تقليص مواجهة واشنطن مع موسكو يصطدم بعقبات عديدة

الندّية وتبريد بؤر التوتر يمهّدان لاتفاق بوتين وترامب

علاقة بوتين مع ترامب مستقبلاً تثير التساؤلات | أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

ماذا يجري بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب؟ كان هذا السؤال معلقاً في الأجواء أثناء الانتخابات الأميركية. والآن، بعد أن فاز ترامب بالرئاسة، من المفترض أن مسألة علاقته مع الزعيم الروسي قد اكتسبت أهمية عالمية.

وبوضوح، ستحاول أميركا في عهد ترامب عقد اتفاق مع روسيا في ظل رئاسة بوتين. لكن كيف سيبدو هذا الاتفاق؟

سوف تنهي الولايات المتحدة معارضتها لضم روسيا شبه جزيرة القرم. وعلى الرغم من أنها قد لا توافق على الضم القانوني الرسمي لشبه جزيرة القرم إلى روسيا، إلا أنها ستقبل به بحكم الأمر الواقع. ويلي ذلك، سوف ترفع الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية عن روسيا.

وسوف يتخلى الأميركيون أيضا عن أي مقترحات بشأن انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى حلف شمالي الأطلسي «الناتو». وفي مقابل تلك التنازلات الكبيرة، من المتوقع أن تحد روسيا من تدخلها في شرق أوكرانيا ووقف محاولة قضم مزيد من الأراضي هناك، كما يتوقع أن يتم إسقاط الضغوط والتهديدات الضمنية الروسية ضد دول البلطيق، استونيا ولاتفيا وليتوانيا، وأن يجري تخفيض مستوى التوترات العسكرية على خط الجبهة بين الناتو وروسيا.

وبتهدئة نزاعاتهما في أوروبا الشرقية، فإن الولايات المتحدة وروسيا سوف تصيغان قضية مشتركة في الشرق الأوسط. سوف تتخلى الولايات المتحدة عن التزامها بإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد في سوريا، وتنضم إلى الروس في الهجوم على تنظيم «داعش».

مواقع الجذب

مواقع الجذب في هذا الاتفاق من وجهة نظر ترامب واضحة. إذا نجحت جهوده، فإنها سوف تقلص مخاطر المواجهة المتزايدة بين الولايات المتحدة وروسيا. خلال حملته الانتخابية، اتهم ترامب المرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية هيلاري كلينتون بالمخاطرة بحرب عالمية ثالثة، بالإشارة إلى وعدها بإعلان «منطقة حظر طيران» فوق سوريا.

تخفيف التوترات في أوروبا الشرقية تمثل أيضا جائزة كبيرة، أخذا في الاعتبار أن روسيا نقلت أسلحة نووية إلى جيب كاليننغراد، الواقع بين بولندا وليتوانيا. وأخيرا، فإن رفع العقوبات الاقتصادية وعودة التجارة إلى مجاريها كالمعتاد يشكلان مصدر جذب لرجل الأعمال الذي يمثله ترامب.

لكن فيما مواقع الجذب لهذا الاتفاق واضحة، فإن المزالق المحتملة كبيرة. أولاً، التحالف مع من يسقط القذائف على حلب ينطوي على مستوى من انعدام البعد الأخلاقي الذي من شأنه أن يؤدي إلى إثارة غضب الكثيرين في أميركا وأوروبا.

ثانياً، يتضمن الاتفاق وضع الكثير من الثقة في استعدادات بوتين للحفاظ على الجانب المتعلق بروسيا في الاتفاق، وذلك في مقابل استفادة بوتين من التنازلات الغربية وقبض ثمنها، والعودة من أجل المطالبة بالمزيد ربما في دول البلطيق.

وكان رئيس مجلس النواب السابق نيوت غينغريش، الذي من المتوقع أن يتولى منصبا كبيرا في عهد ترامب، قد قال أخيرا إن استونيا هي في «ضواحي سانت بطرسبورغ»، الأمر الذي لا يشير إلى التزام لا لبس فيه باستقلال تلك البلاد.

انعدام الجانب الأخلاقي في تشكيل قضية مشتركة مع الرئيسيين الأسد وبوتين من غير المرجح أن يزعج ترامب. فقد قال في وقت مبكر من الحملة: «بلادنا تقوم بكثير من أعمال القتل أيضاً»، وقد أيد ترامب عمليات التعذيب.

اقتراح مختلف

وسيمثل أي اتفاق بناء على هذه الخطوط عودة أساسا إلى مقاربة الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون لموسكو، مع محاولة البيت الأبيض الوصول إلى شكل جديد من الانفراج مع الكرملين.

ومن الممكن أن يقوم هنري كيسنجر البالغ من العمر 93 عاما، والذي خدم وزيراً للخارجية في عهد نيكسون، بدور مستشار أو وسيط. وما زال كيسنجر يسافر بشكل واسع، وقد دعي إلى موسكو أخيراً.

لكن في السبعينات، كان كيسنجر يتعامل مع اتحاد سوفييتي بقيادة رئيس حذر نسبياً، هو ليونيد بريجنيف، فيما تمثل محاولة انفراج جديدة مع بوتين المجازف اقتراحاً مختلفاً، وتنطوي على المزيد من الخطورة.

مجازفة

ستكون مجازفة كبيرة للرئيس الأميركي الجديد الثقة بنظيره الروسي المتمرس والمراوغ. إذا تنكر بوتين لوعوده، فإن ترامب سيبدو مخدوعا، وهو يكره هذا الأمر.

وفي النهاية، يعتمد الأمر على الطريقة التي سيقيم بها ترامب ومستشاروه الدوافع الروسية. نظام السياسة الخارجية في واشنطن بمعظمه سيحذر ترامب، داعيا إياه ليكون كثير التشكيك ببوتين.

لكن مدرسة فكرية منافسة تجادل بأن ما يريده بوتين، في النهاية، هو الاحترام. وتعتقد هذه المدرسة أنه إذا عاملت واشنطن موسكو كندّ لها، فإن «اتفاقاً جديداً» مع روسيا هو أمر محتمل.

Email