الخيارات الأكثر تكلفة يمكن أن تبدو ذات جدوى أكبر

السياسة تضيّق الخيارات أمام تصدير غاز شرق البحر المتوسط

ت + ت - الحجم الطبيعي

نقاشات مستمرة أثارها العثور على كميات كبيرة من الغاز الطبيعي في المياه المصرية والإسرائيلية والقبرصية على مدى السنوات العشر الماضية، بشأن كيفية إيصال هذا الغاز إلى الأسواق. وفيما تشكل الأصول الثابتة بين المنبع والمصب وأنابيب الغاز مفتاح إخراج الغاز من المنطقة، فإن لطرق التصدير المختلفة تلك تحدياتها الخاصة، فيما تؤدي التطورات السياسية الأخيرة في قبرص، وما تلا ذلك من انتشار عسكري تركي في المنطقة في أعقاب انهيار مباحثات توحيد قبرص، إلى تضييق الخيارات.


وكانت هناك دراسة لطرق التصدير المتنافسة لنقل الغاز الطبيعي البحري، شمالاً عبر قبرص إلى تركيا، وجنوباً إلى مصر، وإلى داخل إسرائيل، فيما تقدم الخيارات الأكثر تكلفة، مثل مرافق عائمة كثيفة رأس المال للغاز الطبيعي المسال وخطوط أنابيب بحرية أطول، توقعات خاصة بها. في أبريل 2017، أعرب الوزراء الأوروبيون والإسرائيليون عن دعمهم لخط أنابيب غاز في شرق المتوسط (ايست ميد) يمر عبر جزيرة كريت لجلب الغاز مباشرة إلى القارة الأوروبية، متجاوزاً تركيا ومتفادياً عمليات التسييل. الواضح هو أن كل الحجج التي تساق بشأن تلك الخيارات هي سياسية إلى حد ما، ويصل مداها إلى روسيا، والشام، وشمال أفريقيا وما وراءها.


لكن القضايا التجارية متجذرة بقوة في اقتصادات أي مشروع، ومن المؤكد أن الطموحات السياسية غير كافية للبدء في الحفر والبناء. وحتى في مجالس الإدارة، تؤثر تقييمات المخاطر الاقتصادية على مدى دورة حياة المشروع في التحليل النهائي بشأنه، ويمكن أن يؤدي الغموض السياسي إلى التنغيص على قضية مشاريع قابلة للتطبيق.


وينبغي ألا يكون مصدر استغراب كبير أن موجة النشاط على الجانب السياسي منتصف 2017 عملت على إغلاق الخيارات في شرق البحر الأبيض المتوسط بدلاً من توسيعها.


وكان قد ظهر نوع من توافق في الآراء بين المراقبين في عام 2016 وأوائل 2017 بأن خط الأنابيب شمالاً إلى تركيا عبر قبرص يمثل الطريق الأكثر توفيراً لجلب الغاز إلى الأسواق الأوروبية، غير أن تلك التحليلات الاقتصادية لم تكن بالضرورة واضحة للعيان، فلا يزال يستلزم الهبوط على الشاطئ الجنوبي لتركيا وصلات ربط باهظة الثمن عبر التضاريس الجبلية للوصول إلى خط أنابيب الغاز العابر للأناضول «تاناب»، ومرفق خط أنابيب ممر الغاز الجنوبي «إس جي سي» الأوسع نطاقاً. لكن من جهة أخرى، كان سوق الغاز المحلي في تركيا ينمو أسرع بكثير من الطلب الأوروبي (تضاعف تقريباً في العقد الماضي)، وتبقى البنية التحتية المطلوبة أرخص من الطرق البحرية الطويلة أو الاعتماد على الغاز الطبيعي المسال (سواء الثابت أو العائم).


احتمالات سياسية
وانطوى الخط إلى تركيا أيضاً على احتمالات سياسية. فمع بدء الجولة الأخيرة من مباحثات توحيد قبرص في وقت سابق من العام، كان من المأمول أن تؤدي خطط مشاريع الغاز إلى تسريع عجلة الحلول الوسطية. وشكل الخط شمالاً أيضاً دعماً للجهود التركية القديمة في أن تصبح مركزاً إقليمياً للطاقة، كما أثارت فكرة استخدام تركيا لربط إسرائيل وربما مصر بشكل أوثق بأوروبا، حماس المتفائلين المؤيدين للتكامل.


وكانت، في أثناء ذلك، الجهود الأوروبية الرامية إلى دعم الخط الأعلى تكلفة إلى جزيرة كريت، ومن ثم إلى القارة الأوروبية، تبدو كفقاعة سياسية تغيب عنها قضية تجارية جدية، فيما شابت مشكلات تقلبات السياسة في البحر الأحمر والمنطقة الأوسع نطاقاً احتمال روابط مصرية برية خارج السوق المحلية.


بيد أن التطورات في منتصف الصيف قوّضت حال التفاؤل بشأن الخيار التركي. لم يؤد انهيار مباحثات إعادة توحيد قبرص في يوليو والاستعراض التركي الذي تلا ذلك، إلى تغيير اللعبة بالضرورة، بل بدلاً من ذلك أماط اللثام عن تحولات استراتيجية كامنة كانت تسري منذ سنوات. على سبيل المثال، كانت دينامية السياسة الداخلية في تركيا والحماس القومي يضعف التزاماتها السابقة بسياسة خارجية «صفر مشكلات مع الجيران»، وفي غضون ذلك، جرى إضعاف التصاقها بعضوية حلف شمالي الأطلسي بسبب عدم الاتساق الاستراتيجي الأميركي، كما تلاشت جهود استقدامها إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، حيث سبب وجود هذه المؤسسة نفسه كان يعاني من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وصعود الخطاب الشعبوي في أنحاء أوروبا.


المحصلة العملية لكل ذلك على غاز الشرق الأوسط كانت في تغيير تقييم المخاطر المحيطة باستثمار مليارات الدولارات من أجل بناء خط أنابيب عابر لقبرص المقسمة وتركيا المستقوية (المستعدة لإرسال سفن حربية لوقف سفن الغاز الخاصة في المياه الإقليمية للاتحاد الأوروبي).


وعلى الرغم من قمة أبريل، والدعم لخط مباشر إلى الاتحاد الأوروبي، فإن مسؤولي المفوضية الأوروبية لا يحتفلون بكل تأكيد. فتقسيم قبرص يشكل وصمة عار في عملية توحيد أوروبا، وتركيا شريك حيوي لأوروبا في قضايا التجارة والهجرة وسوريا وغيرها. لكن الأحداث الأخيرة تذهب شوطاً في تبرير قلق الأوروبيين من الاعتماد الطويل الأمد على أنقرة من مجال أمن الطاقة.


وسيكون هناك دعم متجدد لاقتراح «ايست ميد»، لكن ستبقى تكلفة هذا الاقتراح الذي يبلغ 6.2 مليارات يورو، عائقاً في ظل غياب اكتشافات للغاز إضافية كبيرة حول قبرص.


وعلى مدى الأبعد، يجب النظر إلى تجدد الحدة بين تركيا وقبرص (وأثره على الأعمال التجارية) في سياق أوسع، تحفظ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن دعم تسوية دولية.


تبدل الخيارات
وفي النهاية، تتأثر حسابات المخاطر المتعلقة بمشاريع الشركات بالتطورات السياسية الأوسع نطاقاً، ويمكن للقرارات السياسية بالتأكيد عرقلة الاستثمار. من جهة أخرى، يمكن أن تساعد الإرادة السياسية في الموافقة على المشاريع، مع تمويل من مؤسسات متعددة الأطراف في لندن ولوكسمبورغ وبروكسل.


قد يُنظر إلى خط أنابيب «ايست ميد» في بروكسل كنعمة لأمن الطاقة الأوروبي، فيما وضعه كالخيار الأقل خطورة يعني أنه سيظهر أكثر جاذبية للمستثمرين أيضاً. وينطبق الشيء نفسه على المرافق العائمة كثيفة رأس المال للغاز الطبيعي المسال. ونظراً للآفاق السياسية في المنطقة بعد أحداث يوليو، يمكن أن تبدو الخيارات الأكثر تكلفة فجأة ذات جدوى أكبر.


شراء
قامت شركة «روزسنفت» الروسية بشراء 30% من حقل استثمار غاز «زهر» في البحر المتوسط من الشركة «إيني» الإيطالية بقيمة 1.1 مليار دولار وفقاً لبيان أصدرته الشركة على موقعها في أكتوبر 2017.


 

Email