ترامب يتسلّم منصبه غداً على وقع فضيحتين

هل اخترق الدب الروسي جدار البيت الأبيض؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

في حقبة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة الأميركية ثمّة عشرات قصص التجسس من كل أنواعه وفي كل مجالاته الممكنة لدرجة أنها تحوّلت إلى عشرات الأفلام في «هوليوود».

لكن لأول مرة يصل هذا الأسلوب إلى عصب إحداهماوهي هذه المرة الولايات المتحدة التي عاشت فترة امتدت منذ ما قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة وإلى إشعار آخر على وقع اتهامات لروسيا بأنها تدخّلت عبر سلاح القرصنة في الانتخابات الأميركية لصالح دونالد ترامب الذي خالف التوقّعات والاستطلاعات وفاجأ العالم وأصبح رئيساً للولايات المتحدة.

ولم تكد تصل الحكاية حدود إجراءات الطرد التي طالت 37 دبلوماسياً روسياً حتى تفجّرت فضيحة أكبر وأخطر، بل إنها فضيحة غير مسبوقة، لأنها ترقى إلى مستوى اتهام رئيس أكبر دولة في العالم بالوقوع تحت وطأة الابتزاز لروسيا من خلال ملف شخصي حسب التسريبات الزلزالية التي ما زالت ارتداداتها تضرب المشهد السياسي الأميركي، رغم ترامب والمسؤولين الروس نفوا صحة التسريبات جملة وتفصيلاً.

وفي مطلق الأحوال، فإن من المنطقي جداً الاستنتاج أنه إذا صحّت التسريبات، فإننا سنكون أمام حالة غير مسبوقة تكفي للقول إن عالماً جديداً يتشكّل. كما أنه في حال تأكّدت صحّتها، سيظهر بوتين كشخصية استثنائية ويبرر اختياره أكثر من مرة من جانب مجلة تايمز الأميركية بالذات كأقوى شخصية في العالم.

تسريبات

سلسلة التسريبات الخاصة بالرئيس الأميركي المنتخب، نشرتها أجهزة الاستخبارات الأميركية، وتضمّنت معلومات حسّاسة منسوبة إلى ضابط الاستخبارات البريطاني السابق كريستوفر ستيل جمعها عن ترامب لصالح الروس، من بينها فضائح جنسية ومعلومات حسّاسة عن حياته الشخصية.

قناة «سي إن إن» الأميركية نشرت ما اعتبرتها وثائق سرية تتضمن مزاعم حول حصول الروس على معلومات بشأن ترامب تثير القلق، وذكرت أن مسؤولين أميركيين على اضطلاع مباشر بالمسألة، وألحقت المخابرات الأميركية ملخصاً لهذه المعلومات مع تقرير التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة.

غير أن موقع «باز فيد» تجاوز ما نقلته «سي إن إن» ونشر ملفاً سرياً مكوناً من 35 صفحة، تفيد بامتلاك الاستخبارات الروسية دلائل حول تورط ترامب في «حفلات منحرفة».

ووردت في التسريبات معلومات مالية حساسة متعلقة بثروة ترامب، ومن شأن كشفها أن يعرض الأخير إلى التحقيق.

وتفيد المزاعم بأن لدى روسيا معلومات مسيئة عن أعمال الرئيس المنتخب ومصالحه، وعلى أشرطة فيديو محرجة عن حياته الخاصة، بينها إقامته علاقات جنسية مع بائعات هوى في فندق ريتز كارلتون في موسكو.

ملف سري

وسائل إعلام أميركية نشرت ملفاً سرياً يشير إلى شهادات الضابط البريطاني ستيل التي تفيد بامتلاك جهاز الأمن الفيدرالي الروسي تسجيلات تثبت انخراط ترامب في «حفلات منحرفة». وبحسب الوثائق التي نشرها الموقع الأميركي، فقد تم تسجيل فيديوهات لترامب في أوضاع غير لائقة. ترامب أثار قلق الاستخبارات الأميركية وغيرها من الدوائر بعدما عبّر أكثر من مرة عن تقربه نحو موسكو.

ولعل نشر التقرير وسط أجواء إعجاب ترامب بروسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، يضفي على المعلومات نوعاً من المصداقية بنظر العديد من الأميركيين. لكن ترامب استخدم نفس المقاربة في دفاعه عن نفسه إذ اتهم الجهاز بنشر التسريبات لحثه على التراجع في علاقاته الجيدة مع بوتين.

مراقبون يرون أن مصدرها إما أحد أو بعض الأجهزة الاستخباراتية الأميركية، ما سيعرّضها لردّات فعل ربما قاسية من الرئيس الذي سيتسلّم مهامه غداً، وتوفّر له مبررات لاتخاذ إجراءات إصلاحية بدافع سياسي وربما انتقامي.

مواجهة المخابرات

وفي مواجهة مؤسسة عريقة، يأمل الرئيس المقبل تحقيق إنجازات، حيث كلّف فريقه لشؤون الأمن الوطني بإعداد تقرير مفصل يحدد آليات يمكن تطبيقها «لتطوير عمل الأجهزة، بما فيها تهديدات القرصنة وسبل مواجهتها، وتقديمه خلال 90 يوماً من تسلمه مهامه الرسمية».

ويعتقد مركز الدراسات الأميركية والعربية أن ترامب قد يضخ دماءً جديدة في الأجهزة، تحت بند التعيينات السياسية، ما سيضع الشرائح القيادية العليا الراهنة في عين العاصفة للتدقيق في نوعية ووجهة التقارير الاستخباراتية السابقة.

ويذكّر بأن من خصائص ترامب، وامتداداً فريقه المتشدّد، ميله لعدم التسامح وسرعة الرد وجاهزيته لإقالة مَن هُم في المراتب الأدنى وأصحاب الأداء المتدنّي عن المعايير الموصوفة. وعليه، يمكن القول إن أولئك أصحاب التقارير السابقة والمشكوك في دقتها قد يخضعون للمساءلة تفرض عليهم الدفاع عن مجمل أدائهم، وما سينجم عنها من تهميش أو إقالة مرتقبة.

طاقم ترامب

وبنظرة سريعة على خلفية طاقم ترامب لشؤون الأمن القومي يتبيّن أنه بمعظمه لديه خبرة عسكرية، إضافة لمدير شركة أكسون العملاقة، والذين بمجموعهم كانوا يتلقون «استخبارات عملية».

قبل ذلك، تسبب تقرير الأجهزة الأمنية الثلاثة (وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الأمن القومي) بشأن ما نسبه للقيادة الروسية من تدخّل في الانتخابات الرئاسية الأميركية في تعميق هذا الانقسام.

وأشار التقرير إلى أن الحملة التي قادتها موسكو للتأثير على الانتخابات الأميركية جاءت في إطار «استراتيجية اتصال» مستوحاة من الأساليب السوفييتية، من بينها «العمليات السرية، ووسائل الإعلام الرسمية، و(اللجوء إلى) طرف ثالث ومستخدمين للشبكات الاجتماعية يتقاضون أموالاً». وقبيل الانتخابات الأميركية نشر موقع ويكيليكس رسائل إلكترونية مقرصنة تعود إلى الحزب الديمقراطي وإلى أحد المقربين من كلينتون، ما أثّر سلباً إلى حد كبير على المرشحة الديمقراطية.

وفي مقابلة على شبكة «إيه بي سي» قال الرئيس باراك أوباما الذي كان طلب بإعداد التقرير إن «الروس كانوا ينوون التدخل، وقد تدخلوا» في الانتخابات الأميركية. وأضاف «ما يقلقني هو إلى أي مدى رأينا الكثير من الجمهوريين أو المنتقدين أو المعلقين يظهرون ثقة بفلاديمير بوتين أكبر من ثقتهم بنظرائهم الأميركيين، فقط لأن أولئك ديمقراطيون. لا يجب أن يكون الوضع كذلك».

تداعيات

لكن هل يمكن لهذه القضية أن تؤدي للإطاحة بالرئيس المنتخب دونالد ترامب؟ المحلّل السياسي آرنو دو لاغرانج استبعد هذا الاحتمال في افتتاحية «لوفيغارو» على الأقل في الوقت الحالي، لكنه أشار إلى أن «عهد ترامب استهل بعاصفة وإلى أنه ومع صعود موجة الوحول هذه ثمة سؤال يفرض نفسه وهو إلى أي حد يمكن للنظام الأميركي أن يصمد أمام سلسلة الرعود هذه؟».

الخبير في الجيوسياسة نيكولاس دانغن رأى في «لوباريزيان» أن «إقالة الرئيس الأميركي ممكنة في ثلاث حالات فقط: الخيانة العظمى أو الفساد والجرائم الخطرة. وكلها تستلزم الدلائل القاطعة التي لا ترد وإرادة سياسية قوية داخل الكونغرس وهو الجهة الوحيدة المخولة بإقالة الرئيس، وأيضاً تياراً مؤاتياً في الإعلام والرأي العام». لكنه يخلص إلى نتيجة مفادها أن «من المرجّح أن ترامب سيكمل ولايته».

أوروبا

قال نائب الرئيس الأميركي جو بايدن إنه يجب أن تعمل واشنطن مع أوروبا على مواجهة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وحذّر بايدن من أن بوتين سيحاول التأثير على الانتخابات التي ستجرى هذا العام في أوروبا «مثلما فعل في الانتخابات الأميركية».

وقال «تحت قيادة الرئيس بوتين تستغل روسيا كل وسيلة متاحة لها لتقويض البرنامج الأوروبي واستغلال نقاط الضعف في الدول الغربية والعودة إلى سياسة تحددها مناطق النفوذ».

وتابع «مع استعداد كثير من الدول الأوروبية لإجراء انتخابات هذا العام نتوقع مزيداً من المحاولات الروسية للتدخل في العملية الديمقراطية. أؤكد لكم سيحدث ذلك ثانية والهدف واضح: تقويض النظام الدولي الليبرالي».

مَن هو صاحب تقرير «ترامب وروسيا»؟

صحيفة وول ستريت الأميركية كشفت أن ضابط المخابرات البريطاني السابق كريستوفر ستيل هو الذي أوصل «معلومات سرية» عن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب للمخابرات الأميركية.

الصحيفة أوضحت في تقرير لها أن ستيل هو من أعد الملف السري عن علاقة روسيا بما أسمتها تجاوزات ترامب، وأن الكرملين تواطأ بطرق عدة لإيصال الرئيس المنتخب للبيت الأبيض، وحصوله على أدلة يمكنه استخدامها لابتزازه. ستيل (52 عاماً) يقود إدارة شركة «أوربيس» في لندن، جنباً إلى جنب مع كريستوفر بوروز (58 عاماً) الذي رفض تأكيد أو نفي أن تكون «أوربيس» أنتجت التقرير.

وعند إلقاء نظر على حساب بوروز على موقع «لينكد إن» يتبين أنه كان يعمل مستشاراً في وزارة الخارجية والكومنولث، مع وظائف الخارجية في بروكسل ونيودلهي في العقد الماضي. أما عند إلقاء نظرة على حساب ستيل في الموقع نفسه، فلا تظهر أي تفاصيل عن حياته المهنية.

وتقول «وول ستريت» إن شركة أوربيس تأسست في عام 2009 من قبل خبراء سابقين في جهاز الاستخبارات البريطاني، بحسب ما تذكر على موقعها على الإنترنت. وتقول السلطات المحلية إن سجلات الشركات تظهر أن شركة أوربيس مملوكة من جانب شركة أخرى يديرها ستيل وبوروز.

وقالت إن الشركة تعتمد على شبكة عالمية من الخبراء وكبار رجال الأعمال لتزويد العملاء مع تقديم المشورة الاستراتيجية، جبل «عمليات جمع المعلومات الاستخبارية وإجراء، في كثير من الأحيان التحقيقات المعقدة العابرة للحدود». الملف المثير للجدل يتكون من سلسلة من المذكرات "غير الموقعة" والتي تظهر أنها كتبت بين يونيو وديسمبر 2016.

هل علمت بريطانيا بملف ستيل؟

ضلوع ضابط المخابرات البريطاني كريستوفر ستيل في ملف التسريبات عن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب أثار تساؤلات عن مدى معرفة مسؤولين بريطانيين بما قام به. صحيفة ديلي ميل البريطانية نقلت تصريحات عن مصادر مجهولة بأن رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي كانت على علم بالملف «سيئ السمعة» الذي تم تجميعه بمعرفة ستيل عن علاقة الكرملين والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.

وزعمت المصادر أن ماي ووزير الخارجية بوريس جونسون اطلعا على الوثيقة التي كتبها ستيل. وجاء الادعاء بأن تيريزا كانت على علم بالملف بعد ساعات من إنكارها تلك المزاعم التي تشير إلى ضلوع السلطات البريطانية في تسهيل خروج الملف، مشيرة إلى أن «ستيل» ترك الخدمة منذ سنوات.

كما نقلت «ديلي ميل» عن تقرير لـ«التايمز» يشير إلى أن وزراء بريطانيين تم إخبارهم بأمر الملف المثير للجدل الشهر الماضي، وكذلك تم تحذيرهم من أن ضلوع ستيل في تجميع التقرير من الممكن أن يوقع بريطانيا في خلاف دبلوماسي مع الولايات المتحدة في وقت تحاول بناء علاقة خاصة جديدة مع الإدارة الجديدة.

وحسب التقارير، تم تكليف ستيل بإجراء بحث عن ترامب من قبل شركة أميركية تدعى «فيوجن»، التي كانت مملوكة في البداية من قبل جمهوريين معارضين لترامب في سبتمبر 2015، بينما انضم ستيل إلى الفريق في يونيو 2016، وبعد ذلك ذهبت الشركة لتكون تحت إدارة ديمقراطيين.

وكان ستيل يعمل في موسكو في 1990 ثم ترك العمل بالاستخبارات البريطانية «ام آى 6» وأسس شركته البحثية الخاصة في قلب لندن، وبعد تداول معلومات عن الملف، قام ستيل بالاختباء بعد أن ارتبط اسمه بالوثيقة، بحسب ديلي ميل.

 

Email