رئيس الهيئة سمير العنابي لـ «البيان»:

مكافحة الفساد في تونس حبر على ورق

ت + ت - الحجم الطبيعي

كشف سمير العنابي رئيس الهيئة الوطنية التونسية لمكافحة الفساد، عن أن الهيئة تلقت أكثر من 11 ألف ملف غير أنها لم تحل إلى القضاء إلا 400 ملف، مشيراً إلى أنّ «الوضع في تونس لم يتغير وأنّ ظاهرة الفساد لا تزال تتفاقم، لاسيّما ما يسمى بالفساد الصغير الذي يتمثّل في الرشوة والمحسوبية والغش في مسابقات التوظيف بالقطاع العام والتهرب الضريبي ورشوة مسؤولين في إدارات عامة بهدف تسريع قضاء شؤون متعاملين مع الإدارة أو تجنيبهم غرامات مالية كانت ستسلط عليهم بسبب ارتكابهم مخالفات للقانون.

ودعا العنابي إلى تشكيل لجنة وطنية متخصصة ومستقلة للكشف عن ملفات الفساد المتعلقة بالنفط، منادياً بضرورة الإسراع في المصادقة على مشروع القانون المتعلق بإحداث هيئة الحوكمة الرشيدة ومقاومة الفساد التي نص عليها الدستور.

وفي ما يلي نص الحوار بين العنابي و«البيان»:

 بصفتكم رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد كيف تنظر إلى مشروع قانون المصالحة الوطنية؟

 نحن في الهيئة لم نتخذ موقفاً من المشروع لأسباب عدة أهمها أنه لم تقع استشارتنا حوله رغم أننا معنيون به بدرجة أولى، ولم يتم التنسيق معنا لذلك خيّرنا أن لا نتخذ موقفا، وأن نكتفي بالصمت في انتظار اجتماع مجلس الهيئة، شخصياً كنت أتمنى لو أن الجهة التي بادرت بإطلاق المشروع تشاورت معنا ولكن ذلك لم يحدث.

 ما موقفكم من المصالحة؟

 نحن مع روح المصالحة وهذا مبدأ نتمسك به، لكن طريقة تقديم مشروع القانون المتعلق بالمصالحة المالية والاقتصادية لم تكن سليمة، وربما فيه ما يشير إلى رغبة في تصفية حسابات شخصية على ظهر المؤسسات، وانطلاق من موقف شخصي أستطيع القول إنّ هناك ارتجالاً وعدم كفاءة فنية في صياغة مشروع القانون.

 أنت عرضتم ملفات على القضاء فما الذي أخر النظر فيها؟

 هناك إشكال حقيقي، والملفات المهمة موجودة أمام القضاء فعلاً، ولكنني أعرف طبيعة العمل القضائي في بلادنا وأعرف ما يعانيه من بطء في الحسم خصوصا أمام الملفات المتشعبة، أقول إنّ القضاء التونسي بات جزءا من اللعبة السياسية، بل وبتنا أمام خطر ما يمكن تسميته بدولة القضاة في حين يفترض بالقضاء أن يكون بعيدا عن السياسة.

 ملفات فساد

 كم يبلغ عدد ملفات الفساد المعروضة عليكم؟

 يقارب العدد الجملي للملفات التي وصلت الهيئة 11800 ملف فساد أحالت منها أكثر من 400 ملف على القضاء، وهي تشمل مختلف القطاعات على غرار النقل والخدمات الإدارية والجمارك والطاقة وغيرها، كما هناك حوالي 800 ملف آخر تم عرضه على القضاء مباشرة من قبل الوزارات المتخصصة، غير أن المحاكم لم تنظر حتى الآن سوى نحو 10 في المئة من الملفات.

 هل لديك اطلاع على مضامين الملفات؟

 في الحقيقة لم أطّلع عليها جميعا نظراً لالتزاماتي في إدارة المعهد الأعلى للمحاماة، ولكن النظر في الملفات ليس مرتبطا برئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد فحسب، بل إن هناك لجاناً فنية مختصّة تقوم بفحص الملفات ومعالجتها وتصنيفها، في انتظار استكمال تكوين المجلس المحدد لاستراتيجية، علماً أن هناك من الملفات الواردة والشكايات ما لا يشتم منه فعلا رائحة فساد.

 البعض يتحدث عن فشل ذريع في مقاومة الفساد؟

للأسف أستطيع القول إن مشروع وضع استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد في تونس بقي حبراً على ورق، رغم مرور أكثر من عام على بداية صياغته، والسبب يعود إلى غياب التخطيط المسبق وعدم الأخذ في الاعتبار بالعراقيل والصعوبات المحتملة، كذلك الصعوبات التي اعترضت المشاركين في صياغة مختلف جوانب الاستراتيجية ومنها عدم وجود مفهوم دولي واضح للفساد، حيث إن الرشوة مثلا هي جزء بسيط من الفساد، خلافا لما قد يظنه العامة من أنها الوجه الأساسي لهذه الظاهرة.

 استغلال قوانين

 هل هي مشكلة قوانين أم مفاهيم؟

 النظام السابق استغل القوانين التي تبدو في ظاهرها جيدة، لافتكاك الممتلكات الدولية والخاصة، على غرار قانون إنقاذ المؤسسات التي تمر بصعوبات وقانون رفع التجميد عن الرسوم العقارية، لذلك فإن المشاكل المتعلقة بالمفاهيم، لم تمكن تونس من معالجة ظاهرة الفساد، لاسيّما مع عدم وجود قدرات بشرية متخصصة في المجال وندرة الإمكانيات المالية الضرورية، فضلاً عن عدم استكمال الهيكلة القانونية.

 هل يمكن القول إنّ هناك عراقيل تواجه برنامج مقاومة الفساد؟

 طبعاً هناك صعوبة في التعامل مع جرائم الفساد تعود إلى كونها معقدة وخفية مقارنة ببقية الجرائم العادية، لكن ذلك لا يمكن أن يحول دون مكافحتها، إنّ جريمة الفساد تتطلب اليوم تغيير السلوك الأخلاقي المجتمعي وإرساء نظام العدالة الإصلاحية الذي يقوم على مبدأ المحاسبة وليس على مبدأ الانتقام، فضلا عن استكمال وضع استراتيجية متكاملة وشاملة في مجال مكافحة الفساد لضمان النجاعة والفاعلية.

 أعتقد أنه من الضروري تنظيم حملات تستهدف العقليات والسلوكيات المتعلقة بالفساد وتسليط الضوء على انعكاساته السلبية على المجموعة الوطنية.

 وماذا عن مشروع هيئة الحوكمة الرشيدة ومقاومة الفساد الذي لم ير النور بعد؟

 في أكثر من مناسبة دعونا إلى الإسراع في المصادقة على مشروع القانون المتعلق بإحداث هيئة الحوكمة الرشيدة ومقاومة الفساد التي نص عليها الدستور، وأعتقد أنه من الضروري أن تتولى هذه الهيئة الدستورية الإشراف على إعداد مشاريع القوانين المتعلقة بمقاومة الفساد وعرضها على مجلس نواب الشعب باعتبارها الجهاز التنسيقي في هذا المجال، كما بات من الضروري جمع مشاريع القوانين التي يتم إعدادها ضمن مشروع قانون موحّد في نطاق مقاربة شمولية حول مكافحة الفساد، إذ لا يعقل أن نضيع الجهود والأموال في إعداد مشاريع مختلفة قد تتعارض فيما بينها.

 كما إنه من الضروري استكمال وضع استراتيجية متكاملة وشاملة في مجال مكافحة الفساد لضمان النجاعة والفاعلية، وأعتقد أن هناك إرادة اليوم من قبل الحكومة ومجلس نواب الشعب لبذل الجهود في هذا المجال، لاسيّما وأن الفصل 125 من الدستور ينص على إنشاء هيئة الحوكمة الرشيدة ومقاومة الفساد، على أن تتمتع بالاستقلالية المادية والإدارية وتتولى رصد حالات الفساد في القطاعين العام والخاص والتقصي فيها والتحقق منها وإحالتها على الجهات المعنية، ويتم استشارة الهيئة وجوباً في مشاريع القوانين المتصلة بمجال اختصاصها، وهى تتكون من أعضاء مستقلين محايدين من ذوى الكفاءة والنزاهة حسب ما جاء في الدستور. أضف إلى ذلك أن العديد من المواثيق الدولية والإقليمية التي تعني بتعزيز النزاهة في القطاع العام تنص على أهمية إيجاد مثل تلك المنظومة كجزء أساسي من إطار شامل فعال لمكافحة الفساد.

 تعاون مكثف

 ما مدى تعاونكم الخارجي في هذا المجال؟

 لدينا تعاون دولي مكثف بل إننا نعتمد في جانب مهم من عملنا على هذا التعاون نظرا لضعف إمكانياتنا المحلية، ونحن نعتمد على العون الدولي خصوصا مع وجود سعي عالمي لتشبيك الحرب على الفساد من خلال تأسيس شبكة دولية في هذا المجال، من المنتظر أن تصل إلى حد بعث محكمة دولية للنظر في القضايا المتعلقة بالفساد والفاسدين وتحويل الفساد إلى جريمة عالمية.

 هناك حدث في تونس عن اتساع دائرة الفساد بعد الثورة؟

 الأوضاع لم تتغيّر، بل هناك تفاقم لظاهرة الفساد الصغير وتحديداً الرشوة والمحسوبية والغش في مسابقات التوظيف بالقطاع العام والتهرب الضريبي ورشوة مسؤولين في إدارات عامة بهدف تسريع قضاء شؤون متعاملين مع الإدارة أو تجنيبهم غرامات مالية كانت ستسلط عليهم بسبب ارتكابهم مخالفات للقانون، وبعد الثورة شهد الفساد الصغير ارتفاعا كبيراً وطال كل القطاعات، وهو يزداد انتشاراً في حين أنّ الفساد الكبير الذي ضلعت فيه سابقا عائلتا زين العابدين بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي توقف بعد الإطاحة بنظام بن علي لأنّه لم تعد هناك مشاريع وصفقات كبرى تدر أموالاً طائلة.

 هل تعتقد أن الهيئة نجحت في القيام دورها؟

 إن ما يحدث ما هو إلا خطوات أولى لمقاومة هذه الظاهرة لأنّ العملية معقدة جداً وتتطلب اختصاصات كثيرة لأنّ معالجة الفساد هي معالجة جديدة وحتى على المستوى العالمي هي ظاهرة متغلغلة في القدم لكن مسألة مكافحتها تعد جديدة، الاستراتيجية الأولى لمكافحة الفساد التي سيعلن عنها اليوم ما هي إلا خارطة طريق بإمكانها أن تساعد في مقاومة هذه الظاهرة.

 وماذا عن الفساد في ملف النفط الذي كثر حوله الحديث؟

كل قطاعات الاقتصاد وعلى جميع مستويات القرار وفي مختلف مناطق البلاد مسّها الفساد، ومنها بالطبع قطاع النفط الذي توجد صعوبات في التحقيق حوله بسبب قوة الطرف المقابل وأعني به الشركات متعددة الجنسيات ذات الإمكانيات العالية والتقنيات الحديثة في إخفاء المعلومات، وملف النفط لا يمكن لأية جهة أن تخترقه بمفردها لذلك كنت دعوت سابقا إلى إنشاء لجنة متخصصة ومستقلة وخاصة به تجد الدعم الكامل من قبل أجهزة الدولة.

أموال مستردّة

 كشف رئيس الهيئة الوطنية التونسية لمكافحة الفساد، عن أنّ ما تمّ استرداده من الأموال المنهوبة والمهربة إلى الخارج هو مبلغ بسيط جداً لا يتجاوز 30 مليون دولار، مشيراً إلى أنّ «هناك مبلغ 60 مليون فرنك سويسري ربما يتم الحصول عليه قريبا».

 ولفت إلى أنّ نحو 90 في المئة من الأموال المهربة لا تحمل الهويات الأصلية لأصحابها، وإنما تنسب إلى مؤسسات صورية أو تحمل أسماء أخرى وهمية مع وجود بعض الأملاك العقارية.

Email