ذهول.. دعوات تماسك ودعاة التفتيت يعلنون الحرب

أوروبا على مفترق طرق

ت + ت - الحجم الطبيعي

زلزل خروج بريطانيا من التكتّل القاري الأرض تحت أقدام الأوروبيين، وأفرز واقعاً جديداً مغايراً وضع قارة على مفترق طرق، إذ لاتزال العواصم الأعضاء في حالة صدمة وذهول وارتباك، ففيما ترى برلين في الخطوة ضربة موجّهة لأوروبا وآلية توحيدها، اعتبرت باريس أن القرار يضع الكل في مواجهة اختبار خطير، وبين هذه وتلك تتعدّد أوصاف عواصم أخرى للصدمة بين من تسميها «الصفعة»، وما بين دعوات التماسك ولعق الجراح، تخرج أخرى هدفها مزيد من الانقسامات.

وحاول الأوروبيون التماسك وإظهار القوّة في وجه الأزمة، إذ اعتبر رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر أنّ تأييد البريطانيين الخروج من الاتحاد لا يعني بدء نهاية التكتل.

ورداً على سؤال حول ما اذا كانت نتيجة الاستفتاء تعني بدء النهاية، قال يونكر: «كلا»، قبل أن يغادر سريعاً المنصة، وسط تصفيق مطوّل من قبل الموظفين الأوروبيين الذين كانوا حاضرين في قاعة الصحافة.

تعجّل خروج

ويبدو التكتّل القاري المثخن بجراح القرار، متعجّلاً للفراغ من إجراءات الخروج، إذ صرح مسؤولون كبار بأنّه يتعيّن على بريطانيا أن تبدأ المفاوضات بشأن خروجها بأسرع وقت ممكن لتجنب حالة الغموض.

وقال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك وجان كلود يونكر ورئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتس ورئيس الوزراء الدنماركي مارك روته في بيان: «نتوقع الآن من حكومة المملكة المتحدة أن تدخل قرار الشعب البريطاني حيز التنفيذ في أقرب وقت ممكن، رغم مدى القسوة التي يمكن أن تكون عليها هذه العملية».

ولم يكن وقع الصدمة سهلاً، حيث اعتبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أنّ «خروج بريطانيا ضربة موجهة إلى أوروبا»، مشيرة إلى أنّها دعت الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ورئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك إلى عقد اجتماع في برلين الاثنين. وحذّرت من ردود الفعل السريعة من جانب الدول الـ 27 الأعضاء في الاتحاد، داعية إلى عقد قمة رباعية لمناقشة العواقب.

بدوره، أشار وزير الخارجية الألماني فرانك فالترشتاينماير إلى أنّ على الزعماء الأوروبيين العمل للحفاظ على تماسك أوروبا «وألا ننزلق إلى الهستيريا والصدمة، آمل أن نتمكن أن نبعث برسالة مشتركة للمستقبل».

اختبار قاس

ولم يكن طعم القرار أقل مرارة في فم الفرنسيين، إذ شدّد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند على أنّ التصويت البريطاني اختبار قاس ومؤلم وتحد خطير لأوروبا، مشيراً إلى أنّه يحترم القرار، وأنّ المفاوضات بشأن الخروج يجب أن تتم على جناح السرعة.

ولفت هولاند إلى أنّ على الاتحاد التركيز على أولوياته الرئيسية مثل الأمن والدفاع وحماية الحدود وتوفير الوظائف، فضلاً عن تقوية منطقة اليورو.

صدمة أوروبيين

ويظهر أثر الصدمة في ردود أفعال معظم الأوروبيين، إذ ذكر القائم بأعمال وزير خارجية كرواتيا ميرو كوفاتش أن انسحاب بريطانيا يعد بمثابة صفعة لوحدة الاتحاد، ويبدو جلياً استياء الناخبين البريطانيين من طريقة عمل الاتحاد.

وقال كوفاتش لقناة «إن1.» التلفزيونية، إنها «صفعة لوحدة الاتحاد وهذا يتعين قوله بوضوح، الآن يتعين أن نرى كيفية تنظيم الاتحاد بشكل أكثر فعالية وكيفية إعادة صياغته، اللحظة سيئة للغاية، في الوقت الذي مازلنا نتعافى فيه من أزمات الهجرة والديون». وبسؤاله عن تداعيات الانسحاب على توسيع عضوية الاتحاد الأوروبي، قال إن بلاده لاتزال تريد ضم دول البلقان، لكن من الواقعي أن نتوقع تباطؤاً في العملية.

وفيما وصف رئيس الوزراء السويدي ستيفان لوفين نتيجة الاستفتاء بأنّها «نداء للاستيقاظ».. شدّد نظيره الإسباني ماريانو راخوي على أنه يتعين إصلاح الاتحاد الأوروبي بعد تأييد البريطانيين لخروج بلدهم منه على أن ينصب التركيز على النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل والاندماج بشكل أكبر.

شراكة حلف

وطمأن حلف شمال الأطلسي بأنّ بريطانيا ستبقى شريكاً قوياً وملتزماً للحلف. وأكّد الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ في بروكسل، أنّ بريطانيا ستواصل لعب دورها القيادي داخل الحلف، مضيفاً أنّ «حلفاً قوياً موحداً ومصمماً يبقى عامل استقرار أساسياً لعالم تعصف به الأزمات، ومفتاحاً رئيسياً للسلام والأمن الدوليين».

دعاة انفصال

وعلى الضفّة الأخرى تسعى بعض الأحزاب الأوروبية إلى استغلال الحدث والسعي إلى إجراء استفتاءات مماثلة في دول أخرى من التكتّل، ففيما ذكرت زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف في فرنسا مارين لوبان أن خروج بريطانيا من الاتحاد يمنح الشرعية لحملة حزبها إجراء استفتاء مماثل في فرنسا، أشارت إلى أنّ النقاش بشأن أوروبا سيلعب دوراً مركزياً في الانتخابات الرئاسية الفرنسية 2017.

وهنأت الأحزاب المتشككة من الاتحاد بريطانيا على خروجها من الكتلة الأوروبية، إذ أشادت النائب البرلمانية وابنة اخت لوبان وحفيدة مؤسسة الجبهة الوطنية جان ماري لو بهذا الانتصار وكتبت في تغريدة لها على «تويتر» من انسحاب بريطانيا إلى انسحاب فرنسا من الاتحاد الأوروبي: حان الوقت الآن لتحقيق الديمقراطية في بلدنا، يتعين أن يكون لدى الفرنسيين الحق في الاختيار!.

وقال زعيم حزب الحرية الهولندي خيرت فليدرز إن «بريطانيا تظهر لأوروبا الطريق نحو المستقبل والتحرر، حان الوقت لبداية جديدة، تعتمد على قوتنا وسيادتنا. وأيضا في هولندا».

استمرار علاقة

ولم تقتصر ردود الأفعال على الأوربيين فقط، فقد أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما، أنه يحترم قرار بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي، مشددا على أن العلاقات مستمرة بين بلاده وبريطانيا.

وقال أوباما في بيان: «قال شعب المملكة المتحدة كلمته ونحن نحترم قراره، المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي سيبقيان شريكين لا يمكن الاستغناء عن أي منهما بالنسبة إلى الولايات المتحدة حتى عندما يبدآن التفاوض بشأن طبيعة العلاقة المستمرة بينهما».

Email