انتكاسات فصائلها تخل بميزان القوى لصالح النظام

تبدل المواقف إزاء المعارضة السورية يقلب الطاولة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تسود تساؤلات كثيرة اليوم، حول ما إذا كان نظام الرئيس السوري بشار الأسد يحسم الحرب الأهلية لمصلحته، وسط شعور عميق بالأسى في أوساط فصائل المعارضة داخل سوريا وخارجها، إزاء تطور مسار الأمور على امتداد الأسابيع الأخيرة، بعد أن حققت القوات الموالية للنظام عدداً من المكاسب الأساسية في شمالي البلاد ووسطها وجنوبيها، أخيراً.

والأكثر استقطاباً للأنظار من ذلك، أن تلك القوات تمكنت من كسر حصار ثلاث سنوات كانت تفرضه قوى المعارضة على قريتي نبل والزهراء الشيعيتين، اللتين لا تبعدان سوى 20 كيلومتراً فقط عن مدينة حلب، في واقع يمثل انتكاسةً حقيقية للمعارضة، لا سيما أنها استطاعت الإخلال بلعبة التطويق وكسر الطوق، التي رسخت سيطرة المعارضة على أجزاء واسعة من حلب منذ عام 2012.

لكن بعد خمسة أشهر من عجز قوات النظام الواضح عن وقف مسلسل انتصارات المعارضة في شمالي سوريا، الذي أدى للتدخل الروسي العسكري دعماً لحليفها، يبدو النظام في وضعية الهجوم على شمالي اللاذقية، وغربي الغوطة قرب دمشق، ودرعا، والمناطق الريفية من حماة وإدلب وحلب، مستعيداً مركزه السابق بشكل مؤثر.

ويصعب كثيراً الحكم على نجاح أحد الأطراف، في ظل تلك المكاسب التكتيكية، فمن الواضح أن المعارضة كانت في الجانب الرابح قبل عامٍ واحد فقط، في حين كانت قوات النظام تعاني من نقص القوى البشرية، وفقاً لما أقر به الرئيس السوري بشار الأسد نفسه في خطاب في أغسطس الماضي.

وتعتبر أزمة المعارضة الحقيقية أكثر عمقاً، تماماً على غرار شعور الإحباط السائد بين أوساط المقاتلين. وتتزامن هذه الانتكاسات مع التحديات الداخلية والإقليمية والدولية البالغة، التي قد تخل بميزان القوى بشكل دراماتيكي يميل لصالح النظام.

وتشهد جماعات المعارضة فرار العناصر لأسباب مألوفة، كعدم الرضا عن القادة في مختلف المجالات، وقد زادت الوضع سوءاً، الغارات الجوية العنيفة التي تعمق غضب العناصر، وتعطيهم سبباً آخر للانشقاق.

وتسلط بعض إعلانات الانشقاق التي تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الضوء على عجز فصائل المعارضة عن الاحتفاظ بالمقاتلين، الذين ما عاد باستطاعتهم التساهل مع عمليات الانقسام والاقتتال، التي كانت تحصل يوماً داخل القوى المعارضة للنظام، بسبب ارتفاع مستوى الدمار بشكل لافت، منذ دخول روسيا على خط الصراع.

وقد انعكس ذلك على فصائل المعارضة التي يفترض أن تكون الأقوى شوكة في الشمال، التي لم تتمكن من صدّ تقدم النظام، وشهدت تقلص مقاتليها بشكل واضح، بعد أن فشلت في تجنيد المزيد من العناصر، أو الاحتفاظ بجندها على الأقل.

أضف إلى ذلك، أن مؤيدي المعارضة الإقليميين قد قلصوا مستوى الدعم أيضاً، قبيل تقدم قوى النظام.

وتتخبط بعض دول المنطقة في حال من التشوش والارتباك، فتبدو عاجزةً أو غير مستعدة لتقديم الدعم لحلفائها، وقد أدت بعض التطورات الأخيرة، المتمثلة بتعاون بعض الدول العربية المجاورة، مع روسيا، بالتزامن مع خفض المساعدات لسوريا، أو وقوف بعضها الآخر موقف المتفرج، إلى الاستنتاج بأن النظام قد تمكن، أخيراً، من قلب الطاولة.

وفي هذا الإطار، تجد الدول الغربية والإقليمية نفسها في وضعٍ يتفق فيه تأثير حملة النظام على القوى المتطرفة في الشمال مع أهداف إضعاف المتشددين، دون أن تضطر تلك الدول للانحياز بالضرورة إلى النظام. أما المعارضة، من جهة أخرى، فتتكبد الخسائر على الجبهات، ما يعني أنه على الرغم من أن معظم المقاتلين المعارضين هم من الوطنيين، الذين لا يرغبون بأن يقرر المتشددون مصير البلاد، فهم إما ضعفاء، أو ينسقون مع الجماعات المتشددة.

ولا شك أن الانتكاسات التي تشهدها المعارضة هي الأسوأ في غضون أربع سنوات، إلا أن ما يجعلها مصدر قلق أكبر، هو تقلب المواقف الداخلية والإقليمية والدولية إزاءها.

ظاهرة

في الداخل السوري، يفر عدد من الجنود من أرض المعركة، بمن فيهم العناصر المنتمية إلى الجماعات المعارضة للنظام. وتم، أخيراً، تسريب أحد التسجيلات الصوتية النادرة لأبي ماريا القحطاني، أحد مؤسسي "جبهة النصرة" في سوريا، وهو يدعو في رسالة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى تجاوز المنشقين تصرفات قادتهم والعودة إلى القتال.

ومما جاء في كلام القحطاني في رسالة نشرتها مواقع التواصل الاجتماعي: «كل من يتخلى عن القتال، إما بسبب وجود العديد من اللصوص، والوصولين والمنتفعين، أو بسبب غياب المصداقية لدى بعض الفصائل، أشبه بمن يترك الصلاة لأن أحدهم سرق حذاءه من باب المسجد».

Email