متشككون يرونه مستحيلاً ومتفائلون يحذرون من المخاطر

الاتفاق النووي يفتح أفقاً لبناء الثقة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

«الأمور تبدو دائماً مستحيلةً إلى أن تتحقق»، هذه عبارة للزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا عادت إلى الذاكرة مع توصل القوى السبع المجتمعة حول طاولة فيينا بقيادة الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي مع إيران في 14 يوليو.

فبعد عقود من التوتر وانعدام الثقة، واثني عشر عاماً من الأمل، واثنين وعشرين شهراً من المفاوضات السياسية العسيرة بالغة التعقيدات وعالية التقنيات، تمكنا ،أخيراً، من النجاح. فهل ستقلب هذه الخطوة صفحة علاقات إيران مع بقية العالم؟ ينقسم المراقبون، ويحمى وطيس النقاش لأسباب أتفهمها تكمن وراء التشكيك، لكني أعتقد أن أوراق فصل جديد توشك على أن تفتح.

اتفاق يتحدى الزمن

لن يحصل التغيير بين عشية وضحاها، ولا خلال شهور ربما، وسيأخذ وقتاً. كما أنه يستدعي إرادةً ورؤية سياسية قوية والكثير من العمل الدؤوب. وسيتطلب شجاعةً تصل إلى حد الجرأة، في مكونات كانت كفيلة بالتوصل للاتفاق ونجحت. ويجب أن نكون على ثقة بأن الإرادة القوية ذاتها يمكن أن تؤسس لإطار عمل إقليمي مختلف، مبني على التعاون بدلاً من المواجهة.

ويمنحنا المشهد المفرح للشباب الإيراني الذي احتفل في الشوارع سبباً جيداً لنحظى بالأمل. لقد شهدنا موجة من الاغتباط العارم لما حصل ممزوجاً بتوقعات لغد أفضل. وشكلت الخطوة تذكيراً لنا بأن الاتفاق هو استثمار بالأجيال المقبلة، التي تحتفل بمستقبل مغاير.

ندرك أنه لا تزال هناك أجواء من القلق في المنطقة والعالم. لكن إذا كانت المفاوضات قد استغرقت كل هذا الوقت، وكانت بمثل هذه الصعوبة، فلحاجتنا ورغبتنا بأن نتوصل إلى اتفاق متين، يصمد في وجه الاستقراءات أينما أتت، ويجتاز تحدي الزمن.

لقد شهدت بدايةً التزام المفاوضين الإيرانيين برئاسة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، المماثل لالتزام القوى العظمى الست. وبرزت بعض الأحاديث التي وصفت لقاءات فيينا بـ«المحمومة». لكن لا يمكن توقع أقل من ذلك نظراً للقضايا موضع البحث. ومع ذلك فقد كنا جميعاً راغبين بأن تجري المحادثات على أساس الاحترام المتبادل والوضوح، وهذا تماماً ما كانت عليه.

علينا ألا ننسى أن المفاوضات انطلقت من نقطة انعدام الثقة بين إيران والمجتمع الدولي. وتوصلت لاتفاق غير مبني على الثقة وحسب، بل على الالتزامات المحددة، والشفافية والإثباتات.

الاتفاق وإيديولوجيا «داعش»

كان هدف المفاوضات أن تعالج وتتوصل إلى حل بشأن برنامج إيران النووي، حيث تم الاعتراف الكامل بطموحات إيران المشروعة لحيازة برنامج نووي لأهداف مدنية، مع الحصول على ضمانات على أنها لن تمتلك «تحت أي ظرف كان» قنبلة نووية.

وسيترافق قانون رفع العقوبات مع تطبيق إيران للإجراءات المتعلقة بالشق النووي. وضع هذا الاتفاق ليتحدى عامل الزمن بوصفه اتفاقاً محكماً لا يحمل مجالاً للتأويلات أو الشكوك. وهو اتفاق يتيح لنا من خلال تطبيقه بناء الثقة وإرساء قواعد علاقة جديدةٍ.

يعمد تنظيم «داعش» لنشر إيديولوجيته الشريرة والمدمرة في منطقة الشرق الأوسط وسواها. وليس هناك من مبعث قلق أكبر للتنظيم من تهاون بين الغرب والعالم الإسلامي، لما ينطوي عليه من دحض لسياق صراع الحضارات الذي يحاول التنظيم إعادة إحيائه. يمكن لتحالف الحضارات أن يكون السلاح الأقوى في الحرب ضد الإرهاب.

إلا أن الأمر لا يتعلق بـ«داعش» وحسب، بل بمنطقة الشرق الأوسط الغارقة برمتها بالاضطرابات، الشاهدة على ارتفاع حدة التوترات الطائفية. نحتاج لجميع القوى الإقليمية للاجتماع حول طاولة مفاوضات واحدة لوقف المذبحة. ويمكن للتعاون بين إيران والمجتمع الدولي أن يولد احتمالات غير مسبوقة لإحلال السلام في المنطقة بدءاً بسوريا واليمن والعراق.

يعتقد المشككون أن الأمر غير ممكن أو مستحيل، ويحذر المتشائمون من المخاطر، في حين أثبتت مفاوضات فيينا ألا شيء يصعب على الإرادة السياسية القوية الراغبة في تخطي المشقات. السفر إلى إيران أمر محسوم بالنسبة لي، حيث إن نهاية سنوات المفاوضات الطوال، لا تعني حتماً نهاية العمل المشترك، «الأمور تبدو مستحيلةً إلى أن تتحقق».

إطار عمل

أوكل إلي وزراء خارجية الدول الأوروبية، أخيراً، مهمة إيجاد «سبلٍ تعزز ترويج دول الاتحاد الأوروبي إطار عمل إقليمي أكثر تعاوناً» .

وستقتضي مهمتي التنسيق مع اللجنة المشتركة لتطبيق الاتفاق مع إيران. وهو سبب مباشر يدفعني للسفر إلى إيران ولا تقف حدود المهمة هنا، بل تمضي للبناء على المحصلة التاريخية التي حققناها في فيينا.

ويؤكد لنا اتفاق فيينا وجود الكثير من المكاسب المرجوة. ويعود لنا أمر الاستفادة القصوى من هذه الفرصة. نحن الأوروبيين يجمعنا تقليد طويل من العلاقات مع إيران. فقبل فرض العقوبات عام 2005، كانت مساحات التعاون بين أوروبا وإيران تغطي مختلف المجالات.

Email