً بين الجنسين

حماس ترودو تجاه المرأة يضعه في مواقف حرجة

ت + ت - الحجم الطبيعي

اقترح رئيس وزراء كندا، جاستن ترودو، إدخال كلمة جديدة على قاموس اللغة الإنجليزية، لتحل محل كلمة أخرى، اعتبرها متحيزة ضد النساء، فانطلقت ضده تعليقات ساخرة على وسائل التواصل الاجتماعي، عدا حملة انتقادات اتهمته بالتعامل الفوقي، والإفراط في سلوكه المراعي للجنس الآخر.

وكان ترودو يستضيف جلسة سؤال وجواب في أدمنتون، عندما قاطع إحدى الفتيات التي كانت تقدم مداخلة، طالباً منها تغيير كلمة «مان كايند»، وتعني «النوع البشري»، بكلمة «بيبول كايند». وقصد ترودو، الذي قال لاحقاً إنه كان يمازح الفتاة، تغيير كلمة «مان»، التي تعني بالإنجليزية «رجلاً»، وإلغاء صفة الذكورية عنها وتحويلها إلى «بيبول»، التي تعني بالإنجليزية «الناس».

ووفقاً للإعلامي بيرز مورغان في مقالة نشرها في صحيفة «ديلي ميل» البريطانية، لا وجود لكلمة «بيبول كايند» في اللغة الإنجليزية. أما كلمة «مان كايند»، فتعود إلى قرون سابقة، عندما كان يدعى الذكور «ورمان» والنساء «ويفمان» باللغة الإنجليزية القديمة، و«مان» كان مصطلحاً محايداً جنسياً، ويقصد به «البشرية».

وفي الفيديو الذي انتشر بسرعة البرق، نشاهد شابة وهي توجه كلامها إلى رئيس الوزراء الكندي، تطالبه بالنظر في سياسات التطوع الخاصة بالمنظمات الخيرية، والعمل على تغييرها، لأن حسب قولها «الحب الأمومي هو الحب الذي سيغير مستقبل «مانكايند»»، فيقاطعها ترودو، «نحب أن نقول بيبول كايند، ليس بالضرورة مان كايند، لأنها أكثر شمولاً». الفتاة بدورها توافقه الرأي، وترد: «بالضبط!»، فيما يصفق الحاضرون.

الفرصة السانحة

لكن الروح الطيبة التي استقبل فيها تعليق ترودو أمام الطلاب، لم يلقَ استحساناً لدى البعض، ومنهم من اتهمه بالتعامل الفوقي مع الفتاة، أو أنه ذهب بموضوع «التصحيح السياسي» أبعد مما يجب.

في مقدم المنتقدين هناك وسائل الإعلام اليمينية المحافظة في الولايات المتحدة وبريطانيا. وفي مقال في صحيفة «ديلي ميل» البريطانية، استهل بيرز مورغان مقاله ساخراً من اقتراح ترودو: «نصادف في الحياة دوماً، شخصاً يحاول جاهداً في لحظة ما أن يكون جزءاً من حركة واسعة النطاق، بحيث يبدو غبياً تماماً»، مضيفاً أنه بين المتنافسين داخل الحركة الجديدة النصيرة للمرأة، وهم كثر، لم يتفوق أحد على ترودو، ذاك الشاب الوسيم محبوب النساء، والذي يعرف قاعدة ناخبيه جيداً، وأنه بين حركة #أنا كمان «و#تايمز أب»، كان ترودو ينتظر الفرصة المناسبة ليرمي صوته وراء قضية المرأة. فسنحت له الفرصة أثناء جلسة مع طلاب في جامعة ماك إيون في أدمنتون.

وفي السياق ذاته، قالت المعلقة المحافظة الأسترالية، ريتا باناهي، التي تصف ترودو بـ «كيم كارداشيان القادة السياسيين»، إن استخدامه لكلمة «بيبول كايند» كانت محاولة «لاسترضاء أولئك التواقين لإيجاد إهانة، حيث لا وجود لها».

وكثرت النكات الساخرة من ترودو أيضاً على وسائل التواصل الاجتماعي، فنشر أحدهم صورة للبطل الخارق «باتمان»، وقد غير اسمه إلى «بات برسون». وكتب أحدهم: «كيف تتحدث الإنجليزية مثل جاستن ترودو!»، وآخر: «ابقوا مع كندا في الأسبوع المقبل، عندما يقرر جاستن توردو أن كلمة «ومن» أي «امرأة» غير قانونية، ويغيرها وفقاً لما يرتأيه».

ولم يعفه البرلمانيون المحافظون أيضاً، حيث حضت نائبة زعيم حزب المحافظين، ليز باريت، رئيس الوزراء، الاهتمام بمسؤولياته. وكان لفوكس نيوز قسطها في الجدل، وأدرجت مساعدة جوردان بيترسون، وهو أستاذ جامعي كندي، اشتهر بوقوفه ضد «الإفراط في مراعاة الجنس الآخر»، لا سيما لجهة استخدام الضمائر المفضلة في اللغة.

وبعد هذه الحملة السافرة غير المتوقعة، قال ترودو إنه كان يمازح الفتاة، عندما قاطعها طارحاً عليها استخدام «بيبول كايند»، ومما قاله: «أطلقت نكتة غبية قبل بضعة أيام، يبدو أنها انتشرت على الإنترنت كالفيروس، مقراً أنه لا يتمتع بأفضل سجل من النكات»، وأشار إلى أن اقتراحه خارج السياق لم يكن موفقاً، ويشكل تذكيراً له أنه لا ينبغي له إطلاق النكات، حتى عندما يعتقد أنها مضحكة.

حملة مضللة

يقول البعض إن الرد اليميني الغاضب، تمت فبركته بسوء نية. دانييل دايل مراسل صحيفة «تورنتو ستار» في واشنطن، قال إن «الحملة» كانت مضللة، حيث إن ترودو «كان يمازح الفتاة التي كانت تتحدث عن قوة المرأة»، وكيف أن العالم بحاجة إلى حب أمومي، وأضاف المراسل أن الحملة أغفلت رد فعل الفتاة التي شكرت ترودو، وأيدت كلامه.

وأكدت الفتاة، وتدعى إيمي فورستير، أنها لم تشعر بالإهانة بسبب تعليق رئيس الوزراء، وقالت لصحيفة «ديلي ميل»: «لم يكن الأمر سلبياً. هل أبدو أنني انزعجت من الأمر؟».

وسبق لرئيس الوزراء أن أدلى بتعليقات في الماضي، وتعرض على ما يبدو لانتقادات على مقاصده الفكاهية.

وكان ترودو قد فاز بسمعة نصير المرأة منذ حملته الانتخابية. وفي سبتمبر 2015، كتب في تغريدة حصلت على ألوف المعجبين: «أنا نصير المرأة، وأنا فخور بأن أكون نصيرها». وللبرهان على ذلك، كانت أول تشكيلة حكومية في عهده، بأعداد متساوية بين النساء والرجال، 15 لكل منهما.

نصير المرأة

ومن خطواته تجاه المساواة، جعل ترودو النشيد الوطني محايداً بين الجنسين في فبراير 2018. وفي 2017، وصف في مقالة كيف كان يربي أطفاله، بما في ذلك الصبيان، كأنصار للمرأة، لأنه حسب قوله «أبناؤنا لديهم القوة والمسؤولية لتغيير ثقافة التحيز الجنسي»، وكتب في مجلة ماري كلير: «جميعنا يستفيد عندما يكون للنساء والفتيات الفرص ذاتها كالرجال والفتيان، ويقع علينا جميعاً تحقيق هذا على أرض الواقع».

وفي يناير 2016، خلال خطاب في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس، قال ترودو إن زوجته شجعته على «بذل المزيد من الجهد للتحدث إلى أبنائه، ولديه اثنان، كيف يعامل النساء، وكيف يمكن أن يكبرا ليصبحا نصيرين للنساء مثل أبيهما». كذلك حض النساء والرجال على عدم الخشية من وصف أنفسهم بأنهم «نسويين».

وفي المقابل، تُذكّر وسائل الإعلام اليمينية المحافظة دوماً بتلك الحادثة خلال فترة مبكرة من ولايته، عندما دخل مجلس العموم الكندي خلال نقاش ساخن، وقام عرضياً بالضرب بكوعه النائبة روث آلن بروسو، دون انتباه، واصفة ما حدث، بأنه بعيد عن أي فعل نسوي، على الرغم من اعتذاره الشديد وقتها، قائلاً: «أريد أن أغتنم هذه الفرصة لأعتذر الآن بعمق ودون تحفظ».

Email