تحليل

«ناتو» وروسيا.. قطبان على أعتاب المواجهة

أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تبعث على الاطمئنان التقارير والدراسات التي تتناول أفق العلاقة بين روسيا وحلف "ناتو". لقد اعتبر التقرير السنوي للمجلس الأميركي للعلاقات الدولية للعام 2016 روسيا الخطر الأكبر على بلدان الحلف، والسبب سلوك موسكو العدائي تجاه بلدان أوروبا الشرقية.

ولا تسكت موسكو بل ترد على لسان وزير الخارجية سيرغي لافروف خلال مؤتمر ميونيخ للأمن بأنّ حلف الناتو من مخلفات الحرب الباردة، ويعكس نقطة التباعد الجديدة بعد مرور 20 عاماً على توقيع اتفاقية باريس التي ألزمت روسيا والناتو بالتعاون المشترك لضمان الأمن في القارة على أساس احترام مصالح كل طرف.

لعل عملية رصد للتقارير والمواقف الأميركية والأوروبية تقود إلى خلاصة واضحة: «تحوّل روسيا إلى مصدر التهديد الأكبر في العالم بعد ضمها للقرم وتأييدها الحراك العسكري في دونباس ودخولها المباشر على خط الصراع داخل سوريا».

جرعة توتّر

لقد سبق وأضافت القمة الصيفية للحلف في وارسو جرعة جديدة من التوتر، عندما اعتبرت روسيا أكبر عامل لعدم الاستقرار في أوروبا، وقبل ذلك بسنوات كانت عواصم أوروبية شرقية تتساءل عن توقيت الهجوم الروسي المحتمل على بلدان البلطيق، قبل أن تقوم الولايات المتحدة بنشر كتيبة دبابات لدعم ألوية الناتو الأربع المنتشرة هناك، وخصصت 3.4 مليارات دولار لضمان الأمن لأعضاء الحلف.

ويرى الخبير الروسي في العلاقات الدولية دميتري بابيتش، أن أزمة عدم الثقة وأسباب التوتر تكمن في الآيدولوجيا الليبرالية المتطرفة السائدة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والتي تسعى لفرض السيطرة على العالم، واتخاذ إجراءات تشمل تغيير أنظمة سياسية على غرار ما حدث في ليبيا وأوكرانيا، وشن دعاية تحريضية ضد بلدان أخرى.

مواجهة مباشرة

ويشير إلى أنّ موسكو في مواجهة مباشرة الآن مع هذه السياسة المؤذية حتى لحلف الناتو نفسه، كما حصل عندما قتل الآلاف من الجنود الأميركيين والبريطانيين في العراق دون تحقيق أهداف استراتيجية.

وبشأن الرهان على دور ما للرئيس الأميركي دونالد ترامب في كبح جماح ما أسماها العدوانية الأطلسية، يشير بابيتش أنّ هذا الرهان لم يثبت بعد لأنّ انتخابه هو ردة فعل شريحة من المجتمع الأميركي ترفض فكر الليبرالية المتطرفة، ولا تميل لفكرة المواجهة مع روسيا، لكن في المقابل لم يستطع حتى الآن بلورة نظرية تعالج ملف المصالح المتنافضة بين الطرفين.

مواقف جديدة

بدورها، تلفت مارينا بيلوفا من معهد الأبحاث الأوروبية، إلى أنّ التعاطي السلبي لبلدان الحلف مع انتخاب ترامب سيدفع الأخير إلى مواقف جديدة لم يشهدها تاريخ العلاقات بين واشنطن وبروكسل.

وتستند بيلوفا في رأيها على الحملة الدعائية في أوروبا والتي أظهرت ترامب صديقاً لروسيا وخصماً للناتو، لمجرد أنه صرّح بأنّ الحلف يعيش على أموال دافعي الضرائب الأميركيين، لافتة في الوقت ذاته إلى أنّه ليس لدى ترامب في الأساس مواقف مبدئية ضد الحلف أو تفكير في التخلي عنه، مردفة:

«المعضلة تكمن في الشخصيات الإشكالية التي تقود بلدان ذات ثقل في الاتحاد الأوروبي والناتو وتصر على المواجهة مع روسيا وإنهاكها عبر العقوبات أو استنزافها عبر دفعها للإنفاق على التسلّح». وتؤكّد بيلوفا أنّ ترامب حقق لبوتين حلم موسكو بإحداث شرخ بين واشنطن وبلدان الناتو عبر تلويحه بإعادة النظر في تمويل الحلف، بل ذهب أبعد من ذلك عندما أعلن أنه في حال نشوب نزاع بين روسيا وإحدى بلدان الحلف فإنّه سيرى ما إذا كان هذا البلد قد أوفى بالتزاماته تجاهه وبعد ذلك فقط يقرر ما سيفعله.

 

Email