فشلت في حل مشاكل العالم وإيجاد مخارج لها

أممٌ أبعد من أن تكون متحدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لمشاهدة الجرافيك بالحجم الطبيعي اضغط هنا

تأتي نهاية ولاية الأمين العام الحالي للأمم المتحدة بان كي مون متزامنة مع غوص العالم في حروب ونزاعات كبيرة لم تجد لها الهيئة أي مخرج، ويجد البرتغالي أنطونيو غوتيريس تركة ثقيلة في انتظاره، وعلى الرغم من أنه ملمّ بها جيداً ويملك تصورات تفاوضية لمقاربتها، تحتاج تفاهماً على إطار بين موسكو وواشنطن اللتين باتتا المعطل الرئيسي للقرارات الأممية، واستخدمت الولايات المتحدة الفيتو 14 مرة منذ انتهاء الحرب الباردة، بينما لجأت إليه روسيا 11 مرة. واستخدمت كلتا الدولتين الفيتو لحماية حلفائهما، إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة، وسوريا مؤخراً بالنسبة للروس.

تتصف المرحلة الحالية من مراحل تطور النظام الدولي بعدم الاستقرار الذي يتجلى بوضوح في مسلسل الصراعات المحلية والإقليمية المنتشرة في مختلف قارات العالم وفي النزاعات العرقية والطائفية التي باتت تهدد بتقويض الدول وانفراط عقد التنظيم الدولي.

ومن المؤكد أن التصرفات الدولية الحالية للدول الكبرى الأعضاء في الأمم المتحدة ما هي إلا انعكاس للتطورات الدولية الراهنة التي يمر بها المجتمع الدولي في الوقت الراهن والتي تدل دلالة واضحة على انفراط العقد الدولي وجنوح الأعضاء في التنظيم الدولي الحالي إلى التحلل من القيم والمبادئ الدولية الراسخة التي أرساها ميثاق الأمم المتحدة والأعراف والأخلاق الدولية والتي حضت على السلام بدلا من الحرب وعملت جاهدة على إنماء العلاقات الودية بين الأمم وتحقيق التعاون الدولي في مختلف المجالات وصولا إلى تحقيق غايتين أولاهما حماية الأمن القومي الدولي وثانيهما تحقيق الرفاهية لجميع شعوب العالم.

أولويات غوتيريس

الحرب في سوريا واليمن والقضية الفلسطينية وقضايا اللجوء والنزوح، محاور المهام التي يفترض أن تشكل أولويات مهام غوتيريس. لكن المشكل ليس في شخص وانما في هيئة بكاملها التي أصبحت على اعتبار أن الدول الأعضاء غير متعاونة على الإطلاق مع بعضها البعض، فالأمم المتحدة عبارة عن كتلة من الأجزاء وعندما تعمل هذه الأجزاء ضد بعضها البعض فإن النتيجة الحتمية ستكون الجمود والعجز.

ولعل صعود الدول المارقة يطرح تحديات هائلة، بدءاً من إدارتها الحروب بالوكالة، من خلال ميليشيات غير دولية، وانتشار أسلحة الدمار الشامل والإرهاب، مروراً بالنزاعات الدينية والمذهبية والعرقية، وليس انتهاء بالنزاعات على الموارد الطبيعية وموجات الهجرة والاتجار بالبشر، غير أنّ معظم الأزمات تبقى من دون حل، أو في طريق مسدود. ويعود ذلك، أساساً، إلى انقسامات حادة داخل مجلس الأمن الدولي «الهيئة السياسية الوحيدة للأمم المتحدة التي تملك سلطات لحل النزاعات المسلحة».

الحقيقة أن فاعلية الأمم المتحدة وقدرتها على تحقيق أهدافها ظلت ضعيفة من الناحية العملية منذ تأسيسها، حيث لم تستند هذه المنظمة على أي شكل من أشكال القوة الحقيقية التي تؤهلها للقدرة على التأثير من مجريات الأحداث في العالم بحيث ظلت إرادتها مرهونة بإرادة الدول الكبرى والمحصلة النهائية لإرادة الطرف الأقوى من هذه الدول، وبالرغم من استخدام المنظمة عدة وسائل لمواجهة الأحداث وحفظ السلم، إلى أنها قد فشلت في حفظ الأمن الدولي.

لقد أصبح مجلس الأمن يتوسع -نتيجة للسلطة التقديرية التي يتمتع بها- في مفهوم حالات تهديد السلم والعدوان، كما أن هذه الصلاحية الواسعة أصبحت تتعرض لمظهر جديد من الهيمنة يتمثل في تسخير المنظمة العالمية في خدمة المصالح الحيوية للقوى العظمى. وبصفة عامة فإن استفحال ظاهرة التدخل قد تمخض ليس فقط عن التراجع في مصداقية الأمم المتحدة، بل إن التفاعل في المصالح الدولية أخرج الكثير من القضايا التي كانت تعد من صميم الاختصاص الداخلي إلى المجال الدولي.

نقطة الضعف

كما تعتبر علاقة الأمم المتحدة مع العرب «نقطة الضعف» الأبرز في أدائها، حيث تكتفي بدور «المتفرج» وبقيت مقاربتها تراوح مكانها، حيث يظهر جليا في إطار القضية الفلسطينية التي تعبر بشكل صارخ عن تضارب المصالح الدولية منذ أكثر من 68 عاما بعدم تنفيذ قرارات الأمم المتحدة بشأن حل تلك القضية بشكل عادل وبما يضمن حقوق اللاجئين الفلسطينيين.

والواقع أنّ التحديات التي تواجهها المنظمة الأممية، اليوم، لا تقل حدة عن أي وقت مضى. فمزيد من الأزمات تندلع في مزيد من الأماكن، ومزيد من الانتهاكات للقانون الإنساني الدولي وقوانين حقوق الإنسان تحدث بشكل متكرر، ومزيد من البشر أُجبروا على النزوح بفعل الصراعات على نحو غير مسبوق منذ عقود. كما أن عدة حروب أدت إلى مآس وقوضت الاستقرار لاسيما في مناطق عدة من القارتين الإفريقية والآسيوية شنت بدون إذن من قبل المجلس الدولي، ولا تزال المنظمة الدولية عاجزة عاجزة عن مواجهة مشكلة الإرهاب لأسباب عديدة أهمها عجزها اجتثاث الأسباب التي تؤدي إلى الإرهاب أو تغذيه وفي مقدمتها الفقر المدقع الذي لا يزال مشكلة جوهرية حتى في البلدان الصناعية الكبرى.

أدلة

وتوجد عديد من الأدلة على ضعف المنظمة مقارنة بما كانت عليه في الماضي، فالأمم المتحدة لم تكن أحد المشاركين في المحادثات الدولية لتقييد البرنامج النووي الإيراني، رغم أن إحدى مؤسسات الأمم المتحدة (الوكالة الدولية للطاقة الذرية) كانت مكلفة بالمساعدة في تنفيذ بنود الاتفاقية النووية مع إيران، وقد كانت الأمم المتحدة متغيبة أيضا عن الجهود الرامية للتصدي للتحديات الأمنية مثل الحرب في أوكرانيا والتهديدات التي يفرضها البرنامج النووي لكوريا الشمالية.

هامش المناورة

تحرص دول العالم الثالث أكثر من غيرها على تفعيل المنظمة الدولية وذلك نظراً لتقلص هامش المناورة الذي كان متاحاً لهذه الدول في مرحلة الحرب الباردة وبعبارة أخرى، فإن زوال الاتحاد السوفييتي من خارطة العالم وما ترتب على ذلك من انفراد الولايات المتحدة ومجموعة الدول الصناعية الرأسمالية بإدارة النظام الدولي، قد أدى إلى تدني المكانة الدولية للعالم الثالث، وبالتالي فإن بث الفاعلية في الأمم المتحدة من شأنه أن يوفر بعض الأمان لهذه الدول، وأن يتيح لها قناة لتمرير مطالبها تجاه الدول المتقدمة.

فرص وتحديات غوتيريس في سبيل »تصحيح المسار«

تحاول الأمم المتحدة جاهدة لتصحيح مسارها في ظل القيادة الجديدة للمنظمة من قبل البرتغالي أنطونيو غوتيريس بعدما لعبت الدول الكبرى التي تتمتع بحق النقض «الفيتو» دورًا في تقويض أدائه لاسيما في ضوء عرقلة تلك الدول سلسلة من القرارات الهامة، بما وضع المنظمة –عمليًا- موضع المتفرج، فيما لم تؤثر قراراتها وبياناتها في التعاطي بإيجابية مع الأزمات والتوصل إلى حلول سياسية تنهي معاناة الشعوب.

وقال الوكيل السابق لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة السفيرة ميرفت التلاوي لـ «البيان» إن كل المبادئ التي تأسست عليها منظمة الأمم المتحدة تتآكل في الوقت الراهن؛ وذلك لعدم وقوف الدول متكاتفة من أجل حماية القانون الدولي، الأمر الذي قد يؤدي إلى فوضى عالمية. محملة الدول الكبرى المسؤولية عن ذلك.

وتؤكد التلاوي أن تطوير عمل الأمم المتحدة يتحدد بناءً على عدة أسس بداية بأن يكون الأمين العام واسع الإدراك، فضلًا عن التخلي عن سياسة «الكيل بمكيالين» التي تتبعها المنظمة، إذ إن وسائل تطبيق القانون الدولي الإنساني في الوقت الراهن لا تطبق بمعيار واحد؛ والدليل على ذلك أن أجهزة المنظمة لم تتحرك إزاء الحرب الدائرة في سوريا لتطبق القانون الدولي الإنساني فيما يتعلق باللاجئين كما لم تضع القيود المناسبة على المتسببين في الصراع المسلح، مقارنة بما حدث في كوسوفو ورواندا. من جهته أوضح سفير مصر السابق بالأمم المتحدة وواشنطن السفير جلال الرشيدي، أن منظمة الأمم المتحدة قد «شاخت» ويجب أن تُجدد نشاطها بتعديل أدواتها الرئيسية. وأكد لـ«البيان» أن الأمم المتحدة لم تتخذ إجراءات عملية ناجحة إزاء أزمات منطقة الشرق الأوسط، وظلّت قراراتها في سوريا والعراق واليمن وغيرها مُجرد قرارات.

ويرى محللون أنه «لم يكن هناك سبيل إلى تحرير الأمم المتحدة من القيود إلا إلغاء حق النقض‮ ‬الذي كبّلها ‬وجعل العالم أسير مصالح خمس دول، ‬تتحمل اثنتان منها‮ (‬الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ثم روسيا‮) ‬المسؤولية الأولى عن الحالة التي آلت إليها المنظمة الدولية».

تسييس

من جهته أشار مستشار حقوق الإنسان السابق بالأمم المتحدة أشرف الدعدع لـ «البيان» إلى الاتهامات الموجهة للأمم المتحدة بكونها منظمة مسيسة وتضغط عليها بعض الدول لتحقيق أغراضها –وبالتحديد أميركا- وقد ظهر ذلك جليًا في عدد من الملفات من بينها الملف السوري واليمني والعراقي، ومن ثمّ بدأت الكثير من دول العالم تفكر في إشكالية حق الفيتو وضرورة وجود آلية تقوضه، مشددًا على أن كل القرارات الصادرة ضد إسرائيل قامت الولايات المتحدة بالاعتراض عليها باستخدام حق النقض ومن ثم اعتبرت لاغية.

Email