مدارات

سلوكيات المنصات !!

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لماذا يعمدون لنشرها؟ لماذا يشاركوننا تلك الصور المؤذية؟ لماذا يعتبرونها دعابة؟ لماذا يفعلون هذا بأنفسهم؟ لا أصدق بأنهم التقطوا هكذا سيلفي؟ لماذا يروجون الأخبار الملفقة؟

كثيرة هي الأسئلة التي تخطر على بال مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي فور وقوع مآس على نحو تلك التي ضربت ويستمنستر مؤخراً. إلا أن طرح الأسئلة ليس وليد الفضول الخالص، بل نتاج الصدمة والأحكام التي تثيرها الطرق الخاطئة في الاستجابة عبر الانترنت. إلا أنها أسئلة تستحق الإجابة، سيما السؤال المتعلق بالسلوكيات المتكررة عبر وسائط التواصل الاجتماعي عقب وقوع الكوارث.

وتؤكد الدكتورة غراين كيروان، الكاتبة والأستاذة المحاضرة الاختصاصية في علم نفس الإنترنت أن حيزاً كبيراً من السلوكيات التي نشهدها عبر مواقع التواصل عقب الاعتداءات يمكن تفسيرها بالرغبة في إظهار التضامن. وتقول كيروان: «إنه جزء من آلية تدعى الإعداد الاجتماعي، حيث إن مناقشة حدث فجائي ذي تأثير سلبي على هذا النحو، يساعد المرء على تقبّله. حين يصدمنا حادث ما، يخيفنا، يرعبنا أو يروعنا، فإننا نبحث عن دليل بأن للآخرين ردود فعل مشابهة تصادق على استجابتنا».

غالباً ما تؤدي منشورات مواقع التواصل المستعجلة في أوقات الأزمات إلى حالات سوء فهم. وتشير الدكتورة كيروان إلى أنه أثناء الأوضاع المشحونة عاطفياً يسهل التلفظ بأشياء غامضة، أو بكلام يبدو قاسياً أو منافقاً في إدراك متأخر. وتوضح: «المجتمع الافتراضي يحضنا على الشعور وكأننا بحاجة للاستجابة للأحداث سريعاً تعبيراً عن تضامن أو إدانة، فنلجأ للكتابة ونعبر علناً وبتسرع، دون التيقن من حقيقة الأخبار».

وتحصد مشاركة الرسوميات أو الصور الواضحة الإدانة على نطاق واسع، باعتبار تصنيف كثيرين لها على أنها غير هادفة ومدمرة نفسياً بالمبدأ. وقد أعرب عدد من المستخدمين عن غضبهم من التقاط المارة الصور للمصابين بدل مساعدتهم، فوصفوه بالأمر «المقزز».

وتؤكد فروستينو أن تلك المنشورات قد تنطوي على قيمة ما بحيث أنها «قد تشكل خرقاً للضجيج والتشويش وتحصد الانتباه»، فتشكل بالتالي مصدر توعية من كارثة ما، كما أنه «من حيث التأثيرات الإيجابية، فإن الصور المثيرة للمشاعر قد ترفع مستوى التعاطف وتحض على المساهمة في عمليات الإغاثة».

لا يكمن القاسم المشترك في إطلاق التهم والقول بأن مثل تلك السلوكيات عبر منصات التواصل هي «مجردة من الأحاسيس»، بل في القول بأن السواد الأعظم من الناس مستعد لتوجيه أصابع الاتهام وانتقاد الآخرين، سيما في الأوقات التي تستوجب منهم التركيز على مأساتهم الخاصة.

وأوضحت كيروان في هذا السياق أننا نسارع في إطلاق الأحكام على منشورات لأشخاص لا نعرفهم شخصياً، وقالت: «عقب الغوص في أوضاع عاطفية يخوض المستخدمون معتركات لا يدركونها حق الإدراك، وقد يستغلون تلك الفرصة للتنفيس عن غضبهم، أو الإعراب عن استيائهم. وقد نكون من التسرع بحيث نكوّن عن الآخرين أفكاراً بالاستناد إلى ما توفر لنا من معلومات يسيرة عنهم. وإذا ارتكزت تلك المعطيات حول شخص ما على منشور اعتقدنا أنه غير مناسب، فإننا نميل بطبيعتنا إلى صياغة فكرةٍ نمطية تصوّر لنا الفرد على أنه ذو مواصفات شخصية سلبية الطابع».

وأضافت: «وتسهّل هذه النمطية الطريق أمامنا لاستهداف المستخدمين الآخرين بخطابات كراهية. ونغفل في حضرة المشاعر الجياشة التفكير ولو للحظة بإمكانية سوء فهمنا للمضمون، أو التمييز فيما إذا كانت النبرة السلبية الظاهرية المستخدمة مقصودةً أم لا».

وتوافق فروستينو الرأي بأن الناس يحاولون التخفيف من حدة شكوكهم وقلقهم بكيل الاتهامات، وتقول: «في مشهد الاعتداءات الإرهابية حيث ترتفع حدّة المشاعر والمخاوف والقلق، قد يخفف اللوم أو التضحية وطأة المشاعر السلبية لدى بعضهم».

«LIKES»

إن كمّ «الإعجاب» على صور الحوادث لا يسعدنا بالضرورة، بل يخفف من شعورنا بالوحدة. وتقول كيروان: «نقدر، في أوضاع يتشارك خلالها الناس معلومات مروعة، كمّ الإعجاب، وإعادة التغريد والمشاركات، لأن ذلك يساعد على تعزيز معتقداتنا وموقفنا من الحدث، ويثبت لنا شعور الآخرين بالمثل».

11

يعتبر تبادل المزاح في غير وقته السلوك الأبغض عقب الكوارث. وتشرح جوليا فروستينو الباحثة في الاتحاد الوطني للدراسة والاستجابة للإرهاب هذا السلوك غير المبرر بالقول: «تشير أبحاث تعود لأحداث الحادي عشر من سبتمبر إلى معدلات أدنى من القلق والاكتئاب المتعلقين بالكوارث في أوساط الأشخاص الذين ينشرون مشاعر إيجابية قبل وأثناء وبعد الأحداث المأساوية».

وأضافت عقب التأكيد على أن المزاح قد يشكل آلية للتكيف بأن «عدوانية المزاح أو ملاءمته يرتبطان بجزئية منهما على الأقل بفهم الناس لفداحة الأزمات».

غير أن السلوك الأخبث عبر مواقع التواصل الاجتماعي في مثل تلك الحالات يبدو أقل ارتباطاً بالتضامن وأقرب إلى أنانية دفعت بأحدهم إلى نشر صورة سيلفي له والتعليق عليها بالترحم على ضحايا الاعتداء، وشكر رجال الشرطة على المساعدة.

«مسؤولية اجتماعية» لمشاركة المعرفة

توضح كيروان بأن الذين يتواجدون بالقرب من المشهد قد يشعرون بـ «مسؤولية اجتماعية» ما، تدفعهم لمشاركة المعرفة، سيما في حالات الشعور بالخشية من الانحياز الإعلامي. ومن المهم أيضاً أن نتذكر بأن الصدمة والرعب قد يحدوان بنا للتصرف بخلاف ما تمليه الظروف الاعتيادية.

غير أن عامل لفت الانتباه الذي يحفز الغالبية على وضع منشورات في مواقع التواصل، يجعل السلوك غير مقبول. فمن المثبت أن كمّ أعداد الإعجاب والمشاركة يمنح دفعاً نفسياً، يعمد الناس إلى استغلاله حتى في الأوضاع المأساوية. لكننا نشعر بالاشمئزاز لمجرد تخيلنا أن أحدهم «يستفيد» بطريقة ما من نشر الصور المؤذية. وتؤكد فروستينو أن المنشورات التي تتضمن صوراً تحصد بشكل لافت أكثر المشاهدة والإعجاب والمشاركة.

 المسؤولية الاجتماعية  

نظرية أخلاقية بأن أي كيان، سواء كان منظمة أو فرداً، يقع على عاتقه العمل لمصلحة المجتمع ككل.

علم نفس الإنترنت 

سيكولوجية السايبر أو علم نفس الفضاء الإلكتروني أو علم نفس الشبكة العنكبوتية، مجال يشمل جميع الظواهر النفسية المرتبطة أو التي تنشأ عن التكنولوجيا.

سيلفي  

«الصورة الملتقطة ذاتياً»، صورة شخصية يقوم صاحبها بالتقاطها لنفسه باستخدام هاتف ذكي مجهز بكاميرا رقمية.

Email