أكثر من مليون شخص محاصرون في خمسين منطقة سورية

سوريا مقسمة بين جماعات منهكة من القتال

ت + ت - الحجم الطبيعي

خمس سنوات في قبضة الحرب، ليست بالفترة القصيرة، فخمس سنوات هي مرحلة التعليم الابتدائي، ومئات آلاف الذكريات في حياة الفرد.

وقد مضى على وقوع سوريا في براثن الحرب خمسة أعوام كاملة، ويدلل على مرور الوقت، الأرقام التي تشير إلى وقوع حوالي 470 ألف قتيل، وتهجير ما يقارب خمسة ملايين شخص، أصبحوا في عداد اللاجئين، إضافة إلى ستة ملايين نازح داخل البلاد.

ويبدو أن خروج المعارضة من مفاوضات جنيف، أخيراً، لم يشكل مفاجأةً لأحد، في ظل تضاؤل مستوى آمال الشعب السوري، الذي اعتاد بعد معاناة طويلة مع الحرب، على المأساة والكدح وغياب الماء والكهرباء والرعاية الصحية. تغدو الحياة وكأنها توقفت، واعتاد الناس الشعور ببرودة مقززة على وقع دوي القنابل المنهمرة.

داريا المأساة

ويحصل أمر آخر على الأرجح مع استمرار دوامة الحرب لهذا الوقت الطويل، حيث بدأ العالم يشعر بالسأم من صور القتلى والمستشفيات المدمرة والمدارس المنكوبة، ويشعر بالإنهاك من الإحصاءات المتعلقة بالجوع والاغتصاب وعدد القنابل التي سقطت على الأحياء المدنية. فخمس سنوات كفيلة بإماتة كل شعور بالتعاطف.

عندما ذهبت في أغسطس 2012 إلى داريا، المعروفة بمقاومتها الشرسة للرئيس السوري بشار الأسد، بعد «تطهيرها» لعدة أيام على يد القوات التابعة للحكومة، كانت الجثث قد أزيلت، إلا أن رائحة الموت كانت لا تزال عالقة في الأجواء.

وتساءل ميكانيكي عثر على جثة والده مع ثلاثة شبان آخرين تتراوح أعمارهم بين 16 و20 عاماً، كيف يسعهم أن يقتلوا رجلاً عجوزاً غير قادر على القتال؟.

وأضاف: «ليست تلك سوريا التي أعرفها، حين أرى المآسي الممتدة عبر البلدات، أعرف أن تلك ليست بلدي».

وسطر ذلك بداية الحرب، التي تفاقمت أكثر اليوم، وباتت داريا معزولة عن العالم، كواحدة من المناطق الخمسين أو أكثر «المحاصرة» في سوريا، والتي تحتجز وفق تقرير حديث، أكثر من مليون شخص.

وتعتبر تلك المناطق محاصرةً من القوات الحكومية، أو في بعض الحالات من قوات تنظيم «داعش»، أو مجموعات المعارضة، حيث لا يمكن للشاحنات المحمّلة بالطعام والاحتياجات الغذائية، الدخول. وهي مناطق بائسة، يستخدم فيها التجويع كوسيلة حرب، وحيث الجرحى والمصابون بأمراض مزمنة يعانون حتى الموت.

وقد دام الحصار في داريا أكثر من ثلاثة أعوام، وكان من المفروض في المحادثات في جنيف بوساطة الأمم المتحدة، أن تثير هذه المسألة، مضافة إلى موضوع الحوكمة في سوريا المستقبلية. إلا أنها، حتى لو استؤنفت، ستظل بعيدة عن تغيير الوضع الراهن.

نهاية ولو بعد حين

تصل الحروب في نهاية المطاف إلى النهاية، وذلك حين يصيب التعب اللاعبين، ويصبح المقاتلون منهكين، بحيث لا يعودون قادرين على التقدم خطوة أخرى على أرض المعركة، أو حين يقرر المجتمع الدولي، أخيراً، أنه يكفي ما حدث. وقد سبق أن شهدت على حصول ذلك عدة مرات في حياتي، في كل أنحاء العالم. وهذا ما سيحدث في سوريا أيضاً.

وعادة ما يسألني الأصدقاء، متى سيهب «الغرب» لإنقاذهم، وتراهم يعلقون، على نحو مأساوي، الأعلام الأميركية خارج نوافذهم المحطمة، ويحلمون بزمن تذوب فيه دولتهم المتجمدة.

أما أصدقائي السوريون العالقون في الداخل، فلا يسألون إن كان هناك من سيأتي لإنقاذهم، فقد تجاوزوا الأمر منذ أغسطس 2013، عقب الاعتداء بالأسلحة الكيماوية على الغوطة، حين تجاهل الرئيس الأميركي باراك أوباما «الخط الأحمر» الذي رسمه بنفسه.

إلا أنه لا يمكن لهذا النهج من الحياة المعطلة، أن يستمر إلى ما لا نهاية. فالسلام سيعود ليعم سوريا، وسيعود الناس يملؤون الشوارع، ويمشون دون خوف من أن تصيبهم رصاصة طائشة في الرأس أو الركبة. كما ستعود داريا وكل المدن والبلدات والقرى التي تجمدت بفعل الزمن من العودة المؤلمة للحياة.

طي النسيان

وصلت مسؤولة في الأمم المتحدة إلى البلدة، أخيراً، لكنها لم تتمكن من خرق الحصار، وإدخال أي من قوافل المساعدات. فقدمت اعتذارها، وأبلغت الشعب البائس أن العالم لم ينسَ أمره، لكن يصعب تصديق كلامها.

وتعرضت داريا في يناير الماضي، خلال يوم واحد فقط، للقصف بـ 75 قذيفة سقطت من الجو. وتشير التقديرات إلى أن نظام الأسد قد أسقط حوالي سبعة آلاف برميل متفجر على البلدة ما بين يناير 2014 وفبراير الماضي.

ويشير بعض المطلعين من الداخل، إلى أن الباقين في البلدة لا يتجاوز عددهم 12 ألفاً، من أصل 170 ألف مواطن، من العاجزين أو غير المستعدين للمغادرة.

Email