تدخّلات طهران تواجه سياسة أميركية مغايرة

■ متظاهرون ضد سياسات النظام الإيراني وتدخلاته | أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن مرحلة المهادنة والسياسات الضبابية التي اتبعتها الإدارات الأميركية السابقة مع إيران وصلت إلى مرحلة النهاية، حيث تقوم إدارة دونالد ترامب بتركيب سياسات جديدة في مواجهة طهران قوامها الصراع والعداء وتحجيم الدور والنفوذ ووقف التوسّع، ويعد هذا التطور متغيراً جديداً في الواقع الإقليمي لما يستدعيه من تغير في الاستراتيجية الأميركي، إضافة لما سيرتبه من تداعيات محتملة من المتوقع أن تمتد آثارها على مساحة واسعة من الإقليم.

إيران التي استفادت على مدار عقود سابقة من السياسات الأميركية في المنطقة، والتي تميّزت بالفوضى وخطأ الحسابات، تمدّدت في مناطق التوتر والصراع العربي عبر تثويرها العامل الطائفي، في العراق وسوريا واليمن، وتعاطت مع هذه البلدان بوصفها المدى الحيوي لها، وكان من نتيجة هذه التدخلات زعزعة الاستقرار وتدمير النسيج الوطني.

وكان أخطر ما صنعته إيران تأسيس تشكيلات عسكرية خارجة عن سلطة الدولة وترتبط ارتباطاً مباشراً بمصالحها وأهدافها وتنفذ سياساتها على حساب أمن ومصالح بلدانها الأساسية، وهو ما سيشكل دينامية لتشغيل صراعات مديدة في المنطقة ستكلف أبناءها طاقات كبيرة قبل أن تطوي صفحتها.

وجاء في تقرير في موقع «شؤون عربية» على لسان الكاتب السوري غازي دحمان، أن الإدارات الأميركية، وخاصة إدارات جورج بوش الابن وباراك أوباما، اتبعت سياسات غامضة، اختلط فيها الانتهازي بالانتقامي، من خلال تصورات قائمة على إنهاك الأصوليات الإسلامية «السنية - والشيعية» بصراعاتها، واضطرار دول المنطقة إلى اللجوء لأميركا من دون شروط بما يؤدي إلى تقوية أوراق التفاوض الأميركية، فضلاً عن تأمين مصالح إسرائيل التي ستصبح أكثر قوّة نتيجة ضعف أعدائها وتشتتهم، وقد شكّلت هذه السياسات البيئة المناسبة لصناعة النفوذ الإيراني وتمدّده على وقع انهيار الدولة والمجتمع العربيين على طول سكة المشروع الإيراني.

المشروع الإيراني

لم يقتصر المشروع الإيراني في المنطقة العربية، حسب التقرير، على البعد الأيديولوجي القائم على ما يسمى «تصدير الثورة لدول الجوار»، كما لم تكن بدعة الممانعة ومقاومة الغرب والصهيونية أكثر من أغطية شفافة لإخفاء البعد الجيوسياسي في المشروع الإيراني وتكتيكاته وتفصيلاته اللوجستية، ذلك أن إيران لا تشكل نموذجاً قابلاً للتصدير ولا تمتلك الثقافة ونمط العيش الإيراني أي مميزات تجعله يحمل جاذبية خاصة لدى شعوب الجوار، حتى شعارات المقاومة التي حاولت إيران أن تجعلها سلعتها الأكثر فعالية لاختراق الشعوب العربية وإرباك الأنظمة السياسية في المنطقة سقطت بفعل تناقضات السلوك الإيراني.

وبانكشاف تهافت الأيديولوجيا والشعاراتية الإيرانية، بدأت تتضح حقيقة مشروعها الجيوسياسي وأبعاده في المنطقة. وكانت إيران قد بنت الجزء الكبير منه تحت ستار غبار المقاومة والممانعة، وقد أمنت قواعد ارتكاز هذا المشروع من خلال تنصيب سلطة موالية لها في العراق، وتثبيت حزب الله في لبنان، وتدعيم سيطرتها على نظام الحكم في سوريا.

يؤكد التقرير أن تفجّر الثورة السورية دفع إيران إلى تغيير نمط إدارتها الإقليمية نتيجة إدراكها وجود مخاطر من شأنها التأثير في انسيابية مشروعها وصيرورته، وذلك دفعها إلى الإعلان بشكل صريح عن سيطرتها على «العواصم الأربع» وتكليف الحرس الثوري وقائده قاسم سليماني بالإشراف المباشر على إدارة المشروع واتخاذ ما يلزم من إجراءات وترتيبات لحماية هذا المشروع، وفي هذا السياق ارتكبت إيران أشكالاً عدة من الجرائم «التهجير الديمغرافي، والإبادة الطائفية» في العراق وسوريا بهدف تثبيت مشروعها الجيوسياسي.

خريطة الدمج

وفي سبيل التثبيت النهائي للمشروع الإيراني في المنطقة، صممت إيران خريطة لدمج الإقليم «العراق وسوريا ولبنان» وربطه بالمركز الإيراني جغرافياً لتسهيل عمليات انتقال الأسلحة والميليشيات ولضمان وصولها إلى شواطئ البحر المتوسط في سوريا ولبنان وذلك عبر طريقين بريين:

الطريق الشمالي: من إيران عبر محافظة ديالى باتجاه محافظة كركوك ومنطقة الشرقاط وصولاً إلى سوريا عبر منطقتي تلعفر وجبال سنجار.

الطريق الجنوبي: عبر محافظات العراق الجنوبية «البصرة، المثنى، النجف» ويخترق كامل محافظة الأنبار السنية، دون الاضطرار بالمرور بمدنها الكبرى «الفالوجة، حديثة، الرمادي، القائم»، إلى البادية السورية وصولاً إلى دمشق .

ويلاحظ معد التقرير أن إيران قامت بإجراءات تأمينية لهذه الطرق اشتملت على التهجير الطائفي في بعض المناطق وإنهاك العشائر العربية وتدمير قدرتها على المقاومة في مناطق أخرى، وتأسيس بنية قتالية لحماية هذه الممرات ، ووفق تقديرات حديثة يبلغ قوام هذه القوة بحدود 200 ألف مقاتل تتكون من ميليشيات الحشد الشعبي في العراق وميليشيات من الأفغان والباكستانيين اللاجئين في إيران، إضافة إلى حزب الله اللبناني.

Email