6 تريليونات دولار ستعيد تشكيل أسواق الكهرباء بـ «الشمس والرياح»

تحولات سريعة في العالم نحو الطاقة النظيفة

ت + ت - الحجم الطبيعي

التوقعات طويلة الأمد بشأن أنظمة الكهرباء خلال السنوات العشر الماضية، كانت في العقد الذي سبقه من نسج الخيال، وفقاً لتقرير توقعات الطاقة الجديدة لعام 2017، الذي يشير إلى مقياس سرعة التحولات في مجال الطاقة، مع الانخفاض الحاد في كلفة الخيارات الأنظف.

ويتوقع التقرير استثمارات في الطاقة الشمسية والرياح، بحوالي 6 تريليونات دولار خلال الفترة 2017 - 2040، وهي تعيد تشكيل أسواق الكهرباء عبر أنظمة مختلفة، حيث تشكل محطات توليد الطاقة على الفحم والغاز والوقود أكثر من 60% من الطاقة الإنتاجية، إلى أنظمة تشكل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح مصادرها الرئيسية، مقابل أقل من الثلث للوقود الأحفوري.

ويرى التقرير الصادر عن مؤسسة بلومبرغ لتمويل الطاقة الجديدة، زيادة في الطلب على الكهرباء 58% حتى عام 2040، ستجري تغطيتها بنسبة متزايدة من طاقة الرياح التي يتوقع ارتفاعها 349%، وتوسع الطاقة الشمسية المتوقع بحوالي 14 ضعفاً مقسمة بين 69% على نطاق الشبكة و31% في المنشآت صغيرة الحجم، إلى جانب مضاعفة الطاقة المستخدمة من 6.719 إلى 13.919 غيغاوات.

ويتوقع أيضاً نمواً في مرونة الأنظمة، بما في ذلك البطاريات والاستجابة للطلب، بحيث تشكل الأصول المرنة حوالي 7% من إجمالي الطاقة المستخدمة بحلول 2040، ما يعادل حجم الطاقة العاملة على الوقود اليوم.

«فولتضوئية»

أما التحدي الأهم الذي تمثله الطاقة المتجددة، وفقاً للتقرير، فيتمثل في تحويل الضوء إلى كهرباء ما يعرف بـ«فولتضوئية»، التي ستصبح أرخص بأسرع مما يعتقد، وقد غدت تلك الوحدات أرخص بنسبة 90% مما كانت عليه عام 1990، فيما الكهرباء على الطاقة الشمسية أرخص 72% عن عام 2009 مع توقع انخفاضها أكثر بنسبة 67% بحلول 2040. وينطبق الشيء نفسه على طاقة الرياح، حيث إن توربينات الرياح المنشأة اليوم مختلفة كثيراً عن تلك العائدة لعام 2008. وستغدو هذه التوربينات أرخص ثمناً، ليس هذا فحسب، بل أكثر كفاءة في استخراج الطاقة من حقل الرياح.

ومع استمرار انخفاض كلفة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بشكل حاد، فإن السؤال المطروح سيكون متى ستصبح تلك التكنولوجيات، أرخص ثمناً من أشكال أخرى من توليد الطاقة؟

وفي الإجابة عن هذا السؤال، يحدد التقرير نقطتي تحول في المستقبل. أولاً، عندما يصبح بإمكان مشروع يعتمد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح المنافسة مباشرة مع محطات جديدة تعمل على الفحم والغاز، في ظل غياب للدعم الحكومي. وثانياً، عندما تصبح تلك المشاريع الجديدة أرخص من كلفة الاستمرار في إدارة محطات الطاقة على الفحم والغاز القائمة أصلاً.

بالنسبة إلى التحول الأول، يعتقد التقرير أن العالم يكاد أو وصل فعلاً إليه في جميع الأسواق الرئيسية، حيث تبدو الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الجديدة في ألمانيا، بتكلفة تنافسية مع المشاريع الجديدة التي ستعمل على الفحم والغاز. وفي الصين، في الوقت الذي يعد الفحم الأدنى تكلفة في محطات توليد الكهرباء المشيدة حديثاً اليوم، ستغدو الرياح البرية أرخص في عام 2019، تليها بعد سنتين «الفولتضوئية». كذلك، في الولايات المتحدة حيث يشكل الغاز الطبيعي الرخيص المصدر الأقل كلفة، فإن «الفولتضوئية» وطاقة الرياح ستبدآن في التفوق بحلول 2022، أما في الهند، فستبدو مشاريع «الفولتضوئية» الجديدة أرخص ثمناً من الفحم بدءاً من 2020.

ولن تصبح الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أرخص ثمناً من الفحم والغاز في المنشآت المشيدة حديثاً، بل ستبدأ أيضاً في أن تكون بسعر أقل في المحطات القائمة العاملة على الوقود الأحفوري، وهذه ستكون نقطة التحول الثانية التي تتوقع التحليلات حدوثها أسرع مما يعتقد معظم الناس ما بين 2027 و2030.

وفيما ترسم نقطتا التحول تلك الصورة الدراماتيكية، إلا أنها ستتأثر بالسياسات والمصالح المكتسبة، وبالتالي يرجح التقرير ألا تؤدي نقطتا التحول على نحو مفاجئ لتحول كامل في توليد الكهرباء، إذ كما هي الحال في كثير من الأحيان، فإن السياسة والسياسات سوف تؤخر التكنولوجيا، لكن عندما تلحقان بركبها، يكون ذلك على شكل اندفاعة.

وكانت الرياح البحرية من المفاجئات الكبرى في أخبار الطاقة النظيفة عام 2016، مع الانخفاض الملحوظ في الكلفة، حيث يتوقع التقرير أنه بحلول 2040، ستكون الرياح البحرية أرخص من اليوم بنسبة 71%، نحو 37 دولاراً لكل ميغاواط في الساعة كمتوسط عالمي.

ومع دخول جيل من طاقة الرياح والطاقة الشمسية المتقلبة، سيصبح توفير مصادر جديدة للمرونة أمراً ذا أهمية متزايدة، مثل البطاريات والاستجابة للطلب.

وبينما يمكن أن تساعد البطاريات في إدارة الطلب عند الذروة، إلا أنها أفضل في توفير الطاقة بسرعة كبيرة، ولفترات قصيرة. بالتالي، حتى عندما تصبح أرخص يمكن أن يغدو تطبيقها أكثر كلفة. بالتالي، يتوقع التقرير انتشار البطاريات صغيرة الحجم إلى جانب الأنظمة «الفولتضوئية» على أسطح المنازل والمكاتب.

مركبات كهربائية

هذه التوليفة بين الطاقة الشمسية بنطاق ضيق، والبطاريات صغيرة الحجم، واستجابة الطلب على مستوى شبكة التوزيع، تشكل مقياساً على اللامركزية المتزايدة في أنظمة الكهرباء المستقبلية، وفقاً للتقرير، في تحول في القيمة نحو المستهلك على حساب مقدرات نطاق الشبكة. لكن التقرير يرى في صعود السيارات الكهربائية وقفاً لهذا التراجع المتوقع على صافي الطلب على الشبكة، مع ازدهار الطاقة الشمسية ما وراء العداد.

وتعود تنافسية السيارات الكهربائية إلى أسعار البطاريات التي تهبط بسرعة، حيث تراجع سعر حزمة بطارية لي-أيون 73% منذ عام 2000، والمتوقع أن تهبط الأسعار بنسبة 73% إضافية إلى 73 دولاراً لكل كيلوواط ساعي بحلول 2040، وفقاً للتقرير، الذي يقول إن الأهم ليس مجرد الكمية الإجمالية للطلب الجديد على الكهرباء الذي تضيفه السيارات الكهربائية، بل الشحن الذكي، أي الشحن طوال اليوم عندما تكون الأسعار منخفضة، في سبيل أن يواكب الطلب العرض، مما يساعد في تخفيف الحمولة، ويدمج بشكل أفضل مصادر الطاقة المتجددة الجديدة، ويدعم مصانع «الفولتضوئية»، لإيجاد طلب على الكهرباء التي تنتجها.

الفحم والغاز

ويتوقع التقرير أن ينجم عن تدفق مصادر الطاقة المتجددة وتقادم القديم، انهيار توليد الكهرباء على الفحم في أوروبا والولايات المتحدة بنسبة 87% و51% على التوالي بحلول 2040. لكن التبشير بنهاية الفحم سيكون سابقاً لأوانه إلى حد بعيد، حيث إنه سوف يستمر في أن يكون مركزياً لبعض الوقت، لا سيما في آسيا، إذ من المتوقع أن تشهد الصين نمواً إضافياً 20% في توليد الطاقة على الفحم، قبل الوصول إلى الذروة في عام 2026 والهبوط بعد ذلك. وفي الهند، يستمر توليد الطاقة على الفحم في النمو، لكن بوتيرة أبطأ مع نمو الطاقة الشمسية الرخيصة 50% من 2020 إلى 2040، بالمقارنة مع 130% وفقاً لتقييمات العام الماضي. وبالإجمالي بحلول 2040، يعتقد أن توليد الطاقة على الفحم في العالم سيهبط 5% عما هو عليه اليوم.

من جهة أخرى، فإن الكهرباء التي تعمل على الغاز سترتفع بنسبة 10% بحلول 2040. لكن لن يلعب الغاز دور «الوقود لفترة انتقالية» بالمعنى المتعارف عليه، حيث إن الفحم كثيف الكربون سيفسح المجال للغاز بكثافة كربون أقل، قبل أن يستسلم هو أيضاً للطاقة المتجددة. ولن يكسب الغاز أكثر من ثلث السوق الطاقة الذي خسره الفحم. ربما تكون الولايات المتحدة الاستثناء الوحيد حيث الغاز الرخيص، لكن قد يكون عصر الغاز محدوداً ما إن يجري الوصول إلى نقطتي التحول للطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

اتفاق باريس

يتوقع نمو بنسبة 10% في انبعاثات قطاع الطاقة العالمي على مدى العقد المقبل، وستحدد الصين انبعاثات المستقبل التي ستصل ذروتها في 2026، وتتراجع بعد ذلك بنسبة 1% سنوياً، إلى 4% ما دون مستوى 2016 بحلول 2040. وستهبط أسرع ما بعد 2030 فيما تضغط الطاقة المتجددة على الفحم في الصين والهند. وسيضع مسار الانبعاثات العالم على سكة تلبية الأهداف المحددة وطنياً في إطار اتفاق باريس، مع وجود نطاق لرفع الطموحات من دون تكبد تكاليف إضافية، لكن تبقى فجوة كبيرة أمام تحقيق السيناريو المرجو. ولا تزال المهمة تتطلب استثماراً إضافياً بحوالي 5.3 تريليونات دولار في توليد الطاقة بانبعاثات صفر كربون بين اليوم و2040 لردم تلك الفجوة.

Email