أنقرة يمكنها القيام بدور بنّاء في حل مشكلة الشرق الأوسط

مصير تركيا اختبار سياسي وأخلاقي للغرب

الانقلاب عزز سلطات أردوغان بشكل مباشر

ت + ت - الحجم الطبيعي

يحتاج الغرب إلى تركيا مستقرة، وطبعاً، تركيا بحاجة إلى الاستقرار. وهناك مغريات في رؤية محاولة الانقلاب الأخيرة في تركيا وتداعياتها بالكامل من خلال عدسات مشكلات الغرب..

لكنها في الجوهر دولة تكافح من أجل الحفاظ على القواعد الدستورية. ومن أجل الأتراك، ومن أجلنا أيضا، ينبغي العمل على تحقيق السلام، وأن ندعم مكانة تركيا في نادي الدول الديمقراطية، متحدين معا في مواجهة التطرف.

وتعود جملة واسعة من مشكلاتنا المشتركة إلى سوريا، البلد الذي يحترق على حدود تركيا. فقد أجبرت الحرب الأهلية السورية الألوف على الفرار خارج البلاد، والتوجه إلى أوروبا عبر تركيا، وهو الوضع الذي كافح الجانبان للسيطرة عليه. وفي غضون ذلك، نجاح المعركة ضد «داعش» أثار موجة جديدة من عمليات القتل في أوروبا..

حيث قاد إرهابي، أخيرا، شاحنة مقتحما جموعا من الناس في نيس بفرنسا. في بادئ الأمر، بدا كما لو أنه يعمل منفردا، لكن تم اعتقال آخرين من المشتبه بهم، وأعلن تنظيم «داعش» مسؤوليته عن الهجوم. وأياً كانت حقيقة الأمر، فإن الواقع يشير إلى أننا نواجه عدوا يائسا على استعداد لاستخدام المدنيين الأبرياء كأهداف لهجماته.

مهمة عسيرة

ليس حل هذه الأزمة بالمهمة السهلة. فالإرهابيون يستغلون المشكلات الاجتماعية العالقة داخل أوروبا، التي قد تستغرق معالجتها عقودا من الزمن: البطالة، التهميش، التطرف. الوضع السياسي في سوريا أيضا معقد ومتحول.

قد يكون الرئيس بشار الأسد دكتاتورا، لكن كلا من روسيا، وأميركا المترددة بدرجة أكبر، توصلتا إلى استنتاج مفاده انهما تفضلان الشيطان الذي يعرفانه على رؤية «داعش» يوسع مناطق سيطرته.

وكان الدور التركي، تحت زعامة رجب طيب أردوغان، مبهماً. في البداية، دعم المعارضة التي تحاول تقويض سلطة الأسد. لكنه قام، في الأسابيع الأخيرة، بتطبيع العلاقات مع روسيا وإسرائيل، ووضع التقارب مع دمشق على الطاولة.

قد يكون وراء هذا التغيير في المواقف نجاح العمليات المدعومة من الغرب، وقد يكون في إطار الرد على مؤامرات «داعش» الإرهابية داخل تركيا. وفي كلتا الحالتين، من المحتمل أنه ليس هناك حل للأزمة الراهنة في الشرق الأوسط من دون أن تقوم تركيا بدور كبير بناء، ولو فقط من اجل ضمان سلامة وأمن اللاجئين داخل حدودها.

ومجددا، فإن الفوز بهذا التعاون لن يكون سهلا. فتركيا ممتعضة من الدعم الغربي للجماعات الكردية، التي يطالب بعضها بالاستقلال عن أنقرة. باختصار، من المهم أن يكون هناك مسؤول في تركيا يمكن للغرب أن يتعامل معه بشكل مباشر وفعال، فيما البديل هو الفوضى.

خطأ فادح

وتعد المعارضة لأردوغان حقيقة قائمة. فهو يرغب في التخلص من التقاليد التركية العلمانية طويلة الأمد وقد تصدى للصحافة بشكل لا يمكن تجاهله.

لكن الانقلاب العسكري أثبت أنه خطأ فادح في الحكم. فأردوغان يتمتع بدعم قطاعات واسعة، فيما يفضل المدنيون الليبراليون المعارضون لحكمه، بكل تأكيد، عزله عبر العملية الديمقراطية، بدلا من أن يكون مستقبلهم تحت إملاءات العسكر. ويبدو أن التأثير المباشر للانقلاب قد عزز سلطات أردوغان، حيث تم القبض على المتآمرين، وتم تجريد ألوف القضاة من مناصبهم.

نحن بحاجة إلى رؤية الاستقرار يعود إلى تركيا، استقرار لا تعود جذوره إلى رجل واحد، بل بالعودة للدستور واحترام الحريات السياسية والفردية. مصير تركيا هو بالتالي اختبار سياسي وأخلاقي للعالم بأسره. ونأمل أن ترتقي القيادة الغربية التي كثيرا ما اتسمت بالتذبذب والضعف إلى مستوى التحدي الذي يواجهها في هذا الصدد.

تأثيرات

في أول اختبار له كوزير خارجية، جاءت أقوال وزير خارجية بريطانيا بوريس جونسون في مكانها، في أعقاب الانقلاب في تركيا، وضرب على الوتر الصحيح، أو على الوتر الوحيد الذي يمكن للغرب أن يعزفه في الوقت الراهن. تحدث عن قلقه على البلاد، وعن البريطانيين الذين يجدون أنفسهم محاصرين في كل ذلك، وردد تأييد أميركا لعودة سريعة إلى المعايير الديمقراطية.

وبرهنت الأحداث في تركيا على أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا يغير شيئا، عندما يتعلق الأمر بالدبلوماسية العالمية. فبريطانيا لا تزال جزءا من أوروبا، ولا تزال لاعباً رئيسياً في التحالف الغربي، وما زالت مصممة على المساعدة في بناء شرق أوسط اكثر استقرارا وازدهارا، لأن ما يحصل في آسيا الصغرى يؤثر على الناس في الجزر البريطانية.

Email