ينتظره حبل مشدود في العلاقة مع روسيا

ترامب وملفات المنطقة بين البرامج والسياسات

ترامب وعائلته وفرحة الوصول إلى البيت الأبيض | أ.ب

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما ترشّح للانتخابات الأميركية الممثل السينمائي رونالد ريغان، ابن الحزب الجمهوري، لرئاسة الولايات المتحدة، كان الأمر يبدو نوعاً من الفانتازيا، لكن الرجل الذي كان الحاكم الثالث والثلاثين لولاية كاليفورنيا أصبح الرئيس الأربعين لأميركا.

 لقد فاز رغم، أو لأن، حملته الانتخابية كانت مجنونة وهدّد فيها بمحو الاتحاد السوفييتي بضربة نووية. الأمر لم يكن مختلفاً حين انتخب الأميركيون جورج بوش الابن رئيساً، رغم أن معظم المحللين وصفوه بعديم الإمكانيات.

الفوز المفاجئ والمضاد لكل استطلاعات الرأي، للجمهوري دونالد ترامب، لا يختلف عن ذلك السياق، بل لا يخرج عن سياق تاريخي لبلد لديه قانون انتخاب فريد من نوعه، وطريقة مختلفة في التعاطي مع قضاياه ونظرته للعالم.

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإنه يجدر الإشارة إلى أنه في كل الانتخابات الأميركية كان دائماً ثمة هوّة بين برامج المرشّحين خلال الحملات الانتخابية، وترجمتها إلى سياسات بعد أن يتحوّلوا إلى رؤساء.

ولعل الشرق الأوسط من أكثر المناطق التي شخصت عيون أبنائها باتجاه الولايات المتحدة طوال فترة الحملة الانتخابية، بالنظر لصدور مواقف بدت متناقضة إزاء ملفات المنطقة. ورغم كل ما يقال عن الهوة بين البرامج والسياسات، فإن تلك البرامج تعطي مؤشّرات عامة على السياسات، فيما ترفع قوة الدور والشخصية للرئيس، منسوب الترجمة العملية لتوجّهاته.

لم تكن مواقف كلينتون وترامب، تختلف كثيراً في بعض قضايا الشرق الأوسط، لكن بدا الاختلاف واضحاً في ملفات أخرى.

الصراع العربي الإسرائيلي أحد الملفات التي لا يختلف عليها الحزبان. وإذا كان الأداء ومسافة الاقتراب من هذا الصراع مختلفاً، فإن الجوهر واحد. حين سئل ترامب خلال الحملة الانتخابية عما سيفعله إزاء هذا الصراع، قال إنه سيجمع الفلسطينيين والإسرائيليين على طاولة واحدة ويرى ما الذي يريده الطرفان.

وهذه إجابة عامّة خالية من أي رؤية برنامجية. لكن بالمقابل، كانت لدى باراك أوباما وقبله جورج بوش الابن وبيل كلينتون، خطط ورؤى ومبعوثون قاموا بجولات مكوكية في المنطقة، ومع ذلك كانت النتيجة بالنسبة لحل هذا الصراع ما دون الصفر.

وبقي الثابت في هذا الملف أن أميركا تعتبر دعم إسرائيل والحفاظ على تفوّقها النوعي جزءاً أساسياً وبنيوياً في سياستها.

الملف الإيراني

كثيرون لفتت نظرهم وعود ترامب بـ «تمزيق» الاتفاق النووي بين إيران ودول 5+1 في اليوم الأول لتسلّمه الرئاسة، باعتبار أن لذلك الاتفاق أبعاداً إقليمية جوهرية، لكنه لم يقل كيف يمكنه إلغاء اتفاق ذي صبغة دولية وليس ثنائياً.

لذلك يرى كثير من المراقبين أن الرئيس الأميركي الجديد ربما يلجأ للغة سياسية أكثر شدّة مع طهران، وقد يحاول الحد من التأثير الإيراني هنا أو هناك، خاصة أنه وصف إيران بأنها «الراعي الأول للإرهاب الإسلامي المتطرف - في طريق الحصول على سلاح نووي»، إلا أنه من الصعوبة بمكان إلغاء الاتفاق النووي الذي ترتّبت عليه التزامات ومصالح متبادلة في الآن نفسه.

لغة حازمة

مقاربة ترامب بشأن الإرهاب وخطره وضرورة مواجهته لا تختلف عن مواقف كلينتون، لكن الرئيس الأميركي الجديد تحدّث في الموضوع بلغة «بوشية ريغانية»، ولم يستبعد إرسال جنود أميركيين إلى مناطق آمنة في سوريا لاستيعاب اللاجئين على أن تدفع دول عربية تكاليف ذلك. وهذه مقاربة غير مبنية على استراتيجية واضحة، ولا تأخذ في الاعتبار الوجود الروسي في المنطقة والمحاذير المترتّبة على أي تدخّل عسكري أميركي مباشر.

إذاً، على صعيد الملف السوري، قد يخفّف ترامب الدعم الأميركي لفصائل المعارضة المسلّحة، ويستمر في محاربة تنظيم داعش، وفي نفس الوقت عدم العمل على إضعاف الرئيس السوري بشار الأسد الذي يرى فيه جزءاً من الحرب على الإرهاب، أي جزءاً من الحل وليس جزءاً من المشكلة.

لذلك، لا يتوقّع أن نرى خطوات دراماتيكية من جانب ترامب في هذا الملف، لاسيما وأنه قال خلال الحملة «إذا ما اتبعنا هيلاري كلينتون فسينتهي بنا الأمر إلى حرب عالمية ثالثة»، قائلاً للديمقراطيين: «أنتم الآن تحاربون سوريا وروسيا وإيران أليس كذلك؟ روسيا هي بلد نووي»، ولخّص بالقول: «بالنسبة لي، فإن الأسد مسألة ثانوية».

سياسات نحو الخليج

ويطرح قانون جاستا الأميركي بشأن الإرهاب نفسه بقوة على طاولة ترامب، مثلما أحدث تفاعلاً ساخناً في عهد الإدارة الراحلة وعلاقتها الدستورية مع الكونغرس ذي الأغلبية الجمهورية وصاحب فكرة القانون، والذي أسقط فيتو أوباما ضده.

التعاطي الأميركي في عهد ترامب مع القانون الذي يبدو مفصّلاً على مقاس دول بعينها، وبخاصة المملكة العربية السعودية، قد لا يكون بالضرورة امتداداً لما كان عليه الحال، فالرئيس الأميركي الجديد يدرك أن مصالح الولايات المتحدة ستتضرر كثيراً إذا ما واصل سياسة الابتزاز التي اتبعها سلفه، عبر هذا القانون وغيره.

العلاقة مع روسيا

الخيط المشدود الذي سيجد ترامب نفسه يمشي عليه، هو العلاقة مع روسيا في ظل تضارب مصالح البلدين في الشرق الأوسط خصوصاً والعالم عموماً،

وهو انتقد سياسة أوباما ضد روسيا دفاعاً عن أوكرانيا، والمقرب منه نيوت غينغريتش، المرشح لمنصب وزير الخارجية، شكك في قدرة واشنطن على الدفاع عن أستونيا في حال تعرضها لغزو روسي، معتبراً هذه الدولة «واحدة من ضواحي» مدينة سان بطرسبورغ الروسية.

وقد تكون أوروبا أكثر المرعوبين من فوز ترامب، إذ يرى كثيرون من سياسييها ومحلليها أن حقبة وجود ترامب في السلطة ستزعزع الأسس التي تقوم عليها الالتزامات الأمنية الأميركية تجاه أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

اعتراف روسي

اعترف دبلوماسي روسي أمس بأن موسكو كانت على اتصال بأعضاء الفريق السياسي للرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال حملة الانتخابات الأميركية، الأمر الذي كان ينفيه ترامب خلال الحملة.

وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف إنه كان هناك بالفعل بعض الاتصالات. ونقلت «إنترفاكس» عن ريابكوف قوله «كانت هناك اتصالات. نفعل هذا وكنا نفعله خلال الحملة الانتخابية». وأضاف أن اتصالات من هذا القبيل قد تستمر.

وقال: «بوضوح.. نحن نعرف معظم الأشخاص من فريقه. هؤلاء الأشخاص كانوا دائماً في دائرة الضوء في الولايات المتحدة وشغلوا مناصب رفيعة. لا أستطيع القول إنهم جميعاً ولكن بعضهم لا يزال على اتصال بممثلين روس».

Email