على ضوء تجارب ربع قرن في السياسة الخارجية

هيلاري كلينتون لن تنتمي إلى صقور الرئاسة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يدرك الجميع آراء هيلاري كلينتون في السياسة الخارجية، من منطلق وجودها في السياسة الأميركية لأكثر من 25 عاماً، ولسجلها الحافل كسيدة أولى، وعضو في مجلس الشيوخ، ووزيرة خارجية. وبما أن معظم الناس يعتقدون أنها من «الصقور» في السياسة الخارجية، أي في حالة كونها رئيسة للبلاد، فإنها تفضل تصعيد الالتزامات العسكرية الحالية لأميركا في الشرق الأوسط ومناطق أخرى، مع جر البلاد للمزيد من المغامرات العسكرية في مختلف زوايا العالم القصية. والرئيسة هيلاري كلينتون، على الرغم من تفضيلها استخدام القوة في كثير من الأحيان، من غير المرجح أن تكون من الصقور، كما يتوقع كثيرون. وذلك بالدرجة الأولى، لأن سجلها كثيراً ما يكون أكثر دقة في الواقع، إذ غالباً ما دفعت كلينتون الحلول الدبلوماسية على أنها حلول عسكرية.

ولكن الأهم من ذلك هو أنها، بصفتها رئيساً للولايات المتحدة، ستجد أن استخدام القوة في الخارج سيوفر فرصاً ثمينةً، وقليلة للغاية، لإحداث فرق، وهو ما سيكبد البلاد في الداخل تكلفة سياسية كبيرة.

عادةً ما يأتي تصوير هيلاري كلينتون على أنها شخص فائق التشدد في السياسة الخارجية بسبب عدد من القرارات التي اتخذتها على امتداد الأعوام لدعم استخدام القوة العسكرية.

وعند استعادة بعض التفاصيل، فإن هيلاري كلينتون بصفتها سيدة أولى في تسعينيات القرن الماضي، أيدت تدخل بلادها في يوغوسلافيا. وقد عمدت، كعضو في مجلس الشيوخ، للتصويت لصالح شن حرب في العراق في عام 2003. كما أعربت عن تأييدها زيادة القوات في العراق عام 2007، وفي أفغانستان عام 2009. وبحلولها على المشهد السياسي كوزيرة للخارجية، دعت لإجراء تدخل عسكري في ليبيا عام 2011، فضلاً عن اتخاذ تدابير صارمة في سوريا، (مثلاً، التسليح المبكر للمعارضة المعتدلة، وأخيراً إنشاء مناطق آمنة أو حظر الطيران). وفي الوقت الذي تردد آخرون، أيدت هيلاري كلينتون استخدام القوة للتخلص من زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن.

وبالنسبة إلى حملتها الانتخابية، فقد دعمت كلينتون قرارات الرئيس الأميركي باراك أوباما لنشر مزيد من القوات الخاصة في المنطقة، وتكثيف الضربات الجوية ضد تنظيم «داعش». ناهيك عن أن العديد من مستشاريها هم من الدعاة البارزين لزيادة الاستعانة بالقوات العسكرية، ولاسيما في سوريا.

ولكن في حين لا تعترينا الشكوك في تأييد كلينتون استخدام القوة، في كثير من الأحيان، إلا أنها قد أيدت، وبشكل ووتيرة مماثلين، الرجوع للدبلوماسية والمفاوضات كخط دفاع أول في البلاد.

فكما أشار آرون ديفيد ميلر من مركز «وودرو ويلسون» للعلماء، أخيراً، في صحيفة «وول ستريت جورنال»، غالباً ما اشتكت هيلاري كلينتون من عسكرة السياسة الخارجية الأميركية، وذلك إبان كونها وزيرة للخارجية، لتنادي بميزات «القوة الذكية» (الممثلة بفكرة أن كافة عناصر القوة الوطنية ضرورية لحل مشكلات السياسة الخارجية) فضلاً عن استخدام الدبلوماسية في مواجهة التحديات الأمنية الوطنية الأكثر خطورة في البلاد.

وتمشياً مع ذلك النهج، شرعت كلينتون في مفاوضات سرية مع ايران في عام 2012، أدت في النهاية لاتفاق نووي معها. وبشكل مماثل، دعمت انفتاح الرئيس باراك أوباما على كوبا. فضلاً عن تأييد وإنجاز إعادة الحوار مع روسيا الذي بدأ في عام 2009.

يكمن السبب الأهم لعدم ترجيح اتباع الرئيسة هيلاري كلينتون لسياسة خارجية متشددة في أنها لن تكون عضواً في مجلس الشيوخ، أو وزيرة خارجية أو مرشحة للرئاسة. لأنها ستكون رئيسة للبلاد، مما يعني أن أولوياتها ستختلف للغاية.

هناك قول مأثور في السياسة، وهو أن الموقف الذي تتخذه يعتمد على المنصب الذي تتسلمه أو المكان الذي تقف فيه. وإبان جلوس هيلاري كلينتون، كرئيسة أميركية، في البيت الأبيض، فإن العالم، والأهم من ذلك السياق السياسي المحلي، سيبدو مختلفاً عما بدا عليه إبان شغلها منصب وزيرة الخارجية.

فبصفتها وزيرة للخارجية، تشكلت وجهات نظرها بشأن مسائل الحرب والسلام إلى حد ما من وجهة النظر المؤسسية في وزارة الخارجية. إذ لا يجدر بوزير الخارجية القلق حول السياسة الداخلية، أو التأييد العام للرئيس. بينما كرئيس البلاد، فإن كلينتون ستكون كمن يستجيب للرأي العام الأميركي، كما أنها ستحظى بأولويات كثيرة أخرى، تتجاوز السياسة الخارجية التي ستحتل حيزاً محدوداً من انتباهها.

مسميات

بتنصيب هيلاري كلينتون كرئيس أميركي، فإنه من المرجح أن تستمر في تحديها لمسميات الصقور أو الحمائم، لتواصل تشتيت المدافعين عن كلا النهجين. فقد تكون في بعض الأحيان أكثر إقبالاً على المجازفات مقارنة بسلفها، لتستعين بالأداة العسكرية لدحر كل من الأعداء والخصوم. بيد أنها، شأن سلفها، لن تخاطر بالمكانة السياسية، إلا إذا كانت مقتنعة بأن هناك قضية قوية بحيث يسهم التدخل، على حد سواء، في تحسين الوضع على الأرض، ويلاقي موافقة الرأي العام بأميركا. وفي السنوات الأربع المقبلة، ستكون مثل تلك القضايا قليلة.

Email