المراقبون يصفونها بتطور كبير للنهج الأميركي

معركة الموصل اختبار لنموذج مكافحة الإرهاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

وصل الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى البيت الأبيض متعهداً بإنهاء التدخل العسكري لبلاده في العراق. ولكن بعد مرور ثماني سنوات على ولايته، قال إنه سيغادر منصبه وأميركا تعيش لحظة حاسمة بالنسبة إلى تطور مشاركتها في العراق.

إن معركة استعادة الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق، ومركز النزعة العربية السنية، ومكان إعلان زعيم تنظيم "داعش"، أبو بكر البغدادي، لخلافته المزعومة في عام 2014، ستكون لها تأثيرات بعيدة المدى.

وبالنسبة إلى العراق، الذي بدأ الهجوم العسكري، أخيراً، بدعم أميركي، فإن النتيجة قد تحدد آفاق بقائه كدولة موحدة تضم الشيعة والسنة والأكراد.

أما بالنسبة إلى أميركا، فإن المعركة تتشكل كاختبار رئيسي، ليس لنفوذها في المنطقة فحسب، بل أيضا للنموذج الجديد المحتمل لمكافحة الإرهاب. ويقول إيلان غولدنبرغ، مدير برنامج أمن الشرق الأوسط في مركز الأمن الأميركي الجديد بواشنطن: "الأمر الذي أوجده أوباما هو وسيلة جديدة لشن معركة مكافحة الإرهاب، بحيث أنها طريقة لا تنجزها، بالكامل، خطة جورج بوش لنشر 150 ألف جندي، ولا نهج أوباما الأولي، بعدم إرسال أي جندي".

وأضاف: "إذا نجح ذلك النموذج الجديد المؤلف من عدد صغير، نسبيا، من القوات الأميركية، مع قوات الأمن المحلية، وذلك في المساعدة على استعادة السيطرة على مدينة كبرى، فإنه سيمثل الاتجاه الثالث المستدام للتعامل مع الملاذات الإرهابية التي تهدد الأمن القومي الأميركي".

ويقول خبراء إقليميون إن معركة استعادة مدينة يقطنها مليون مدني، وذلك من منظمة إرهابية، ستقطع شوطا طويلا في تحديد المصداقية الدبلوماسية والعسكرية الأميركية في المنطقة لسنوات مقبلة. كما إن بعض الحلفاء ممن اعتادوا، منذ فترة طويلة، على ميل أميركا للتصرف بشكل قوي، قد زاد لديهم شعور الاضطراب، وذلك مع توجه باراك أوباما لأن تسمح بلاده للآخرين بالقيام بالإجراءات بدلا من كونها قائداً أو محرضا لتلك الأفعال.

وأفاد جيمس جيفري، الذي شغل منصب السفير الأميركي لدى العراق من عام 2010 حتى 2012، بأنه في حال إتمام تلك المعركة بنجاح، فإنها ستسهم في استعادة بعض الثقة في القدرات العسكرية الأميركية، وفي الوقت نفسه، استعادة بعض المصداقية بالتزام بلاده بالعمل مع الأصدقاء والحلفاء في المنطقة.

وبتلك الطريقة، تمثل مدينة الموصل تطورا كبيرا لنهج أوباما في الشرق الأوسط، "القيادة من الخلف". ففي عام 2011، على سبيل المثال، سمح الرئيس الأميركي، إلى حد كبير، بقيادة البلدان الأوروبية عمليات ضد الرئيس الليبي المخلوع معمر القذافي. وفي الوقت الذي يلعب الجيش الأميركي، بشكل جلي، دوراً مسانداً للجيش العراقي في الموصل، فإنه يتسلم دورا مركزيا في التخطيط والإشراف على العملية العسكرية. ويقول جيمس جيفري، وهو حالياً زميل بارز في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: "نحن نرى في الموصل نوعا مختلفا من المشاركة حيث، بدلا من التنحي جانباً، نثبت التزامنا من خلال المشاركة في القتال"، وذلك من خلال القيام بدور رائد في المعركة.

تؤكد أميركا للعراقيين أن قادتها لن يبتعدوا في حال أصبح الوضع أصعب، بل ستشارك في المعركة مع العراقيين. وهو ما يأتي بصورة مختلفة حتى بالنسبة إلى معارك أخرى في العراق ضد تنظيم "داعش".

ويرجع ذلك بشكل جزئي لأن أميركا تريد أن تشهد تنفيذ الحملة العسكرية، لأقصى حد ممكن، بطرق تتفادى فيها السكان المدنيين، وتقلل فرص وقوع كوارث إنسانية، وتخمد النيران الطائفية بين السنة والشيعة والأكراد .

إن الهدف الأساسي من المعركة داخلي، يتمثل بتعزيز الحكومة العراقية باعتبارها القوة المركزية، لتوحيد كل الفصائل السياسية والطائفية في البلاد.

لقد كتب أنتوني كوردسمان ، وهو محلل أمن الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن يقول: "إن النجاح في الموصل والعراق سيحقق الكثير لاستعادة مصداقية ونفوذ أميركا، كما سيساعد على موازنة النجاح الروسي في سوريا، والحد من دور إيران، واستعادة قدر من الثقة من جانب حلفائنا العرب الآخرين". ومن شأن ذلك النجاح أن لا يكون علاجا لكل شيء.

ثمار

حتى الآن، تمكنت أميركا من الحفاظ على المصالح المختلفة، كما أن الأشهر الستة من الجهود الدبلوماسية، التي سبقت المعركة، قد بدأت تؤتي ثمارها. ويتفق المراقبون على أن استعادة الموصل من المرجح أن تكون بداية النهاية لتنظيم "داعش"، وذلك كمنظمة متكاملة ذات امتداد عالمي.

ولكن ذلك لا يعني نهاية "داعش" نهائياً، بيد أن تلك المعركة تضع منتسبي التنظيم الإرهابي في عمق المراحل النهائية من وجودهم، وتحد من قدرتهم على شن هجمات بعيدة.

وفي الوقت ذاته، فإن الاختبار الحقيقي للموصل، وللنموذج الأميركي الجديد لعمليات مكافحة الإرهاب.

Email