مطالعة التاريخ لرئاسته تنبثق عن صورة دموية لا وردية

وعود أوباما العظيمة تنتهي إلى الخيبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تستعد أميركا باتحاد ولاياتها الخمسين، وتطلعات وخيبات مواطنيها الديمقراطيين والجمهوريين، لاستقبال عهد رئاسي جديد، ولد من رحم حملة انتخابية هي الأشرس في تاريخ البلاد، والأغرب ربما، حسب نظريات المراقبين القريبين والبعيدين.

ويبقى الثابت الوحيد في زمن التغيرات، أن عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما، سيسدل بموجب التعديل الدستوري العشرين على القانون الأميركي في ظهر 20 يناير 2017، ستاراً فتح في التاريخ نفسه من عام 2009.

ولا بدّ مع تقلب الأحداث، وبداية العدّ العكسي الممزوج أميركياً بحملات دعائية احتفالاً بيوم أوباما الأخير في البيت الأبيض، بما فيه من ملصقات وأزرار وقمصان موسومة جميعاً بـ «نهاية الغلطة» و«اليوم الأسعد للأميركيين»، من أن نسلّط الضوء على سجل السنوات الثماني وتحليلها بنجاحاتها وإخفاقاتها، وإرثها الملقى على كاهل العهد الجمهوري الجديد، ومدى إخلاصها لشعار حملة 2008 الأصلية «أجل نستطيع».

وقد احتلت الوعود الأوبامية، لا سيما تلك المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط، حيزاً كبيراً من الاهتمام العالمي. وسطّر خطاب أوباما عام 2009 من القاهرة، وعوداً بقيت بجوهرها، حبراً على ورق، وتلخصت سياسته الخارجية بحقيقة العمل غير المكتمل.

لأوباما الحق في أن يتباهى في مجال تحسين اقتصاد بلاده التي كانت تعاني يوم وصوله للمكتب البيضاوي من أزمة مالية ثقيلة، وتقلصاً في الاقتصاد بنسبة فاقت ثمانية في المئة، وأصبح يسجل اليوم ارتفاعاً بمعدل يزيد على ثلاثة في المئة.

ومن خلال توقيع أوباما على قانون الرعاية الصحية «أوباماكير»، ضمن للمرة الأولى حصول أكثر من 90 في المئة من الأميركيين على تغطية صحية، في نسبة هي الأعلى على الإطلاق. كما يحسب له توفير ما يفوق 14 مليون فرصة عمل في القطاع الخاص، وموقفه من التهديد الوجودي لتغير المناخ، ومساهمته في ثورة الغاز الصخري.

يغادر الفائز بجائزة نوبل للسلام، المنصب والقوات الأميركية على خط الاشتباكات في سبع بلدان على الأقل، بما في ذلك انخراطها في حروب ميدانية في كل من العراق وسوريا، وربما أفغانستان، وقد أسقطت قنابلها العام المنصرم فوق الدول الآنف ذكرها، وباكستان وليبيا واليمن والصومال. ويبدو أن الإرهابيين قد رأوا في الانسحاب الأميركي دعوة للتقدم، لا فرصةً لفك الارتباط.

ولحسن الحظ أن أوباما قد توقف عن اعتماد سياسة الانكفاء، ولو جزئياً، وبدأ يردّ عسكرياً، لكن لا شيء يدلّ على فشل سياساته بقدر قراره القسري بالمضي قدماً في ما يكره، ومواصلة خوض حروب أميركية لا متناهية.

سيطالعنا التاريخ الأجرد بعد انقضاء عهد رئاسة أوباما بصورة حمراء دموية لا وردية، لا سيما في جرد سجل السياسة الخارجية الملطخ بدماء مئات ألوف الأبرياء، وموصوم بخيانة أميركا لحلفائها ومثُلها العليا. ويتحمل أوباما مسؤولية مأساة مرعبة اسمها سوريا، حيث كمّ الأعذار المرتبطة بعدم التورط أكثر، لا سيما التذرع بالحذر الأميركي عقب حربي أفغانستان والعراق، بصورة لن تتخطى اختبار الزمن.

شرخ عميق

وسيلحظ التاريخ، برغم محاولات أوباما في ليبيا، أنه قام بالحدّ الأدنى الممكن، وترك البلاد في خراب بعد أن دعم الثورة. وسيخلص المؤرخون إلى أنه في كل من سوريا وليبيا، ساعد تخاذل أوباما في إفساح المجال لتنظيم «داعش»، وسواه من الجماعات الإرهابية. كما ساهم في ولادة أزمة اللاجئين التي سببت، بالإضافة للكارثة الإنسانية، شرخاً عميقاً في السياسة والمجتمع والاقتصاد الأوروبي.

أما بالنسبة لليمن الضائع في غمرة العناوين، فالمأساة مشابهة، حيث دعّم تراخي أوباما وجود القاعدة، وفتح باب تجنيد جديد لـ «داعش». ومن المرجح أن يتحمّل أوباما في أوكرانيا خطأ التخلي، في أحرج الأوقات، عن حليف دمّر ترسانته النووية، مقابل وعود الحماية الأميركية، وسمح لروسيا باجتياح القرم وضمه.

وسيُنظر لأوباما وإذعانه السهل للتنمر الروسي على أنه إيذان للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاستعراض قوته في سوريا. تماماً كما أذن في تسرعه لعقد اتفاق نووي مع إيران بتقوية الشيعة في الحرب الأهلية، لا سيما في العراق.

533

لعل الإرث الأثقل لعهد أوباما، إخفاقه في جلب التغيير لواشنطن، بعد أن بنى حملته على «الأمل والتغيير»، حيث قال: «لا شك في أن أحد الأهداف المركزية، كان جعل سياسة واشنطن أفضل، لكني لم أتمكن من تحقيق الإنجاز».

ويبدو أن الوعود الانتخابية الـ 533 للرئيس الأميركي الرابع والأربعين، ونيله جائزة نوبل للسلام في غضون تسعة أشهر من توليه الرئاسة، يجمعهما عامل مشترك، وهو ارتكازهما على خطابات طموحة، تبيّن في النهاية أنها تسير في نهج منظومة هندسة «الفوضى الخلاقة»، ولو بطرح مغاير هو «الحوار» وثنائية ضئيلة الفروقات من الاشتباك والانسحاب.

وقد أعلن ترامب، الذي بنى حملته على أسس القضاء على غالبية إنجازات أوباما، أن كافة المبادرات الأوبامية الأساسية عرضة للتهديد.

ويشمل طيف الأزمات الذي سيبقى دون حل، بعد تسليم الرئيس العتيد مقاليد السلطة، واقعاً كشفت عنه الاستطلاعات، وأظهر تدهور العلاقات العرقية إلى أدنى مستوياتها، انتشار الأسلحة، والحرب دموية في سوريا، وما نجم عنها من تدفق للمهاجرين ساعد على ظهور موجة الشعبوية القومية، التي اجتاحت أوروبا وأميركا.

تباهي أوباما بإرثه

لأوباما الحق في أن يتباهى في مجال تحسين اقتصاد بلاده التي كانت تعاني يوم وصوله للمكتب البيضاوي من أزمة مالية ثقيلة، وتقلصاً في الاقتصاد بنسبة فاقت ثمانية في المئة، وأصبح يسجل اليوم ارتفاعاً بمعدل يزيد على ثلاثة في المئة.

ومن خلال توقيع أوباما على قانون الرعاية الصحية «أوباماكير»، ضمن للمرة الأولى حصول أكثر من 90 في المئة من الأميركيين على تغطية صحية، في نسبة هي الأعلى على الإطلاق. كما يحسب له توفير ما يفوق 14 مليون فرصة عمل في القطاع الخاص، وموقفه من التهديد الوجودي لتغير المناخ، ومساهمته في ثورة الغاز الصخري.

فكتور ديفيس هانسون - مؤرخ عسكري وكاتب صحافي

أوباما لم يكن محارباً تقدمياً، ولا منتمياً للاشتراكيين الجدد الذين خربوا البلد، بل مجرّد مدّعٍ بائس يقوم بمساعٍ واهنة لا يؤمن بأهميتها.

 

فيلي فيمير - وزارة الدفاع الألمانية

أصبح من الواضح الآن، أن نوعاً من «مؤسسة الحرب» ثنائية الأحزاب، قد تشكلت في واشنطن، وأن كل جهودها لتقييد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، وإفهامه بأنه لن يتمكن من تغيير مسار «سياسة الحرب»، التي بدأت في عهد أوباما.

 

بينييل جوزيف - مؤرخ أميركي

لثماني سنوات، احتل أوباما وعائلته الساحات الداخلية ومسارح العالم، مما أعطى نماذج جديدة للتميز. لملايين الأطفال الملونين.

  

هيلاري كلينتون - مرشحة سابقة للرئاسة الأميركية

تتمحور هذه الانتخابات برمتها حول القيام بكل ما نستطيع لمنع التحرك الرامي للقضاء على إرث أوباما. إنها اختيار الوحدة بدل الانقسام، والحب بدلاً من الكراهية.

Email