سبيل الغرب لكبح الجماح الروسي يكمن بفرض حسابات الربح والخسارة

إسقاط الطائرة الروسية يستهدف سياسة بوتين الخارجية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتمثل المفاجأة الكبيرة في إسقاط سلاح الجو التركي للطائرة الحربية الروسية أخيراً، في أن ذلك لم يحدث في وقت أكثر تبكيراً، فموسكو كانت قد صعدت بالفعل توغلها في المجال الجوي لحلف «ناتو» وبصفة خاصة فوق البلطيق..

ولكن في غرب أوروبا كذلك، وعندما أقامت روسيا أخيراً، قاعدة جوية في منطقة اللاذقية السورية على بعد 30 كيلومتراً فحسب من دولة عضو في الحلف، مضى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تحديه لـ«ناتو» إلى مستوى أعلى وأكثر خطورة.

الآن وفيما ترد روسيا وناتو على هذه الحادثة، فإن من المهم أن نتذكر أن الدوافع الأيديولوجية والجيوسياسية والمتعلقة بالسياسة الداخلية التي دفعت بوتين للمضي على هذا الطريق.

نهج بوتين

وتحدد أفكار عدة نهج بوتين فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، ومنها أن روسيا لا تخطئ أبداً، ولكن الغرب يخطئ بحقها، وقد كانت نهاية الحرب الباردة بالنسبة لروسيا المعادل لمعاهدة فرساي التي أعقبت الحرب العالمية الأولى بالنسبة لألمانيا، أي أنها مصدر لا ينفد للمعاناة والشعور بالإذلال..

وساد الانطباع بأن الواجب الأسمى للزعيم الروسي الوطني حقاً، هو أن يعيد للدولة الروسية بعض أصولها الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية في الداخل والخارج على السواء، والتي فقدت في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي. وهذه هي خطة بوتين الشاملة وأجندته الاستراتيجية التي اتبعها بلا هوادة منذ اليوم الأول لرئاسته في عام 2000. وقد أطلقت على ذلك قبل عدة سنوات اسم «مذهب بوتين».

وفي هذا السياق، فإن إسقاط طائرة روسية من قبل دولة عضو في «ناتو» يبعد دفعة قوية للسياق الدعائي الروسي، فما وصفه بوتين بالفعل بأنه «طعنة في الظهر» يفتح نطاقاً من الخيارات بالنسبة للكرملين للمزيد من التصعيد مع هدفه الرئيس، أي «حلف ناتو المكروه». وهو تصعيد يتم القيام به أمام الجمهور الداخلي الذي تم ترويعه على نحو مناسب.

هل هناك طريقة أمام الغرب لوقف التلاعب مع روسيا والشروع في تهدئة قوة الدفع المتزايدة على نحو خطر من جانب سياسة بوتين الخارجية؟

تغيير سلوك روسيا

الطريقة الوحيدة الفعالة لتغيير سلوك روسيا هي أن يقوم الغرب بزيادة التكاليف والمخاطر السياسية الداخلية المترتبة على سياسة بوتين الخارجية.

واحتفاظ النظام الروسي بالديناميكية السياسية لا بد من رده على أعقابه تدريجياً إلى أن تصبح السياسة الخارجية الروسية، وهي المصدر الوحيد الآن لنجاح النظام والتأييد الشعبي له، تصبح مصدراً للشك والإحراج والندم، الأمر الذي يدفع بوتين للمرة الأولى للقيام بتحليل لدراسة التكاليف والفوائد.

والتاريخ الروسي الحديث واضح تماماً في هذا الصدد، ففي السنوات المئة والخمسين الماضية، حدثت أكثر تغييرات النظام حدة في أعقاب النكسات العسكرية وتلك المتعلقة بالسياسة الخارجية.

فالإصلاحات الليبرالية الكبرى التي أدخلها ألكسندر الثاني أعقبت الهزيمة في حرب القرم (1853-1856). وثورة 1905 حدثت في أعقاب الحرب الروسية اليابانية (1904-1905) والثورة البلشفية لعام 1917 حدثت خلال الحرب العالمية الأولى، وطرد نيكيتا خروتشوف حدث بعد أزمة صواريخ كوبا، وسياسة البروسترويكا التي أدخلها ميخائيل غورباتشوف عجل بها إلى حد كبير مستنقع الحرب في أفغانستان.

وبوتين يعرف ذلك التاريخ ويكره تكراره، ولكنه معرض للتهديد ذاته. وبعض الإجراءات المباشرة يمكن أن توضح هذا المفهوم.

زيادة الضغط

وبداية، يمكن للولايات المتحدة وفرنسا وحلفاء آخرين زيادة الضغط على نظام الرئيس السوري بشار الأسد إلى حد يقوم معه بوتين إنقاذاً لماء الوجه بالتفاوض للخروج من سوريا. والغرب أيضاً ينبغي أن يرسل أسلحة دفاعية مثل الأنظمة المضادة للدبابات إلى أوكرانيا لزيادة الكلفة على القوات الروسية المتحالفة مع الانفصاليين المؤيدين لروسيا.

عقوبات

من المهم كذلك إبقاء العقوبات الاقتصادية، ولا بد من إجبار بوتين على الاختيار من ناحية بين إنفاق ما يتراوح بين 2-4 مليون دولار يومياً في سوريا، وبين تكبيد المتقاعدين 38 مليون دولار يومياً، وهم يشكلون القاعدة الأساسية السياسية لبوتين.

إن السياسات التي قد تقود إلى المواجهة العسكرية الأولى بين«الناتو» وروسيا منذ نهاية الحرب الباردة، تضرب جذورها بعمق في الرؤية العالمية والحسابات السياسية للقيادة الروسية الحالية، ولكي يكون الغرب فعالاً في تغيير عقلية بوتين، لا بد له أخيراً، من أن يبدأ بتقدير ذلك، واختبار رد فعله بناء على ما يصل إليه.

Email