« البيان» تفتح ملف تدخّلات نظام الملالي في المنطقة والعالم(10)

إيران.. تاريخ من التجسس والتآمر على الكويت

■ الأمن الكويتي يقف بالمرصاد لمحاولات التخريب والجوسسة الإيرانية | أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

(لمشاهدة ملف "إرهاب إيران" pdf اضغط هنا)

لا تخفي إيران عداءها الواضح لمحيطها في إطار مخططاتها التوسعية وأحلام الإمبراطورية الفارسية التي تصبو إليها، وقد حاولت من خلال شبكات التجسس وحلفائها وأذرعها في المنطقة أن تنفذ إلى العمق العربي وتصدر أفكارها وإرهابها إليه بقصد إشاعة الفوضى وإرباك المنطقة، وقد حظيت الكويت بنصيب كبير من تلك التدخلات الإيرانية، فرغم قدم العلاقات بين البلدين واعتراف طهران باستقلال الكويت ضمن أوائل الدول المعترفة بها، إلا أن تلك العلاقات دائماً ما كانت تشوبها فترات توتر ناتجة عن العديد من الأزمات التي دارت رحاها بين البلدين، على رأسها شبكات التجسس التي تزرعها إيران داخل الكويت والتي تأتي في ظل التآمر الإيراني الممتد على البلاد الذي شهد العديد من المحطات الرئيسية طيلة العقود الماضية، إضافة لعمليات ومحاولات إرهابية مدعومة من طهران.

ويغلف الحذر الدائم العلاقات بين الكويت وطهران في ضوء سياسات الجانب الإيراني التي تشكل خطراً على أمن الخليج والمنطقة، وتحركاته المختلفة التي أوجبت ذلك الحذر الذي تعززه العديد من المواقف التي تكشف بوضوح تام عن ضلوع طهران في التآمر على الكويت، وهو ما كشفته شبكات التجسس الإيرانية التي تم الكشف عنها في الكويت والعمليات الإرهابية المدعومة من إيران وحلفائها وأذرعها المختلفة.

محطات

فقد مرت العلاقات الإيرانية الكويتية بالعديد من المحطات على الصعيد الرسمي، ما بين تقارب وتوتر وفتور، غير أن السمة الأبرز - حتى في فترات التقارب - هو أن الحيطة والحذر كانا مصاحبين لتلك العلاقات التي اتسمت في فترة من الفترات بالقوة على العديد من الصعد المختلفة.

وبدأ ذلك الحذر يتخذ أشكالًا من المواجهات الدبلوماسية والسياسية والأمنية بين البلدين في العديد من المواقف والأزمات التي اشتعلت بين الكويت وطهران على امتداد العلاقات بين البلدين، خاصة مع تورط إيران في بناء شبكات التجسس الهادفة إلى إرباك وتخريب الكويت، في إطار المشروع الإيراني التوسعي الذي يشكل تهديدًا مباشرًا لأمن الخليج بصفة عامة.

يقول المحامي الكويتي محمد السبتي، في تصريحات خاصة لـ«البيان»، «مما لا شك فيه أن الكويت عانت منذ بداية تأسيسها كدولة من تدخلات أو أطماع إيران، وكانت هذه التدخلات والأطماع دائمًا ما تُنفى من قبل النظام الإيراني رغم ثبوتها ووضوحها أيضًا».

ويسترجع السبتي محطات تاريخية مهمة تبين عمق هذه الرغبة في التمدد عند الساسة الإيرانيين، بداية من أربعينيات القرن الماضي وتحديدًا بين 1938 و1940 كما يذكر خالد العدساني في مذكراته، حيث عقدت كثير من الاجتماعات التي ضمت حاكم الكويت آنذاك والمعتمد البريطاني، وحضرها أعضاء في المجلس التشريعي الكويتي وكان مما تمت مناقشته في هذه الاجتماعات طلب كويتي من بريطانيا بمنع الهجرة المنظمة غير الشرعية من إيران للكويت، وتم الطلب من السلطات البريطانية مخاطبة السلطات في إيران لوقف هذه الهجرة غير الشرعية للكويت، وكان المحيط السياسي في الكويت وقتها يتحدث عن رغبة إيرانية لتوطين إيرانيين في الكويت لتغيير التركيبة السكانية.

أطماع

وبدأت العلاقات في شكلها الرسمي بين البلدين بعد نيل الكويت استقلالها.

وفي العام 1973 أعلنت إيران تضامنها مع الكويت في مواجهة العراق إبان الهجوم الذي قامت به قوات عراقية على مركز الصامتة الحدودي التابع للكويت، حتى إن إيران قالت آنذاك إنها مستعدة لإرسال قوات عسكرية للكويت.

غير أن إيران لم تستطع إخفاء مطامعها في الكويت.

وتوالت تدخلاتها على مدار تلك الحقب التي مرت على الكويت، إلا أن قيام الثورة الإيرانية 1979 والإيمان بفكرة تصدير الثورة التي تترسخ يوماً بعد آخر في أذهان الساسة في طهران جعل من هذه التدخلات تأخذ شكلًا ومنحى آخر أصبح قريبًا من العسكري في بعض الأحيان، بحسب المحامي محمد السبتي الذي يردف قائلًا: ودون الحاجة لسرد حوادث هذه التدخلات والأعمال الإرهابية التي قام بها النظام الإيراني وأتباعه، إلا أننا نستطيع أن نضعها في خانتين، الأولى: شبكات تجسس يتم اكتشافها كل فترة هدفها التغلغل في مراكز الدفاع للحصول على معلومات والتخطيط لأعمال إرهابية، وهذه الشبكات يتم القبض عليها وتقديمها للمحاكمات وهي علنية لسنا بحاجة لإعادة سرد قصتها.

والثاني: هي كم كبير جدًا من الأعمال الإرهابية التي قامت بها المنظمات التابعة لإيران والمدعومة منها، ابتداءً من سلسلة تفجيرات هزت الكويت على مراحل عديدة من تاريخنا السياسي وخطف للطائرات واغتيال لدبلوماسيين ومحاولة اغتيال أمير البلاد وقصف لناقلات النفط إبان الحرب العراقية الإيرانية، وحوادث كثيرة جدًا كان مسؤول عنها فترة من الزمن حزب الدعوة العراقي التابع لإيران ثم حزب الله اللبناني والحرس الثوري.

الثورة والحرب

ومع اندلاع الثورة الإيرانية في العام 1979، اعترفت الكويت كبادرة حسن نية بالنظام الجديد رغم أن تلك الثورة كانت مصدراً للقلق لدى الكويت والخليج بصفة عامة على ضوء المخاوف من تداعياتها، ما عزز الترقب والحذر الكويتي من تلك العلاقات مع الجانب الإيراني، واستمرت تلك العلاقات تأخذ شكل التعاون الحذر حتى اندلاع حرب الثمانية أعوام (الحرب العراقية الإيرانية التي اندلعت في العام 1980) والتي أبدت الكويت في البداية موقفًا على الحياد بين البلدين وأعربت عن استعدادها للوساطة، حتى بدأت اطماع ايران في منطقة الخليج في البروز، فأقدمت الكويت على دعم العراق.

علاقات حذرة

بدأت آنذاك العلاقات الحذرة تأخذ شكل التوتر والهبوط بين البلدين، لاسيما عقب أن استهدفت طهران «حقل أم العيش» في الكويت بصاروخ، ما دفع إلى توتر العلاقات بين البلدين إلى أن تصل لأدنى مستوياتها.

وما عزز من اشتعال الأوضاع بين البلدين ضلوع إيران في العام 1985 في مؤامرة كبرى هدفت لاغتيال أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الصباح، ذلك في خطٍّ متوازٍ مع تفجيرات شهدتها الكويت خلال تلك الفترة كانت أصابع الاتهام فيها تشير إلى تورط إيران، من بينها التفجيرات التي شهدها شهر ديسمبر من العام 1983 (تفجيرات السفارة الفرنسية والأميركية ومطار الكويت) واتهمت تنظيمات لبنانية مدعومة من طهران بعد ذلك بارتكابها.

ذلك إضافة إلى حادثة وقعت في العام 1988 وهي حادثة اختطاف طائرة الجابرية وأيضًا الاعتداء على ناقلات نفط كويتية في مياه الخليج، وجميعها حوادث كانت تشير أصابع الاتهام فيها لتورط طهران بارتكابها في إطار محاولاتها المستمينة لزعزعة أمن واستقرار دول الخليج العربي.

خلايا تجسس

وعقب احتلال العراق للكويت أبدت إيران موقفًا مدافعًا عن الكويت ودعت طهران بغداد لسحب قواتها من الكويت ودعت لعقوبات اقتصادية على العراق، غير أن الموقف الإيراني لم يستمر طويلاً أو هو اتخذ ذريعة لتمديد شبكات التجسس في الكويت التي سرعان ما اكتشفت في العام 2010 خلية إيرانية للتجسس داخل الكويت، وصدرت آنذاك أحكام دانت إيرانيين اثنين وآخرين بعد أن وجهت إليهما اتهامات بالتجسس لصالح الحرس الثوري الإيراني.

وفي العام 2011 أقدمت الكويت على طرد دبلوماسيين إيرانيين بتهمة التورط في قضية تجسس. جاءت شبكة التجسس الإيرانية في إطار التدخلات الإيرانية والخلايا التي سعت طهران إلى زرعها في دول المنطقة لتحقيق أهدافها التوسعية والتمهيد لمشروعها. وشهدت تلك الفترة تصاعد أزمة «الجرف القاري» المرتبطة بالحدود البحرية بين البلدين.

تصدير الثورة

يقول السبتي: هنا لا بد من القول إن النظام الإيراني وإلى اليوم هو نظام ثورة لا نظام دولة، ما زال يتعامل مع محيطه على أنه نظام ثورة ويجب تصدير هذه الثورة للخارج، كما أنه يتعامل مع محيطه على أحقيته في التدخل في شأن أي دولة كانت، إذاً هذه هي أسباب تلك التدخلات التي لن تنتهي ما بقي هذا الفكر هو الذي يحكم طهران.

نظامان

يشير الكاتب الكويتي علي الفضالة، في تصريح لـ«البيان»، إلى أن إيران يتحكم فيها نظامان، نظام ديني يتحكم بمصير الدولة ككل وإدارة سياسية تدير أعمال البلاد داخليًا وسياساتها المختلفة، وكأن هنالك حكومتين في دولة واحدة، مشددًا على أن إيران استطاعت خلال الـ25 سنة الماضية أن تضع لنفسها ركائز بدول المنطقة (ذلك في إطار تدخلاتها الخارجية)، لاسيما تدخلاتها في دول الخليج المسالمة التي لا تتدخل في شؤون أحد، وواجهت إيران ذلك بمحاولات التغلغل وفرض أجندتها وإيجاد مؤيدين لها في المنطقة.

ويشدد على أن إيران كدولة تتعامل بالمبدأ الثوري العرقي (نظام ثورة) تنطلق من أيدلوجيتها السياسية والفكرية والتعصبية المعروفة، وتؤمن بمبادئ معينة تسعى إلى تصديرها إلى الدول المحيطة بها، في إشارة للمخططات الإيرانية التوسعية وحلم الإمبراطورية الفارسية الذي يصبو إليه النظام الإيراني.

«خلية العبدلي» تكشف تورط حزب الله في الكويت

بين تآمر وتجسس ومحاولات استهداف مباشرة سعت إيران إلى تحقيق أهدافها في اختراق الكويت في إطار أهدافها التوسعية في المنطقة واستهدافها للخليج العربي ككل، وقد كشفت الخلايا التجسسية الإيرانية عن حجم المكائد والمؤامرات التي حاكتها إيران ضد الكويت سعيًا لتمزيقها وإرباك الأوضاع فيها بما يصب في صالح المخطط الإيراني الهادف لتحقيق حلم الإمبراطورية الفارسية.

ولم تكن حادثة «خلية العبدلي» إلا جزءًا من تلك المكائد الإيرانية.

وخلية حزب الله في الكويت أو ما تعرف باسم «خلية العبدلي»، هي خلية إرهابية تتبع حزب الله اللبناني، نجحت القوات الكويتية في إلقاء القبض عليها في 13 أغسطس 2015، وأعلنت الداخلية الكويتية آنذاك عن ضبط «كمية من الأسلحة مهربة من العراق ومخبأة أسفل منازل قرب الحدود.. وشملت المضبوطات 19 ألف كيلوغرام ذخيرة و144 كيلوغراماً من المتفجرات و68 سلاحاً متنوعاً و204 قنابل يدوية إضافة إلى صواعق كهربائية و56 قذيفة (آر بي جي)».

وبدأت محاكمة أعضاء الخلية في سبتمبر 2015، ومثل أمام القضاء 25 كويتيًا متهمًا وإيراني واحد، وجهت إليهم اتهامات بالتخابر مع كل من حزب الله اللبناني وإيران.

وفي مطلع العام 2016 قضت المحكمة بإعدام المتهم الإيراني الهارب وكويتي آخر، وأحكام بالسجن لمتهمين آخرين.

وكشفت حيثيات الحكم عن أن المتهمين كانوا يعقدون اجتماعاتهم داخل السفارة الإيرانية في الكويت، وبتخطيط دبلوماسي إيراني. وقامت الكويت بتخفيض التمثيل الدبلوماسي لإيران لديها على ضوء تلك القضية.

Email