مدّ العولمة في اتجاه معاكس بتداعيات قوية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تثير قضية الهجرة، عدداً من المسائل المحددة، فحقبة العولمة لم يصاحبها التزام عام بتحرير التدفق البشري، لذا، سيتم التركيز هنا على التجارة وتدفق رأس المال، حيث إن الدليل في هذين المجالين، يبدو أكثر وضوحاً. لقد بلغت العولمة مرحلةً من الاستقرار، وهي تشهد في بعض الأماكن، السير بطريقة عكسية.

وأشار تحليل صادر عن معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، إلى أن معدلات التجارة العالمية بالنسبة للإنتاج، اتسمت بالكساد منذ عام 2008، في فترة ركود هي الأطول منذ الحرب العالمية الثانية. كما أفادت معلومات تقرير، تحذير التجارة العالمية بأن حجم التجارة العالمية قد شهد ركوداً كذلك بين يناير 2015 ومارس 2016، على الرغم من استمرار نمو الاقتصاد العالمي.

اتجاه معاكس

وبناءً عليه، فإن الحوافز المحركة باتجاه التكامل الاقتصادي، قد أصابها الركود، بل وسارت باتجاه معاكس في بعض النواحي. لم تعد العولمة، المحرك الذي يدفع عجلة النمو العالمي. وإن كانت العملية قد وصلت إلى خواتيمها بالفعل، أو بدأت تسير بالاتجاه المعاكس، فإنها لن تكون المرة الأولى منذ الثورة الاقتصادية التي سطرت مطلع القرن التاسع عشر.

وإذا وصل الجمهوري دونالد ترامب، المؤمن بالحمائية والمؤسسات الدولية سيئة السمعة، إلى سدة الرئاسة في نوفمبر المقبل، فإن وصوله سيشكل تنصلاً من قوة دفع أساسية، اتسمت بها سياسة أميركا بعد الحرب.

واستناداً للسجل التاريخي وللسياسات الراهنة المنوطة بالتجارة، لا سيما في أميركا، فإنه من الطبيعي السؤال عما إذا كان الأمر عينه سيحصل للحقبة الحديثة من العولمة. إلا أن الأمر يتطلب استيعابنا للعوامل المحركة.

ويعود سبب التباطؤ بجانب منه، إلى تضاؤل العديد من الفرص جذرياً، حتى لا نقول اختفاءها. إلا أن هذا ليس كل شيء، فإلغاء القيود التجارية بحكم المتوقف، ويمكن للمرء أن يلاحظ بوضوح، الزيادة المطردة في اعتماد المعايير الحمائية.

وقد جلبت الأزمة المالية معها تدابير رقابة، مرتبطة بمجملها بتباطؤ التدفق المالي عبر الحدود. ويرجح ازدياد مستوى مشاعر الكره للأجانب، مقروناً بتباطؤ العجلة التجارية، تقليص نمو الاستثمار الأجنبي المباشر، لا سيما في ظل سياسة أقل دعماً.

انحسار سياسي

حتى إن هامش التعامل السياسي، يشهد انحساراً هو الآخر، وتحتل أميركا مجدداً الجزء الأساسي من المعادلة. ففي حين يعدّ ترامب المرشح الأميركي الأكثر حمائية منذ الثلاثينيات، انقلبت المرشحة المنافسة هيلاري كلينتون، مهندسة «التركيز على آسيا»، على اتفاق الشراكة الاقتصادية والاستراتيجية عبر المحيط الهادئ، بعد أن كانت داعمةً أساسيةً لها.

والأهم من كل ذلك، أن شريحة واسعة هامة من الجمهور الغربي، لم تعد تؤمن بجدوى زيادة التبادل التجاري. ووصلت العولمة على أحسن تقدير إلى حالة الجمود، فهل يمكن أن تسير باتجاه معاكس؟، الإجابة هي نعم.

إذ إنها تتطلب وجود سلام بين القوى العظمى في العالم، كما قد يشير البعض إلى أنها تستوجب ظهور قوة مهيمنة، كما كانت حالة المملكة المتحدة البريطانية قبل 1914، والولايات المتحدة بعد عام 1945. ففي زمن الأداء الاقتصادي الضعيف في البلدان المتطورة ذات الدخل المرتفع، وزيادة معدلات انعدام المساواة، والانقلاب الحاد في موازين القوى العالمية، يبرز احتمال وقوع انهيار آخر.

لا تزال العولمة في حالة جمود، تماماً كالسياسات التي تقودها. وهي قد تعكس مسارها. إلا أن الجمود بحد ذاته، قد يبطئ عجلة التقدم الاقتصادي، ويقلّص الفرص أمام فقراء العالم. ويتطلب دفع العولمة قدماً، اتباع سياسات داخلية وخارجية مغايرة، تختلف عن تلك التي كانت تعتمد في ما مضى. إن مستقبل العولمة يعتمد على إدارة أفضل للأوضاع، فهل من الممكن أن يحصل ذلك، الأجواء لا تشير للتفاؤل.

Email