نهج الواقعية في السياسة الخارجية انعطاف حاد في النظام العالمي الليبرالي

دور أميركا دولياً ليس اهتمام ترامب وحده

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

برز الجمهوري دونالد ترامب بوصفه المرشح الرئاسي الأكثر انعزالية في فترة نصف قرن، وانبرى من على منبر شعاره «أميركا أولاً» ينتقد التدخلات العسكرية المكلفة في الخارج، ويشكك في التزامات أميركا لحلفائها باتفاقيات لا جدوى منها.

واستشهد ترامب في خطابٍ أساسي له، أخيراً، حول السياسة الخارجية للبلاد بالتعهد باتباع «الواقعية في السياسة الخارجية» التي تعطي الأولوية للحرب على «داعش». وقال من أوهايو: «إذا أصبحت الرئيس فإن حقبة بناء الدول ستصل إلى نهاية سريعة جداً.»

ويمثل هذا النهج انعطافاً حاداً عن مبدأ الثنائية الحزبية القائم منذ زمن طويل في النظام العالمي الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة بوصفه مصدرا للقوة الوطنية. إلا أن ترامب يسير وحيداً في هذا الطريق، علماً أن مفكرين بارزين قد سعوا لإقناع الأميركيين بإعادة التفكير في دور أميركا في العالم.

تناقضات

غير أن سياسة ترامب الخارجية تحفل بعدد من تناقضات ضاعت معها الانعزالية التي يتبناها. وقد أشعل ذلك شرارة غضب عارم من جانب الخصوم الذين يرون أن لحظة التغيير قد حانت، في خضم حالة الضجر العام من التعقيدات الخارجية وبناء الدول، وتكلفة نشر جنود الجيش الأضخم في العالم.

ويقول الكاتب السياسي الأميركي إيان بريمير: «بما أن ترامب هو المروج للفكرة، فإنها مجرد مزحة، ولا ينبغي أخذ طروحاته على محمل الجد.» وكان بريمير قد طرح في كتابه الأخير بعنوان «القوة العظمى: خيارات ثلاثة لدور أميركا في العالم» نظرة مشككة حول الفوائد التي تحققها أميركا من خلال حفظ الأمن والنظام بفاعلية في العالم، وفرض قيمها الديمقراطية في الخارج. أما ستيفن والت، الأستاذ في مجال الدراسات الدولية في جامعة هارفرد والناقد البارز للتدخل العسكري الأميركي في العالم، فعلق، أخيراً، باعتبار ترامب «البائع الأسوأ في العالم الذي يمكن أن يتخيله المرء في التسويق لسياسة خارجية أميركية بديلة.»

وبما أن الحملات الانتخابية قلما تثير مسألة السياسة الخارجية، تصعب معرفة مدى استفادة مرشحين مثل ترامب بمعارضة التدخلات الأميركية في ساحات الصراعات على مستوى العالم، أو تحديد موقعها من النظام السياسي الحالي.

أما غوردون آدامز، مستشار السياسة الخارجية في حملة المرشح الديمقراطي السابق بيرني ساندرز، فأشار إلى أنه عادة ما يشعر الناخبون بالريبة إزاء مسألة الانتشار العسكري المفتوح، التي لا تحددها ضوابط، وقال: «إلا أن السياسة المطروحة ليست مترابطة اليوم منطقياً، ولا تشكل المحرك الأول لاستياء الناس من النظام السياسي في أميركا.»

مقاربة مشتتة

ويشير بعض المحللين الآخرين إلى أنه يصعب إدراج مبدأ «أميركا أولاً» في خانة الانعزالية، تماماً كما لا يسهل اعتبار مواقف ترامب مرنة، ففي حين جادل بشأن مسألة حشد الموارد الأميركية لمحاربة الإرهاب في العالم، ازدرى سياسة إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما التي اعتبر أنها تترك الشرق الأوسط يتداعى.

وقال أندرو باسيفيتش أستاذ العلاقات الدولية والتاريخ في جامعة بوسطن:«ما سمعناه أخيراً، لا يعتبر انعزاليةً، بل تدخل على مستوى العالم، وإن يكن لهدف محدد ضيق جداً يتمثل بتدمير تصور ترامب حيال ما يهددنا.»

وأكد آدامز أنه يستحيل إدراج سياسة ترامب الخارجية في إطار النهج الفكري، نظراً للمقاربة المشتتة التي يطرحها، وقال:«تلك ليست برؤية، بل سلسلة من الشعارات المتناقضة.»

ويحبّذ بريمير نهجاً يسميه أميركا المستقلة يقوم على التخفيض من أجل البناء داخلياً وجذب الحلفاء من خلال القوة الناعمة. ويبدو هذا المبدأ شبيهاً للوهلة الأولى بمبدأ ترامب، أميركا أولاً، تلك الرؤية القائمة على قوة أحادية لم تعد تحكم العالم.

إلا أن بريمير يجادل في هذا الإطار بالقول إن عدائية ترامب للاجئين ودعمه لأساليب التعذيب يطيحان بمنظومة أساسية، قائمة على مبدأ يصور أميركا على أنها مثال يحتذى به، ويجعل منها مركز استقطاب أموال العالم وطاقاته. وقال بريمير: «في حين يعتبر ترامب أن المواطن الأميركي العادي لم يعد يرغب بإنفاق تريليونات الدولارات على حروب لا تنتهي في العراق وأفغانستان، فإنه لا يكترث بجعل أميركا مثالاً يحتذي به العالم.»

انتقادات

بعد شعورهم بالغضب من الرسالة وباعثها، وجّه عدد من كبار المسؤولين الجمهوريين الاختصاصيين بالأمن القومي انتقادات حادة اللهجة إلى ترامب، ووصفوه بأنه غير مناسب لتولي منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة.

لكن هل تعني خسارة ترامب في نوفمبر المقبل عودة مارد الانعزالية إلى القمقم؟ ليس بالضرورة، حسبما يقول العالم السياسي الأميركي إيان بريمير وعدد من المحللين الآخرين.

واعتبر أندرو باسيفيتش، أستاذ العلاقات الدولية والتاريخ في جامعة بوسطن أنه:«على الرغم من إخفاق ترامب في تحدي السياسة الخارجية، فإن هذا النوع من المخاوف لا يختفي بسهولة.»

Email