الردّ الأميركي على الاعتداءات الإرهابية تمثل بتدفق المساعدات العسكرية

السلاح أولوية تونسية تسبق الديمقراطية

ت + ت - الحجم الطبيعي

مشاهدة الجرافيك بالحجم الطبيعي اضغط هنا

شكلت اعتداءات بن قردان الحلقة الأحدث في سلسلة الأعمال الإرهابية التي بدأت العام الماضي مع متحف باردو الوطني في تونس، وانتهت بمقتل 24 شخصاً، ومروراً بأعمال القتل الجماعي التي حدثت في أحد منتجعات تونس وحصدت 38 قتيلاً من السياح البريطانيين.

وتمثل الردّ الأميركي على هذه الأحداث بفتح بوابة تدفق المساعدات العسكرية لتلك الدولة الصغيرة في شمال إفريقيا. ويسهم التركيز الأميركي المتنامي على تعزيز العلاقات العسكرية مع تونس في زيادة قدرات الحكومة الأمنية، علماً أن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، الثمانيني، قد لا يكون مهتماً بمكافحة الإرهاب، كما قد يكون عازماً على التقليل من أهمية المكاسب الديمقراطية التي حققتها ثورة الياسمين.

وتسلم السبسي مقاليد السلطة إثر انتخابات عام 2014، مستفيداً من موجة الغضب الشعبي إزاء إخفاق الطبقة التي كانت تحكم البلاد آنذاك، والأزمات الأمنية والاقتصادية المتواصلة.

إلا أن حكومته تعرضت للكثير من الانتقادات من قبل ناشطين ومناصرين لحقوق الإنسان بسبب أساليب القمع بحق صحافيين نقاد، وأعمال العنف التي استمرت عناصر الشرطة في ممارستها بلا هوادة، والعفو عن مسؤولين سابقين في النظام.

نهاية الديمقراطية

لقد انقضت مرحلة اعتبار تونس قصة نجاح الديمقراطية التي تمخضت عن أحداث الربيع العربي، وحالة الطوارئ التي تجدد الإعلان عنها عقب المزيد من الاعتداءات الإرهابية تعلق حق التظاهر والاعتصام وتتضمن أحكاماً تتعلق بالرقابة وضبط الإعلام.

كما أن قانون مكافحة الإرهاب الذي تم تمريره برعاية السبسي يمنح السلطات الأمنية صلاحيات مراقبة واسعة النطاق، ويمدد فترة الاعتقال من دون محاكمة بحق المتشبه في قيامهم بأعمال إرهابية، ويسمح للمحاكم بعقد جلسات مغلقة.

وعلى الرغم من مؤشرات التحذير، أثنت أميركا على تونس، ووصفتها بالحليف الأساسي من خارج «ناتو»، ما سمح بتقديم المزيد من المساعدات الدفاعية، ومراجعة وموافقة أسرع على تمويلها عسكرياً. والأهم من ذلك أن التوصيف أتى مرادفاً أيضاً لتخفيف القيود المتعلقة بتعيين المكان الملائم لوضع الأسلحة الأميركية.

وأعرب سيث بايندر، المحلل في مرصد المساعدات الأمنية الأميركية، عن اعتقاده بأن معظم الأموال التي تذهب لتونس تتجه إلى الجيش، وليس لوزارة الداخلية الشهيرة بالفساد التي تشرف على جهاز الشرطة المكروه وجهاز الأمن الداخلي، والتي كانت تستعمل لسحق المنشقين السياسيين التابعين للنظام السابق. لكنه أضاف بالقول: «المساعدات تتجه لقطاعات أخرى، كالشرطة، وهذا ما يشكل مصدر قلق».

المساعدات وتسييس الجيش

ويشكك بايندر في قدرة الجيش على استيعاب حجم المساعدات الهائل، نظراً لقلة عدده وتهميشه تاريخياً، وعدم تجهيزه بشكل كافٍ من قبل القادة التونسيين مخافة الانقلابات العسكرية.

وإذا وزعت الأموال بشكل غير كفء، فإن ذلك يشكل موطناً آخر للفساد في دولة يشكل فيها الاحتيال والرشوة أول مسببات الثورة. وإذا كان ينظر إلى الجيش على أنه محفظة نقود السياسيين، فإن نخبة الساسة قد تحاول إقامة روابط مع الجيش لتحقيق الثراء.

وقال بايندر في هذا الإطار: «يبقى القلق الأكبر مع ذلك متمثلاً في تأثير المساعدات العسكرية الأميركية على الجيش التونسي. وهل سيؤدي ذلك إلى تسييس الجيش؟».

ولا تنتاب بعض المراقبين الآخرين للمساعدات العسكرية الخارجية مثل تلك الشكوك. وبدت ميليسا دالتون، من برنامج الأمن الدولي التابع لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أكثر تفاؤلاً حيال الإشراف على المساعدات العسكرية لتونس. وقالت: «إن برنامج التمويل العسكري الأجنبي له شروطه، ومع أن الشروط ليست موثقة، إلا أنه يوجد تفاهم بأن المال سيتم استخدامه وفقاً لأولويات متفق عليها».

إلا أن تلك التطمينات ليست كافية بالنسبة لبايندر الذي يبدي قلقاً من أن الديمقراطية لم تعد تشكل إحدى الأولويات الأميركية في تونس، وأن واشنطن تصب بدلاً من ذلك اهتمامها على إعادة بسط سيطرتها في المنطقة. ويخشى في ظل تزايد وتيرة العنف في ليبيا المجاورة لتونس، كما في تونس نفسها من إفراط أميركا في الاعتماد على القوة المسلحة لفرض النظام.

اعتبارات

حين طرح السؤال حول سبب قيام وزارة الخارجية الأميركية بمواصلة مدّ تونس بالتسليح الحربي، رد أحد المسؤولين الأميركيين قائلاً: « أود أن أقول إننا نأخذ بالحسبان جملةً من الاعتبارات عند تقييم مستوى مساعداتنا الخارجية للدول الأخرى». ويبدو أن الاعتماد على الأسلحة الأميركية بات تياراً رائجاً في تونس.

وفي حين أن بيع الأسلحة من قبل متعاقدين أميركيين إلى الحكومات الأجنبية، ينبغي أن يخضع لمراجعة صارمة من قبل الكونغرس الأميركي ، فإن وضع الحلفمن خارج «ناتو» الذي تتخذه تونس حالياً قد يغير المعادلة. إذ يتيح التوصيف بتمويل إضافي لأبحاث مكافحة الإرهاب بما يمنح تونس الأولوية لاستلام العتاد الحربي بأسعار مخفضة.

Email