مشاكل في روسيا وضعف ألمانيا واليابان وتقلب أسواق العملات

المرحلة الراهنة تستعيد أزمات نهاية التسعينيات

ت + ت - الحجم الطبيعي

الانهيار المالي في روسيا، وهبوط أسعار النفط مقابل الدولار، والتهافت على الذهب في وادي السيليكون، والضعف الذي تشهده ألمانيا واليابان، وتقلب العملات في الأسواق الناشئة من البرازيل إلى إندونيسيا، ووجود رئيس ديمقراطي محاصر في البيت الأبيض.

هل هذه ملامح الختام في 2014، وبداية توقعات 2015 أو انعكاس لصورة أحداث أواخر التسعينيات؟ لقد سيطرت الأزمة المالية التي اندلعت في 2008-2009 على تاريخ الاقتصاد الحديث بقوة تكفي لمحو ما حصل خلال العقود السابقة، إلا أن العودة 15 سنة إلى الوراء قد ترشد العالم إلى بعض الموجبات والممنوعات،

ففي ذلك الوقت، كانت الولايات المتحدة، كما اليوم، في طليعة الثورة الرقمية. وشكل الإقبال على عالم الإنترنت نقطة الانطلاق نحو فورة من الابتكارات، ونشر جواً من الارتياح حيال مستقبل مأمول لأميركا.

ومع حلول العام 1999، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي، وتراجعت البطالة، وتزاحمت الاستثمارات الأجنبية، فارتفعت قيمة الدولار وأسعار الأسهم. وارتفع مؤشر أسهم «إس و بي 500»، وحلقت أسعار أسهم شركات التكنولوجيا عالياً.

ثلاثة تيارات

كذلك الدول الموازية لأميركا لم تكن بحالة مثالية، وشكلت الصين الفارق الأكبر، حيث لعبت دوراً في أحداث 1999، وهي تشكل اليوم ثاني أكبر اقتصادات العالم، وأسهمت بشكل غير متكافئ في النمو العالمي، إلا أن هناك ثلاثة تيارات عملية، زعزعت العالم في ذلك الوقت، وقد تفعل اليوم المثل.

يتمثل التيار الأول في الثغرة بين أميركا، سريعة النمو، وبقية أنحاء العالم، حيث الوتيرة تسير ببطء.

وفي مطلع التسعينيات، حذر لاري سامرز نائب وزير الخزانة الأميركي آنذاك من أن الاقتصاد العالمي «يحلق بمحرك وحيد». ويتوقع في العام 2015، أن يصل النمو في الولايات المتحدة إلى ثلاثة في المئة مقابل 1.1 في المئة في اليابان، ومنطقة اليورو، في حين أن اقتصاد اليابان قد يتراجع إلى حدود سبعة في المئة.

يمكن للأميركيين تعزية أنفسهم بأن الوظائف تشهد نمواً أسرع من أي وقت مضى منذ العام 1999، وأن انخفاض أسعار النفط قد حفز الإنفاق الاستهلاكي، ودفع عجلة استثمارات الأعمال، علماً بأن قوة الدولار مقابل الضعف الخارجي تضر بالمصدرين، وأن بريطانيا قد تتأذى من مشكلات منطقة اليورو.

التيار الثاني المقلق، بالتوازي مع أواخر التسعينيات، يكمن في المشهد المحزن لاثنين آخرين من أغنى اقتصادات العالم، فقد تراجعت وتيرة النمو في ألمانيا إلى نحو واحد في المئة، مصحوبة بضائقة أكبر ناجمة عن سنوات من نقص الاستثمارات، واعتماد سياسة طاقة كارثية، وحكومة مهووسة بأهدافها المالية وممتنعة عن الإنفاق وخائفة من مطالبة الناخبين بإصلاحات هيكلية.

أما اليابان فقد كررت خطأ عام 1997، وهربت من الركود نحو فرض ضريبة استهلاك سابقة لأوانها.

التيار الثالث الذي يردد صدى التسعينيات يكمن في خطر الأسواق الناشئة، وقد تم التعامل مع ذلك الخطر في حينها عبر تثبيت أسعار الصرف وديون أجنبية ضخمة. واليوم، على الرغم من تراجع حجم المديونيات، وتشكيل الحكومات احتياطاتها، هناك مؤشرات على وجود مشكلات في روسيا، ومصدري السلع والنفط في أفريقيا، وديون الشركات البرازيلية.

حذارِ من المخلفات

يبدو العام 2015 مليئاً بالمطبات، في ضوء تلك الوقائع. روسيا ستراهن على أن ارتفاع الدولار، بالتوازي مع سبات منطقة اليورو، وأزمة الأسواق الناشئة سيولد كساداً في أميركا، أما من الناحية الأكثر إشراقاً، فإن أسواق البورصة لا تبدو عبثية كما في التسعينيات.

والنظام المالي العالمي أقل مديونية، وبالتالي أقل عرضة لعدوى الانهيار، لكن إذا انهار الاقتصاد العالمي، فستكون استعادة الاستقرار أكثر صعوبة هذه المرة، لأن صناع القرار لا يملكون سوى مساحة ضيقة للمناورة.

أما المشهد السياسي فسيكون مختلفاً كذلك، وليس بشكل جيد، ففي نهاية التسعينيات استفاد معظم الناس في الدول الغنية من ثمار فورة الازدهار، وارتفع متوسط أجور الأميركيين بين الأعوام 1995و2000. ومنذ العام 2007 وهو لا يزال ثابتاً، في حين تراجع في بريطانيا ومعظم منطقة اليورو.

اليوم، يشعر معظم ناخبي الدول الغنية بالظلم من الحكومات، كما تظهر الاستطلاعات، ومدى الاستعداد للتصويت للأحزاب المعارضة. وإذا استمر الضغط حتى العام المقبل، فإن الاستياء قد يتحول إلى غضب. ربما اقتصاد العام 2015 يبدو مشابهاً لأواخر التسعينيات، إلا أن الوضع السياسي قد يفوقه تفاقما على الأرجح.

أميركا والعالم

شكلت حالة التفاؤل في أميركا نقيضاً ساطعاً للأجواء الضبابية في العالم، كما هو الوضع اليوم، فشهد اقتصاد اليابان انكماشاً عام 1997، في حين وصفت ألمانيا بـ«رجل أوروبا المريض»، ووقعت الأسواق الناشئة في أزمة: فبين العامين 1997 و1999 شهدت البلدان الممتدة من تايلاند إلى البرازيل تراجع العملات مقابل هروب رؤوس الأموال الأجنبية، والعجز عن سداد الديون المستحقة بالدولار الأميركي.

ودخلت أميركا بالتالي في ورطة، وانفجرت فقاعة أسهم شركات التكنولوجيا مع مطلع العام 2000، ودفعت باتجاه تدني أسعار الأسهم على نطاق أوسع. وتراجعت استثمارات الشركات، لا سيما التكنولوجية، وتدهورت أسعار الأسهم، وتضاءل عدد المستهلكين. وغرقت أميركا، كما معظم الدول الغنية، في مطلع عام 2001 في ركود، وإن كان معتدلاً.

Email